رام الله الإخباري
أكدت دراسة أميركية حديثة، أن الولايات المتحدة ستفقد حوالي 2.1 مليون وظيفة في حالة نشوب حرب تجارية شاملة مع الصين، وأن هذه الوظائف ستشمل 40 صناعة، تدخل منتجاتها ضمن القائمة التي أعدتها الصين لفرض رسوم إضافية، رداً على الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على المنتجات الصينية.
وأكدت الدراسة، التي صدرت عن معهد بروكنغز في واشنطن، واطلعت عليها "العربي الجديد"، أن المسؤولين التجاريين الصينيين على دراية تامة بالعناصر الرئيسية المختلفة، ذات الأهمية التي تشكل قاعدة الإنتاج الأميركية، ربما أكثر من نظرائهم الأميركيين.
وأوضحت أن الصينيين عمدوا عند وضع قائمتهم إلى تمثيل جميع المنتجات ذات التقنية العالية والمنخفضة والصناعية والزراعية والسلعية والمتخصصة، كما اشتملت القائمة على شركات من صناعات ضخمة كصناعة البلاستيك وصناعة الطائرات، إلى الصناعات البسيطة الموجودة في بعض المزارع، مثل صناعات الذرة وفول الصويا.
ومع إعلان الرئيس الأميركي في وقت سابق من إبريل/ نيسان الجاري، عن فرض رسوم جمركية إضافية على ما قيمته 50 مليار دولار من واردات بلاده من الصين، وردّ الصين بتطبيق رسوم جديدة على أكثر من 100 من المنتجات التي تستوردها من الولايات المتحدة.
وما إن أوعز ترامب إلى إدارته بإضافة ما قيمته 100 مليار دولار من الواردات لقائمة المنتجات التي تطبق عليها الرسوم الجديدة، تعهدت الصين بالرد برسوم بنفس القيمة حال تطبيق ذلك، ما يجعل الحرب التجارية الشاملة التي تصورها بعضهم قريبة بدرجة كبيرة.
ودفعت المخاوف المتنامية العديد من المراكز البحثية الاقتصادية والمؤسسات المالية إلى إعداد الدراسات، وعقد الندوات، لمعرفة تأثير تطبيق التعريفات التجارية المقترحة على الواردات في الدولتين.
وحذر العديد من المتخصصين، بمن فيهم بعض مستشاري ترامب الاقتصاديين (ومنهم من استقال اعتراضاً عليها) وأعضاء في الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس من تطبيق الرسوم التي قررها ترامب، بسبب ما ستؤدي إليه من انخفاض في صادرات الولايات المتحدة، وبعض حلفائها التجاريين والسياسيين، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى خسارة مئات الآلاف من الأميركيين وظائفهم.
وأكد معهد بروكنغز في دراسته أن الصينيين قد بذلوا جهداً كبيراً للتحقق من التوزيع الجغرافي لنظام الإنتاج الأميركي، مع الأخذ في الاعتبار الانقسام السياسي الكبير الذي يعصف بالولايات المتحدة منذ انتخاب ترامب.
وقدمت الدراسة خريطة للولايات المتحدة، قسمت فيها إلى المقاطعات التي تتكون منها، والتي يتجاوز عددها الثلاثة آلاف مقاطعة، لتوضيح التأثير على الوظائف في كل واحدة منها.
واعتبرت الدراسة أن "التجارة الخارجية تنطوي على ملايين العمال في مئات من الأماكن المختلفة، وأنها غالباً ما تؤثر في التجارة المحلية المهمة"، مشيرة إلى هذا يعني أن أي حروب تجارية قادمة لن تكون بعيدة عن المجتمعات الأميركية المحلية، والتي من المرجح ألا تظل صامتة تجاه أي تأثيرات سلبية محتملة على الوظائف فيها.
وعند اختيار المنتجات التي ستفرض عليها الرسوم، لفتت الدراسة، إلى تجاهل المسؤولين، غالباً عن عمد، انقسام الولايات والمقاطعات الأميركية ما بين الحزبين، بل على العكس، فإن القوائم تبدو كأنها مصممة للتأكد من أن الحزبين في جميع أنحاء البلاد تقريباً يتأثران بدرجة كبيرة جداً بطبول الحرب التي تقرع.
فمن ناحية، جاء توزيع الوظائف المعرضة للفقدان بالتساوي تقريباً في المقاطعات التي فاز بها ترامب وكلينتون في انتخابات 2016، لتتحمل المقاطعات التي فاز بها ترامب حوالي 52% من تلك الوظائف، بينما تتحمل المقاطعات التي فازت فيها كلينتون النسبة الباقية، أي 48%، الأمر الذي يلقي عبئاً على ممثلي الحزبين في الكونغرس من جراء المواجهة.
ومن ناحية أخرى، فقد عمدت القوائم الصينية لتأليب الرأي العام، من قاعدة ترامب الجماهيرية، على قراراته، حيث كانت نسبة المقاطعات الحمراء (أي التي صوتت لترامب) حوالي 82%، بينما كانت نسبة المقاطعات الزرقاء (التي صوتت لكلينتون) حوالي 18% فقط، من ضمن 2742 مقاطعة يحتمل تأثر العمالة فيها بالرسوم الصينية.
وأوضحت "خرائط التأثيرات الجمركية" التي رسمها الصينيون، ورصدتها دراسة بروكينغز، وصمم الصينيون ردود أفعالهم على أساسها، أن المسؤولين الصينيين درسوا بتعمق جغرافية الأماكن المرتبطة بالتجارة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وعرفوا أيها يسبب أكبر قدر من "الآلام الذكية"، وذلك حتى يتمكنوا من دفع الأزرار التي تضمن تعبئة النظام السياسي بأكمله للضغط وقت الحاجة.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير حديث، صادر عن معهد بيترسون في واشنطن، أن "تهديدات إدارة ترامب التجارية، وما تبعها من إجراءات، وردود الأفعال الصينية، هي أخطر الإجراءات التي نشهدها منذ أن أقامت الولايات المتحدة وحلفاؤها النظام الاقتصادي الدولي في أربعينيات القرن الماضي".
ولن تقتصر الأضرار على الاقتصادين الأكبر في العالم، وإنما ستطاول أغلب دول العالم أيضاً، لتشابك عمليات التجارة الخارجية وسلاسل القيمة المضافة، إلا أن أغلب الدول تقف مشدوهة، وهم يتابعون ما يقوم به كل من عملاقي التجارة لوصول كل منهما لأهدافه، وتحقيق أجندته، وفق خبراء الاقتصاد.
العربي الجديد