رام الله الإخباري
على مدار يومين، نشبت معارك كلامية بين واشنطن وموسكو حول الضربة العسكرية التي ينوي الرئيس الأميركي دونالد ترمب توجيهها، إلى النظام السوري رداً على قصف طائرات الأسد مدينة دوما بالغاز السام؛ مما تسبب في سقوط عدد من الضحايا، أغلبهم أطفال ونساء.
يبدو أن معاقبة الأسد على استخدام الغاز السام ضد المدنيين، ليست هي الهدف الأهم بالنسبة لترمب، ولكنه هدف يخفي وراءه العديد من المصالح التي ينوي الرئيس الأميركي ضربها بحجر واحد.
1- التخلص من تهمة تدخُّل روسيا في الانتخابات الأميركية:
الرئيس الأميركي ومنذ وصوله للسلطة رسمياً قبل عام ونصف العام تقريباً، دائماً ما يُتهم بضلوع روسيا في نجاحه ووصوله إلى البيت الأبيض، حتى وصل الأمر بمدير الاستخبارات الأميركية السابق، جيمس كلابر، الذي أشار ذات مرة إلى أنَّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يُدير ترمب كما لو أنَّه كان "عميلاً" في الاستخبارات الروسية؛ بسبب تهاون ترمب مع بوتين.
هذه التهمة التي تلاحق الرئيس الأميركي، ربما جاء الوقت للتخلص منها نهائياً إذا ما تم توجيه هذه الضربة لبشار الأسد حليف روسيا الأول، أو بمعني أوضح الوكيل الروسي في المنطقة العربية.
ترمب وكعادته، هرع إلى منبره المفضل، تويتر، للتعبير عن غضبه من فعلة بشار الأسد، وقال في تغريدة إن الصواريخ الذكية الأميركية ستوجَّه اليوم، ليس إلى دمشق أو بشار الأسد، ولكنه وجه كلامه إلى الروس؛ مما دفع الكرملين للرد على ترمب.
إذا ما كنا نتحدث عما يريده ترمب من هذه التغريدة، فهو -بلا شك- بعث برسالة لمعارضيه بشأن روسيا، مفادها أن الأمر قد حُسم، وأن الرسالة بالأساس ليست موجهة لبشار الأسد، ولكن أيضاً لروسيا.
أيضاً، ليس ترمب وحده من يريد أن يوجه التحذيرات لروسيا، فالمندوبة الأميركية الدائمة لدى مجلس الأمن، هيلي نيكي، هي الأخرى كان خطابها موجهاً لروسيا وليس بشار الأسد.
2- الرد على التنسيق الروسي-التركي-الإيراني في سوريا وتراجع الدور الأميركي:
غابت أميركا عن الأزمة السورية برغبتها منذ أن تجاوز بشار الأسد الخطوط الحمراء التي وضعها له الرئيس السابق، باراك أوباما، عام 2013، فالصمت الأميركي على ضرب سكان الغوطة بالكيماوي عام 2013، لأول مرة منذ اندلاع الثورة، دفع روسيا للتوغل أكثر في سوريا، والدفع بكل قوتها من أجل حماية نظام الأسد من السقوط؛ مما دفع تركيا -اللاعب الرئيس في سوريا- للتعاون من روسيا.
فالأطراف الفاعلة في الأزمة السورية الآن هي روسيا وتركيا وإيران، في الوقت الذي باتت فيه الولايات المتحدة في موقف المتفرج، حتى فيما يتعلق بالتسوية السياسية التي ترعاها الأطراف الثلاثة، في أستانا وسوتشي وغيرها من المباحثات السياسية بين الأسد والمعارضة.
فالتقارب السريع بين الأطراف الثلاثة الذي بدأ بشأن سوريا ثم تطور إلى مصالح اقتصادية، بداية من النفط والغاز ثم وصل إلى ذروته بعد محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا صيف 2016- أصبح يقلق حلف الناتو؛ لكون تركيا -العضو الأهم فيه- باتت تبحث عن مصالحها خارج الحلف.
فبلا شك، هذا التنسيق لا يروق لإدارة ترمب؛ ومن ثم لا بد من خلط الأوراق في مسرح عمليات الدول الثلاث عبر هذه الضربة، كما ترى صحيفة Theguardian البريطانية.
3- معاقبة روسيا غربياً لا سيما بعد موضوع مقتل الجاسوس في بريطانيا:
يبحث ترمب الآن عن طريقة لمحاسبة روسيا على محاولة تسميم الجاسوس الروسي في بريطانيا، سيرغي سكريبال وابنته يوليا، والتي اعتبرها البعض بداية حرب باردة ضد موسكو.
فعقب الواقعة، أقدمت عشرات الدول الأوروبية على طرد سفراء روسيا من أراضيها، وبحثت فرض عقوبات اقتصادية على موسكو جراء هذه الفعلة، التي لم يثبت تورط روسيا فيها بشكل واضح.
لكن، يبدو أن العقاب الدبلوماسي والاقتصادي لن يقنع ترمب؛ ومن ثم لا بد أن يكون هناك عقاب آخر لموسكو، في سوريا، التي باتت تعد خط الدفاع الأول عن روسيا بالنسبة لبوتين.
فالرئيس الأميركي قد يرى أن هذا الوقت هو الأنسب لشن ضربات على حليف روسيا بشار الأسد، ما أثار تكهُّناتٍ مشؤومة بين المُقرَّبين للكرملين، مفادها أن مثل هذه الخطوة قد تشعل صراعاً أوسع نطاقاً. حتى إن أحد الباحثين الذين يقدمون المشورة لوزارة الدفاع الروسية أشار إلى شبح "حرب عالمية ثالثة" يلوح في الأفق، بحسب تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية.
ولكنّ ثمة تهديداً كبيراً إذا ما تعرَّض جنود روس لضربات أميركا التي ينوي ترمب شنها، كما تقول صحيفة The Guardian البريطانية، على لسان المُحلِّل العسكري الإسرائيلي رؤوفين بن شالوم، الذي قال إن "القضية الرئيسية هي المظلة التي يُقدِّمها الروس للسوريين؛ لذا فإن الروس داخل سوريا". وأضاف قائلاً إنَّ الولايات المتحدة تُخاطر بشن هجوم قد يتسبب في بدء حرب عالمية ثالثة.
وليست أنظمة الدفاع الجوي الروسية هي الخطر الأكبر الذي يواجه ترمب هنا؛ بل قتل الروس. يُذكَر أن الإدارة الأميركية قد حذَّرَت روسيا قبل هجوم العام الماضي (2017) على مطار الشعيرات، ومن المُتوقَّع أن تفعل ذلك مرةً أخرى. وتعرف الولايات المتحدة أيضاً موقع الروس داخل القواعد السورية، لكن كما قال بن شالوم، فإن الأمورر قد تخرج عن السيطرة في الحرب.
4- التخلص من المحقق مولر:
أصبحت التحقيقات التي يجريها المحقق روبرت مولر بشأن علاقة الروس بالانتخابات الرئاسة الأميركية تسبب صداعاً -فيما يبدو- لترمب، رغم عدم توجيه أي اتهام إلى الرئيس الأميركي بشكل مباشر، لكن القضية برمتها غير مستساغة لدى ترمب وفريقه وكذلك أعضاء الحزب الجمهوري أيضاً.
فمولر خلال الأسابيع الماضية، نجح في إقناع جورج نادر، الأميركي من أصل لبناني، بمد المحققين بالمعلومات عن تدخُّل الروس في الانتخابات مقابل الحصانة، وهذا الأمر فتح الباب على مصراعيه بشأن القصة برمتها، وأحرج الرئيس الأميركي، الذي حاول التقليل من شأن هذه الخطوة برمتها واستعداده للمثول أمام مولر إذا طلب ذلك.
لكن رغم ذلك، فالرجل يمثل أزمة لترمب ومؤيديه من الجمهوريين، الذين يقولون إنه يمكن لترمب عزل مولر، لكن بعض المشرعين يعتبرون أن هذا الأمر يعد ضرباً من الخيال.
فإزاحة الرجل ليست بالأمر السهل، بحسب صحيفة washingtonpost، التي اعتبرت أنه رغم نفي ترمب المتكرر قيامه بمثل هذه الخطوة، فإن الصحيفة الأميركية اعتبرت أن الرئيس الأميركي قد يقْدم على هذه الخطوة في نهاية المطاف.
أيضاً المشرعون الداعمون لمولر يحاولون في هذه الأوقات تحصين منصب المحقق كنوع من الحرص، بعدما أشيع أن ترمب قد يقْدم على الإطاحة بمولر، عقب توجيه الضربة العسكرية إلى نظام الأسد.
ومؤيدو هذا الرأي يرون أنه في حال قيام ترمب بتوجيه ضربة قوية ومؤثرة لنظام الأسد؛ ومن ثم يرتد الأمر على حليفته روسيا، فسترتفع أسهم الرئيس الأميركي أمام شعبه؛ ومن ثم فلن يكترث الكثيرون بعزل مولر إذا ما تم، ومن هنا تمثل هذه الضربة هدية ذهبية للرئيس الأميركي للتخلص من الصداع الذي يلازمه منذ عام تقريباً.
5- زعامة أميركا للقوى الغربية وعودة الاعتبار لمكانتها الدولية:
تكررت تصريحات قادة الدول الأوروبية الداعمة لتوجيه الضربة، بأن هناك تنسيقاً كبيراً بين بلادهم والولايات المتحدة والرئيس ترمب، حول الأزمة، فعلى سبيل المثال، قالت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إنه على العالم أن يتحرك الآن ضد بشار الأسد.
أيضاً الرئيس الفرنسي يشاطرها هذا الخيار، بعدما كان هناك حديث عن إجراء تحقيق في الواقعة، ولكن الإخفاق في مجلس الأمن مساء الثلاثاء 10 أبريل/نيسان 2018، جعل الدول الأوروبية تزيد من تنسيقها مع الإدارة الأميركية من أجل هذه الضربة.
هذا الإجراء أيضاً قد يمثل فرصة كبيرة للرئيس الأميركي لقيادة الأوروبيين، في ظل انشغال ألمانيا بوضعها الداخلي وأزمة اللاجئين، وأيضا فرنسا التي تجاهد من أجل لعب هذا الدور.
المملكة العربية السعودية أيضاً قالت إنها قد تشارك في هذه العملية إذا لزم الأمر، كما قال ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في أثناء زيارته الأخيرة لفرنسا.
وحتى الآن، لم يصدر أي قرار أو إجراء رسمي من قِبل الرياض بشأن العملية، ولكن ثمة أمر هام، وهو ماذا عن تصريحات الرئيس الأميركي التي قال فيها: إذا كانت السعودية ترغب في بقاء القوات الأميركية في سوريا فعليها أن تدفع.
عرب بوست