رام الله الإخباري
قالت صحيفة "هآرتس" العبرية إن إسرائيل، فشلت في المعركة الدعائية أمام حركة حماس والجماهير الفلسطينية، بعد محاولتها تصوير مسيرة العودة التي شارك فيها عشرات الآلاف في قطاع غزة الجمعة محاولة لاجتياح الحدود.
وأوضح الكاتب الإسرائيلي حيمي شاليف في مقال نشره بالصحيفة، أن محاولة إسرائيل تزويد صناع القرار بالغرب بأدلة اختراق مسلحي حماس للسياج واستغلال حركة الاحتجاج فشلت أمام مشهد تلقي شاب رصاصة في ظهره واستشهاد 15 فلسطينيا.
ولفت شاليف إلى المحصلة نهاية يوم الجمعة كانت أن "السياج الأمني لم يتعرض لأذى ونجحت حماس في تحدي وإحراج إسرائيل وإذا لم يجد القادة العسكريون سبيلا لاحباط مساعي اختراق السياج دون التسبب في سقوط ضحايا فإن مأزق إسرائيل سيستمر في الاتساع".
وفيما يلي النص الكامل للمقال:
مذبحة غزة انتصار دعائي لحماس وكابوس للدعاية الإسرائيلية
دعم ترامب غير المشروط يقوي نتنياهو ولكن من شأنه أن يطلق شرارة لرد فعل مناوئ لإسرائيل من قبل منتقدي الرجلين
لأول مرة منذ وقت طويل، تصدرت أخبار الصراع الإسرائيلي الفلسطيني نهاية هذا الأسبوع الواجهة في تقارير وسائل الإعلام الدولية. بادر المتحدثون الرسميون الإسرائيليون بتزويد الإعلام بدليل يثبت أن مسلحي حماس حاولوا اختراق السياج الحدودي في غزة تحت غطاء ما يفترض أنه احتجاج شعبي، إلا أن صناع القرار في الغرب فضلوا الاعتماد على مقطع فيديو انتشر في وسائل التواصل الاجتماعي كانتشار النار في الهشيم يظهر فيه شاب فلسطيني وهو يتلقى رصاصة في ظهره وكذلك الاعتماد على سردية مفادها أن أهل غزة الذين يعانون من أزمة شديدة إنما نهضوا يحتجون على ما يتعرضون له من ظلم وحصار. قتل خمسة عشر فلسطينياً وأصيب المئات بجراح ولم يتعرض السياج لأي أذى، وكانت محصلة ذلك انتصاراً حققته حركة حماس في ساحة المعركة الدعائية.
وتمسك المنظمة الإسلامية في يدها بما يتوقع حدوثه في المستقبل من تطورات. إذ كلما التزمت حماس بالمسيرة المليونية كما تسميها كلما نجحت في فصل الاحتجاجات عن أعمال العنف والإرهاب، وكلما نجحت في تحدي وإحراج إسرائيل وكذلك محمود عباس والسلطة الفلسطينية. إذا لم يجد القادة العسكريون الإسرائيليون سبيلاً لإحباط مساعي اختراق السياج دون التسبب في سقوط الكثير من الضحايا فإن مأزق إسرائيل سيستمر في الاتساع بشكل مضطرد. سرعان ما سينسى الناس الجمعة التي سفكت فيها الدماء إذا ما ظل ذلك اليوم حدثاً وحيداً، ولكن إذا ما تكرر سفك الدماء مرات ومرات خلال الأسابيع الستة التي ستستغرقها الحملة وصولاً إلى يوم النكبة الفلسطينية في منتصف مايو / أيار كما هو مقرر لها، فسوف يجد المجتمع الدولي نفسه مضطراً لتركيز اهتماماته على الصراع. ويمكن بعد ذلك أن يعود من جديد الانتقاد الموجه إلى رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو والضغط الممارس عليه – والذي كاد أن يتبخر خلال الشهور الأخيرة – وبشكل أشد شراسة.
يفترض الجانب الإسرائيلي أن الإرهاب والعنف جزء أصيل من هوية حركة حماس، وأن هذه الجماعة الإسلامية غير قادرة على تعليق "نضالها المسلح" ولو مؤقتاً. لو كانت هذه الفرضية صحيحة فسرعان ما ستتجاوز إسرائيل ما يكدرها وستهدر حماس ما جنته من مكاسب أثناء المواجهات مع الحشود الجماهيرية قريباً من السياج. ولكن إذا ما ثبت خطأ هذا الفهم الإسرائيلي وأثبتت حماس أنها قادرة على ضبط نفسها والالتزام تكتيكياً فإنها ستتمكن من صنع ما كان دوماً يعتبر بمثابة كابوس يتربص بجهود الدعاية الإسرائيلية، أي صناعة حركة احتجاجية فلسطينية غير عنيفة تجبر الجيش الإسرائيلي على قتل وإصابة المدنيين غير المسلحين. ولا محالة حينها من أن تحاط المرحلة القادمة من النضال الفلسطيني بمقارنات – مهما كانت سطحية ومستهجنة – بنضال المهاتما غاندي في الهند والنضال ضد النظام العنصري (الأبارتيد) في جنوب أفريقيا وحتى النضال من أجل الحقوق المدنية في أمريكا.
قد يبدو في الظاهر تطوراً إيجابياً من وجهة النظر الإسرائيلية أن تعرب إدارة ترامب سريعاً عن دعمها لإسرائيل، وذلك من خلال تغريدة أطلقها ليلة عيد الفصح اليهودي المبعوث الخاص جيسون غرينبلات، الذي هاجم حماس متهماً إياها بالتحريض على "المسيرة العدائية". على النقيض من ترامب كان باراك أوباما سيسارع بانتقاد ما بات يوصف على نطاق واسع بأنه استخدام مفرط للقوة من قبل إسرائيل ولربما بادر بالتوافق مع بعض البلدان في أوروبا الغربية بإعداد رد دبلوماسي مناسب. ترحب إسرائيل بالتنسيق مع إدارة ترامب، ذلك التنسيق الذي كثيراً ما يشيد به نتنياهو على اعتباره تنسيقاً لا نظير له، ولكن قد يفضي ذلك إلى ما يشبه السيف ذا الحدين، الأمر الذي لن ينجم عنه سوى مفاقمة إضافية لما هي عليه الأوضاع.
لابد من التذكير بأن ما يكنه الناس من بغض لترامب لم يسبقه إليه أحد من رؤساء الولايات المتحدة في التاريخ الحديث، وذلك هو موقف الرأي العام الغربي بشكل عام والرأي العام في أوساط الأمريكان الليبراليين بشكل خاص، حيث ينظر على نطاق واسع إلى اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وإلى قراره نقل سفارة الولايات المتحدة إليها على أنه مما يساهم في تعميق الإحساس لدى الفلسطينيين بالإحباط والعزلة. وطالما نأت إسرائيل بنفسها عن الظهور بشكل سلبي في عناوين الأخبار فلن تعود عليها علاقاتها الحميمة بترامب إلا بقليل من الضرر. أما في حالة تأزم الأمور فيمكن لهذا الضرر أن يتعاظم. ولربما أجج الانتقاد الموجه لإسرائيل ما بعد "الجمعة الدموية" ذلك الشعور في أوساط الرأي العام على نطاق واسع بالسخط والاستياء من ترامب وسياساته – ومن هنا تأتي الرغبة في معاقبة المفضلين لديه والمقربين منه. وكلما دافعت الإدارة الأمريكية عن أفعال إسرائيل التي لا تلقى القبول كلما عامل منتقدوها – بما في ذلك الليبراليون الأمريكيون – كلاً من ترامب ونتنياهو كما لو كانا حزمة بغيضة واحدة.
من شأن الدعم الأمريكي غير المشروط أن يعزز تصميم نتنياهو ووزرائه على الالتزام بسياسات "عدم فعل شيء" بشأن غزة وبشأن عملية السلام. ينظر معظم الإسرائيليين إلى حماس باعتبارها مجرد منظمة إرهابية، ورد فعلهم الفطري تجاهها يتمثل في الرأي القائل بأنه لا يمكن لإسرائيل ولا ينبغي عليها أن تعطي الانطباع بأنها تخضع للإرهاب والعنف. وفي وقت تبدو فيه الانتخابات المبكرة وشيكة فإن آخر ما يرغب فيه الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو هو إحداث تغيير في سياساته المعتمدة، الأمر الذي قد يعني الاعتراف بخطأ نهجه. وقد تساهم مطالبات اليسار بإجراء تحقيق في سلوك الجيش الإسرائيلي في غزة وإعادة تقييم سياسات نتنياهو تجاه الفلسطينيين في إعادة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني إلى صدارة الاهتمام الشعبي بعد فترة طويلة جداً من الغياب. إلا أن ذلك من شأنه أيضاً أن يوفر المبرر لرئيس الوزراء – كما لو كان بحاجة إلى مثل ذلك المبرر – لكي يحول الاهتمام بعيداً عن الأزمة في غزة إلى طعن خصومه الداخليين في الظهر ومن الداخل.
إلا أن سفر يوشع يعلمنا بأن "من يزرع الريح يحصد العاصفة". إن الذي فتح المجال أمام نجاح حماس الدعائي إنما هو الشلل المستمر في الدبلوماسية الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية واعتقاد إسرائيل الخاطئ بأن الأمر الواقع يمكن أن يبقى كما هو إلى ما لا نهاية. وها هي هذه الجماعة الإسلامية أخيراً ترى الضوء في نهاية الأنفاق التي عكف الجيش الإسرائيلي على تدميرها. قد تذرف حماس دموع التماسيح على الموتى والجرحى، إلا أنه حتى لو تضاعفت أعدادهم مرة ومرتين وثلاث مرات خلال الأيام القليلة الماضية فإن ذلك يعتبر من وجهة نظرها ثمناً زهيداً مقابل إنعاش وضعها وإثبات ظهورها والدفع بكل من نتنياهو وعباس نحو الزاوية.
لقد أوصلت الإدارة الإسرائيلية نفسها إلى موضع بات بإمكان منظمة إرهابية ماتزال تحلم بتدمير "الكيان الصهيوني" التغلب على إسرائيل في محكمة الرأي العام وتصويرها على أنها المحتل الشرير الذي لا يتردد عن الضغط على الزناد أمام كل استفزاز، وهذا يمثل فشلاً ذريعاً لا يمكن إلا أن يزداد سوءاً طالما أن نتنياهو وحكومته يفضلان التحصن داخل خندق الاستقامة الذاتية البليدة.
عربي 21