فيلم مصري جديد يقدم أدلة براءة "ريا وسكينة".. والمؤلف يطالب بمنحهما وساماً

فيلم مصري جديد يقدم أدلة براءة "ريا وسكينة"

رام الله الإخباري

بدأ تصوير أولى لقطات فيلم جديد يعرض قصة مختلفة للسفاحتين الشهيرتين في التاريخ المصري "ريا وسكينة"، اللتين اشتهرتا بقتل النساء للاستيلاء على مجوهراتهن.

بعد عرض السينما المصرية فيلمين ومسرحية عن حياتهما تظهرهما بدور السفاحتين، جاء الفيلم الجديد تحت اسم "براءة ريا وسكينة"، وستظهران فيه على أنهما "مناضلات ضد الاحتلال الإنكليزي" لا "سفاحات"، استناداً إلى وثائق حصل مؤلف وسيناريست الفيلم أحمد عاشور عليها من أرشيف التاريخ المصري القديم.

وقال عاشور في مقابلة مع "هاف بوست عربي" إنه سيعرض أدلة على براءتهما وتلفيق التهمة لهما، بل "وسأطالب بمنحهما وساماً".

وشهدت بوابة رقم 4 بمدينة الإنتاج الإعلامي، مساء الجمعة 16 مارس/آذار 2018، حفل بدء تصوير الفيلم بحضور كل فريق العمل المنتج والمؤلف والمخرج مع نجوم العمل: أشرف مصيلحي، ومنة فضالي، ومحمود الجندي، وياسر علي ماهر، وحسن عبد الفتاح، ومحسن منصور، وسامية الطرابلسي، وعايدة غنيم، وأحمد منير، وشريف باهر، وأشرف طلبة.

وجاء بدء تصوير الفيلم بعد تأخير 4 سنوات، بسبب رفض الرقابة المصرية الإجازة والتصريح بتصوير الفيلم أكثر من مرة، بسبب "الفكرة غير المألوفة" التي يتحدث عنها الفيلم، والذي يحاول من خلالها تصحيح مفهوم اتهامهما بقتل النساء.

ولكن بعد عدة اجتماعات وتقديم المؤلف ما يثبت وجهة نظره، ومنها كتاب قام بتأليفه مدعوماً بالوثائق حول ذلك، أقرت الرقابة الفيلم وأجازت العمل أخيراً.

دليل البراءة استغرق 10 سنوات

مؤلف وسيناريست الفيلم أحمد عاشور أكد لـ"هاف بوست عربي" أنه قام ببحث ميداني لمدة 10 سنوات للوقوف على براءة ريا وسكينة.

في نهاية تلك السنوات توصل لحقيقة أن "صاحب ومؤجر المنزل الذي طرد ريا وسكينة بحكم قضائي، وكان أول من أبلغ عن وجود عظام آدمية أثناء أعمال سباكة، هو شخص كفيف ﻻ يرى"، ما يشير لعدم صحة روايته التي جرى الاستناد عليها سابقاً لاتهامهما.

وقال أحمد عاشور: "الفيلم سيكون روائياً حتى يصل إلى أكبر قاعدة جماهرية وسأعرض في نهاية الفيلم كافة الوثائق التي حصلت عليها".

وأضاف أنه سيقدم رواية تاريخية موثقة عن الظلم الذي وقع على ريا وسكينة والذي أدى إلى إعدامهما، وتشويه صورتهما تاريخياً بوضع اسمهما في قائمة أسوأ 10 نساء في تاريخ البشرية.

ريا وسكينة سفاحتان دائماً

أثارت قضية ريا وسكينة الرأي العام المصري خلال عام 1920 بعدما انتشرت قصة السفاحتين في جميع أنحاء مصر. وقد حكم القضاء المصري، منذ 93 عاماً، على ريا وسكينة بتهمة قتل العديد من النساء في مدينة الإسكندرية، وانتشرت روايات عديدة تستند لمحاضر الشرطة حول "السفاحتين".

فيما ظهر أول الأعمال السينمائية التي رصدت قصتهما في عام 1953 من خلال فيلم "ريا وسكينة" الذي قام ببطولته الفنان أنور وجدي والذي جسد شخصية ضابط شرطة تنكر في شخصية أحد رجال البحر من أجل الكشف عن العصابة المسؤولة عن اختطاف السيدات، لينجح في مهمته بنهاية أحداث الفيلم بالقبض على ريا وسكينة.

وبعد 30 عاماً من فيلم أنور وجدي عاد كل من شريهان، ويونس شلبي، لتقديم فيلم حمل الاسم نفسه بطريقة ساخرة، ولكن مع اختلاف القصة التي تناولت القضية بطريقة كوميدية عندما قرر ممثل فاشل الاستعانة بخطيبته من أجل التنكر في شخصيات ريا وسكينة من أجل الحصول على المال، ولكنهما وقعا ضحية ريا وسكينة الحقيقيتين.

وفي العام نفسه 1983، كانت تعرض مسرحية "ريا وسكينة"، إذ كانت المرة الأولى التي تظهر من خلالها ريا وسكينة بطلتين رئيسيتين لعمل فني، حيث قام بتجسيدهما كل من شادية وسهير البابلي، وتناولت القصة هذه المرة البعد الإنساني للشخصيتين التي بدأتا مشوارهما الإجرامي من خلال زوجة أبيهما وسرقة ذهبها لتقررا بعد ذلك الاستمرار في ذلك المجال من أجل حصد المزيد من المال.

لاحقاً وفي عام 2003، تم إنتاج أول عمل درامي عن قصة حياة ريا وسكينة من خلال مسلسل حمل اسمهما، جسدت شخصيتهما فيه كل من عبلة كامل وسمية الخشاب، ورصد المسلسل بداية "ريا سكينة" والظروف التي حولتهما إلى سفاحتين تقومان بقتل النساء والطرق التي اتبعتاها في استدراج الضحايا.

"خدعة" كبيرة

يرى أحمد عاشور أن الشعب المصري تعرض لـ"أكبر قصة خداع" طوال قرن تقريباً، وأن أفلام السينما والمسرحيات التي تناولت القضية كرست لصورة السفاحتين ريا وسكينة، برغم أن الحقيقة غير ذلك.

وأضاف أن: "التحقيقات الأصلية بالإسكندرية برأت الرباعي ريا وسكينة وحسب الله وعبد العال من تهمة خطف وقتل النساء، وأن وكيل نيابة الإسكندرية رفض ضغوط القنصل البريطاني لتوريطهم في القضية لعدم وجود أدلة، وأنه بعد القبض عليهما تم إلصاق هذه التهم المشينة بهما، وتعديل القانون الذي كان يحظر وقتها إعدام النساء".

وقال إن: "وكيل نيابة الإسكندرية تقدم باستقالته لرفضه اتهامهم بالباطل، والدليل الوحيد الذي أدان المجموعة بالكامل هو شهادة الطفلة بديعة، والتي تم تلقينها الكلام مؤكدين لها إذا قالت هذا الكلام سيتم الإفراج عن أمها".

وبعدها تم إيداع بديعة دار رعاية الأحداث التي احترقت بكل من فيها بعد شهور قليلة لتموت الحقيقة قرناً كاملاً.

مناضلتان أم سفاحتان؟

وحول قبول مؤرخين آخرين لهذه الرواية الجديدة التي يرويها الفيلم الجديد عن براءة ريا وسكينة، قال عاشور: "اقتنع بعض من المؤرخين المختصين بتاريخ مدينة إسكندرية وكذلك أساتذة قانون ورؤساء محاكم جنايات بروايتي".

وأضاف: "بالنسبة للسادة المؤرخين الذين ينفون روايتي فبعضهم ينتقد دون نقد بناء لوأد أي رؤية جديدة مخالفة دون الوقوف على دراسة علمية أو قراءة أو حتى مشاهدة العمل السينمائي فلا تعليق عليهم لأنهم نفوا ما لم يعرض بعد".

من جانبه، أكد الناقد السينمائي طارق الشناوي على حق المؤلف أن يعرض وجهة نظر أخرى خاصة وأن كثيراً من وقائع التاريخ تؤكد تعرض شخصيات عديدة للتشوية والظلم.

وأضاف لـ"هاف بوست عربي": "شاهدنا عبر التاريخ تعرض الكثير من الأشخاص والأحداث للتشوية والظلم، والحقيقة تظهر لاحقاً مع مرور الوقت وتظهر براءتهم وحقيقتهم، ويتعرف الناس على حقيقة ما جرى"، مؤكداً أن المؤلف بحث عن الحقيقة عبر وثائق ومن حقه إثبات تشويه ريا وسكينة عبر الوثائق، مؤكداً أن سماح الرقابة جاء بعد اقتناعها بوجهة نظره.

فيما قال أستاذ التاريخ بجامعة القاهرة أحمد حلمي: "إن التاريخ يحدث به الكثير من المغالطات نتيجة تدوينه بناء على الأهواء الشخصية والمصالح في بعض الأحوال، والمجاملات في أحوال أخرى، ما قد يشوه التاريخ والشخصيات والأحداث".

وأضاف: "على مدار التاريخ رأينا من يحاول من المؤرخين مجاملة الحاكم في بعض الأوقات، فيظهر شخصيات أو أحداث على غير حقيقتها، ويسعى لتشويه شخصيات أو أحداث".

ويرفض مؤرخون قصة براءة ريا وسكينة، منهم وائل الدسوقي، الكاتب والباحث في التاريخ المصري ورئيس تحرير مجلة "المقتطف المصري" التاريخية، الذي يؤكد أنه "لا يوجد دليل واحد على صحة تلك المعلومات التي تتعلق ببراءتهما، وهو ما يجعلنا أمام استرسال لا حقيقة له، ولا سيما أن التحقيقات جاءت من النيابة العامة والشرطة الجنائية، وليس البوليس السياسي الذي من المعروف أنه يثار الجدل حوله وحول دوره".

وأوضح أن الملفات الخاصة بالقضية بما فيها من المستندات والدلائل بدار القضاء العالي ودار الوثائق القومية بمتحف القلعة، وهي تشير إلى حقيقة جرائم ريا وسكينة.

وكان الكاتب الراحل صلاح عيسى أحد نقاد الفيلم الجديد، إذ وصفه في تصريحاتٍ صحفية سابقة أدلى بها لموقع " دوت مصر" بأنه "لا علاقة له بالوقائع التاريخية" ووصفه بأنه "فانتازيا تاريخية" تستند على شخصيات حقيقية تنسب إليها وقائع وتُنسج منها قصص خيالية.

وشبّه عيسى، الذي ألّف كتاباً بعنوان "رجال ريا وسكينة.. سيرة سياسية واجتماعية" -تحوّل لمسلسل على يد الكاتب مصطفى محرم- الفيلم الجديد الذي يبرئ ريا وسكينة، بما يجسده الفلكلور المصري في "موال أدهم الشرقاوي".

وأكد أن ريا وسكينة لم تشتركا في الثورة ولم تخطفا إنكليزياً، كلها خيالات روائية، وإذا كان عاشور يريد عمل فانتازيا تاريخية فهناك من سبقوه، مثل فيلم "إسماعيل ياسين يقابل ريا وسكينة"، ومسرحية "ريا وسكينة" ومسلسل "ريا وسكينة".

 

هاف بوست عربي