مسؤول اسرائيلي : بوتين له مصلحة باشتعال حرب بين تل أبيب ودمشق

روسيا واسقاط الطائرة الاسرائيلية في سوريا

رام الله الإخباري

مرّ شهر تقريبا منذ إسقاط الطائرة الحربية الإسرائيلية، من طراز "اف-16"، بمضادات جوية أطلقت من سورية، وأعقبت إسقاط طائرة من دون طيار إيرانية بنيران مروحية حربية إسرائيلية. وخلال هذه الفترة، لم ترد تقارير حول غارات إسرائيلية في الأراضي السورية، ما دفع محللين إسرائيليين إلى وصف هذه الفترة بـ"الشهر الهادئ". وفي غضون ذلك، يواصل الإسرائيليون إطلاق التهديدات ضد إيران، على خلفية زج قواتها وسعيها للتموضع العسكري في سورية، في أعقاب تدخلها في الحرب الدائرة هناك. كما يحاول الإسرائيليون استشراف الموقف الروسي من عملياتهم في سورية واحتمال تصاعد الوضع إلى درجة نشوب حرب.

في هذا السياق، اعتبر نائب رئيس الموساد السابق، حاييم تومير، في مقال نشرته صحيفة "معاريف" اليوم، الجمعة، أنه "خلافا للرأي السائد، فإن مواجهة بين إسرائيل وبين سورية وإيران وحزب الله لا تتناقض بالضرورة مع مصالح موسكو، بل ربما تخدمها". وأشار الكاتب إلى أن الرأي السائد في إسرائيل هو أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ليس معنيا بتدهور الوضع إلى حرب بين إسرائيل وبين إيران وحلفائها، وأن ما يريده بوتين هو استقرار نظام الأسد والقضاء على المعارضة السورية المسلحة، وأن روسيا معنية بهدوء المنطقة من أجل ترسيخ وجودها في سورية لأمد طويل وبناء قدرات بحرية وجوية فيها تماشيا مع تطلعها إلى انتشارها العسكري – الإستراتيجي الدائم في شرق البحر المتوسط. وأضاف الكاتب أن هناك من يعتقد في إسرائيل أنه "لا توجد مصلحة لبوتين بالمس في قوة إسرائيل على ضوء علاقاته الجيدة مع نتنياهو، ومحاولاته لطرح نفسه كزعيم عالمي وحيد يحظى بثقة طهران ودمشق والقدس. والدليل، هكذا ادعوا، هو يعمل بتنسيق عسكري مع إسرائيل ويسعى إلى تقييد حرية النشاط الإيراني في سورية". وفعلا، نُشرت تقارير إسرائيلية بهذه الروح في الفترة الأخيرة.

ودعا تومير، الذي كان يتولى رئاسة شعبة "تيفل" في الموساد والمسؤولة عن العلاقات مع أجهزة استخبارات أجنبية، إلى التدقيق في توجهات معاكسة للتوجه الإسرائيلي الحالي إزاء بوتين. ورأى أنه "في إطار سباق روسيا لإعادة مكانتها كقوة عسكرية عالمية، متساوية مع الولايات المتحدة والصين، فإن نشوب مواجهة مسلحة بين إسرائيل وشركاء موسكو في دمشق وطهران لا يتعارض بالضرورة مع مصالح بوتين، بل ربما تتلاءم معها". وأضاف أنه "إذا تطورت (مواجهة مسلحة)، إثر أداء ونشاط إسرائيلي من جهة وإيران وسورية من جهة أخرى، ربما لن يبذل (بوتين) جهدا من أجل لجم ذلك. على العكس، سيسعى إلى استغلال المواجهة من أجل وضع روسيا زعيمة للمعسكر المنتصر في الحلبة الشرق أوسطية ومن أجل تأكيد قدراته بالمس بالولايات المتحدة وحلفائها".

وقدر تومير أن ثمة أمرين يؤكدان وجهة نظره. "الأول، هو استخدام بوتين المتكرر لوسائل القوة، من دون أن يكون هناك رد فعل كبير من الجانب المضاد. والثاني، هو التوتر المتصاعد بين روسيا والولايات المتحدة حول عدد من القضايا، وفي مقدمتها عودة سباق التسلح والصيغة الجديدة للحرب الباردة".

ووفقا لتومير، فإن "بوتين بدأ، منذ العام 2008، باستخدام القوة العسكرية بشكل منهجي من أجل دفع إستراتيجيته في الدائرة القريبة من حدود روسيا، وأيضا في حلبات أبعد، يعتبرها هامة لمكانة روسيا الدولية. والثمن الذي تدفعه روسيا حتى الآن جراء هذه العدوانية هو في المجال الاقتصادي – السياسي، ولا يبدو أن هذا كافيا من أجل ردعها"، خاصة على ضوء ما يصفه الكاتب بـ"أفول التأثير الأميركي الفعال عموما وفي الشرق الأوسط خصوصا"، وأيضا على ضوء وجود رئيس أميركي، هو دونالد ترامب، الذي "يفتقر إلى سياسة خارجية حقيقية".

وتابع تومير أنه "من وجهة نظر بوتين العالمية، فإن إسرائيل بقيادة نتنياهو هي حليفة للولايات المتحدة وترامب، أي المعسكر الخصم، وفي المقابل الأسد هو شريك إستراتيجي يحظى بدعم روسي مرة تلو الأخرى، حتى عندما يحيد عن الخط ويستخدم السلاح الكيميائي في قصف المدنيين".

وخلص تومير إلى الاستنتاج أنه "في أي سيناريو تعمل في إسرائيل ضد سورية وربما حتى ضد حزب الله، ثمة احتمال أن يشجع بوتين شركاءه على الرد وربما حتى على استغلال التدهور من أجل تمرير رسالة مفادها أنه في ميدان القتال العالمي سيخرج شركاء روسيا منتصرون، أو ليسوا خاسرين على الأقل. وإسقاط الـ’اف-16’ وكمين الصواريخ الذي واجهه سلاح الجو الإسرائيلي بعد تسلل الطائرة بدون طيار الإيرانية هو بمثابة إشارة لهذا التوجه".

تهدئة مؤقتة

أشار المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن التقديرات الإسرائيلية هي أن "الشهر الهادئ" عبارة عن "تهدئة مؤقتة"، وأن "تبادل الضربات سيستأنف في المستقبل". وأفاد بأن تقريرا استعرضته شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أمام الحكومة وصف الخطوات الإسرائيلية والإيرانية بأنها "توجهان إستراتيجيان قويان، مصيرهما المؤكد هو الصدام. من جهة، إصرار الإيرانيين على وجود عسكري في سورية. ومن الجهة الأخرى، إصرار إسرائيلي على لجم ذلك، وهو ما صرح به رئيس الحكومة نتنياهو، في خطابه في مؤتمر أيباك هذا الأسبوع، بأنه ’لزام علينا أن نوقف إيران، وسوف نوقفها’".

وعزا هرئيل سبب عدم تدهور الوضع إلى حرب في أعقاب إسقاط الـ"اف-16" الإسرائيلية، في العاشر من شباط/فبراير الفائت، إلى أن "إسرائيل وإيران تحاذران وتبذلان جهدا من أجل ألا تصلان إلى مواجهة مسلحة. ويعود ذلك، بحسب هرئيل، إلى أن "المشروع الإيراني في المنطقة ما زال في مراحله الأولى ويبدو أن مصلحة لإيران الآن بمواجهة عسكرية مباشرة مع إسرائيل". لكنه أضاف أنه في الوقت نفسه "تظهر متابعة الخطوات الإيرانية في السنوات الأخيرة أنهم غيروا الاتجاه وأحيانا توقفوا بالكامل، على ضوء تهديدات إسرائيلية أو غارات منسوبة لسلاح الجو الإسرائيلي".

وتابع هرئيل أنه "في الجانب الإسرائيلي، ورغم أن النية المعلنة هي إحباط المخططات الإيرانية في سورية ولبنان، يبدو أنه لا نتنياهو ولا وزير الأمن (أفيغدور) ليبرمان ولا قيادة الجيش الإسرائيلي يتجهون نحو مواجهة واسعة، لا يمكن المعرفة مسبقا أين ستنتهي. ومعظم جهود اللجم الإسرائيلية تمت حتى اليوم تحت الرادار، وأحيانا بصعوبة حظيت بصدى إعلاميا. وعلى الأرجح أن أسلوب العمل الإسرائيلي المفضل هو الاستمرار بذلك من دون مواجهة مباشرة".

وخلافا لتحليل تومير المذكور أعلاه، كتب هرئيل أنه "يتعين على إسرائيل وإيران أخذ الموقف الروسي بالحسبان. موسكو هي المنتصر الأكبر في الحرب الأهلية السورية والقوة العالمية الوحيدة التي تواصل الاتصال مع كافة الأطراف الضالعة في الحرب. وآخر شيء يحتاجه بوتين هو حرب إيرانية – إسرائيلية في الشمال وتشكل خطرا على إنجازه الإستراتيجي رقم واحد في المنطقة في الأخيرة، أي إنقاذ الأسد. ويبدو أن هذه هي الرسالة التي جرى تمريرها إلى تل أبيب وطهران، لدى انتهاء يوم القتال في الشمال. وقد تصرف الجانبان بما يتلاءم ذلك".

 

عرب 48