رام الله الإخباري
فتى معصوب العينين، وتشي ألوان قميصه المستوحاة من العلم الفلسطيني بجنسيته، يقتاده بعنف جنود إسرائيليون طمست ملامحهم تماما، في لوحة فنية فجّرت الغضب الكامن في نفس صاحبتها، الرسامة الإيطالية أليسيا بيلونزي، وترجمت تضامنها مع الفتى الفلسطيني فوزي الجنيدي.
لوحة وثّقت بمهارة لحظة اقتياد الجنيدي (16 عاما)، قبل أسبوع، من قبل الجنود الإسرائيليين، في منطقة باب الزاوية وسط الخليل؛ حيث كانت مواجهات تدور بين شبان وقوة عسكرية إسرائيلية، احتجاجا على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
مشهد وثقته عدسات مصورين وتناقلته وسائل الإعلام الدولية، خلال تغطيتها للاحتجاجات المنددة بالإعلان الأمريكي، استفز الرسامة الإيطالية، وجعل أناملها توثّق -على طريقتها- كمّ الحزن والغضب الكامنين خلف الصورة.لوحة استخدمت فيها الرسامة العلم الفلسطيني، وطمست فيها -متعمّدة- ملامح الجنود الذين اقتادوا الطفل الجنيدي، تنديدا منها بالظلم الذي يتعرض له أطفال فلسطين.
أليسيا اختارت رسم مشاعر الحزن التي انتابتها بسبب الظلم الذي يتعرض إليه أطفال أبرياء أمثال فوزي، لتتحول عصارة مشاعرها إلى لوحة فنية حظیت بتداول واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي حديث للأناضول، قالت أليسيا التي تعمل أيضا مراسلة لبعض المواقع التابعة لشبكة إيطالية تدعى "باد تي في"، إنها استوحت فكرة اللوحة من الصورة المأساوية للطفل الفلسطيني وهو معصوب العينين، ومحاط بالجنود الإسرائيليين من كل صوب.
وأضافت بيلونزي، التي تعمل أيضا مصورة مستقلة: "استفزتني صورة الطفل التي نشرتها منظمة 'الصوت اليهودي من أجل السلام' (تسلط الضوء على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني)، عبر صفحتها على فيسبوك، وشعرت بضرورة ترجمة حزني لعمل فني يخلد تلك المشاعر".
وردًا عن سؤال حول موقف الفنانين الأوروبيين من القضية الفلسطينية، وخصوصا الإيطاليين منهم، قالت: "أعتقد أنه لا يزال هناك الكثير من التضليل والمعلومات الخاطئة حول هذا الموضوع، ليس داخل إيطاليا فحسب، إنما في أصقاع أوروبا بأكملمها".
واعتبرت الرسامة الإيطالية أنه "من واجب الفنانين من حول العالم تسليط الضوء على الانتهاكات المتكررة لحرية وكرامة الشعب الفلسطيني"، مشيرة أن "حرية التعبير هي أحد مبادئ الفن والإبداع الأساسية".وعن رسالتها من هذه اللوحة، أوضحت أن الهدف الرئيسي هو فضح الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون، مؤكدة أن ما يحصل في فلسطين أمر "لا يمكن السكوت عنه".
وبخصوص استخدامها للعلم الفلسطيني في لوحتها، شددت على أن ذلك "يعكس هوية الشعب الفلسطيني التي لا يمكن بتاتا إنكارها"، فيما تعمدت، في المقابل، طمس وجود الجنود الإسرائيليين، في خيار قالت إنها بنت عليه لوحتها بالكامل.
** الغضب الفلسطيني يوحّد العالم
أبدت الرسامة الإيطالية إعجابها الشديد بموقف زملائها الفنانين والفنانات من داخل أوروبا وخارجها، ممن رفضوا قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.وقالت: "أنا معجبة جدًا بالرسالة الأخيرة لبعض الفنانين أمثال تيلدا سوينتون وبيتر غابرييل ومارك رافالو، إلى جانب آكي كوريسماكي، وبريان إينو".
واعتبرت أن هؤلاء الفنانين اتخذوا موقفًا مناهضًا للتوسّع الإسرائيلي، بعد قرار ترامب الأخير أحادي الجانب بشأن القدس، مدافعين بذلك عن حقوق الفلسطنيين".كما رأت في استخدامهم لشعبيتهم وتأثيرهم على الناس للدفاع عن قضية حق، يبعث بإشارة إيجابية للغاية، على حدّ قولها.
وفي معرض ردّها عن سؤال بخصوص ردود الفعل التي تلقتها إثر نشرها للوحة، قالت: "أصابتني الدهشة حقًا.. كل الرسائل التي أتتني كانت رسائل امتنان وإعجاب وتقدير".وأضافت "أنا سعيدة جدًا أنني قرأت الكثير من رسائل التقدير والشكر والحب من فلسطين"، مشددة على أن "التضامن يظلّ أهم شيء في هذه الأوقات المظلمة، وأعتقد أنه من أقوى الأسلحة ضد الظلم".
** قضية العالم بأسره
ترى الرسامة الإيطالية أن معاناة الفلسطينيين ينبغي أن تصل إلى جميع أرجاء العالم، وهو ما دفعها إلى المساهمة في إظهار هذه المعاناة ولو عبر لوحة فنية.
واعتبرت أن ترامب ارتكب بقراره "شيئا فظيعا"، وأن حجم الغضب الذي خلفه في نفوس الفلسطينيين أكبر من أن تصفه ريشة رسام أو كاتب، وأن قضية الفلسطينيين تهم العالم بأسره وتتجاوز الحدود الضيقة للتقسيمات الجغرافية.كما قدّمت أليسيا شكرها لمصوّر وكالة الصحافة الأوروبية، عبد الحفيظ الهشلمون، ملتقط صورة اقتياد الطفل فوزي الجنيدي، والتي استوحت منها لوحتها.
وأشادت أيضًا بـ "أعمال الكثير من المصورين الآخرين، في الخليل والقدس وغزة والأراضي المحتلة، لافتة أن أعمالهم تمثّل شهادة هامة وشجاعة لنقل ما يحدث في مكان ليس بعيدًا جدًا عن أوروبا".
وشددت أيضًا على ضرورة إيصال كل تلك الحوادث لجميع البشر، طالما أن القضية لا تشمل فلسطين فحسب، وإنما هي قضية العالم بأسره، بما أنها تخص حقوق الناس وكرامتهم.واختتمت بالقول إنها ستواصل بذل قصارى جهدها لنقل المعاناة التي يواجهها جميع الناس في مختلف أنحاء العالم.
واعتقل الطفل الجنيدي، الخميس الماضي، في منطقة باب الزاوية وسط الخليل؛ حيث كانت مواجهات تدور بين شبان وقوة عسكرية إسرائيلية، احتجاجا على قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.والأربعاء الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، اعتراف بلاده رسميًا بالقدس عاصمة لإسرائيل، والبدء بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة.
ويشمل قرار ترامب، الشطر الشرقي من القدس، الذي احتلته إسرائيل عام 1967، في خطوة لم تسبقه إليها أي دولة، وفجّرت تسونامي من الإدانات على مختلف الأصعدة، سيما من قبل الدول العربية والإسلامية.
الاناضول