عدا عن التصريحات الحربية، سمعنا بالأمس تنهدات تنفس الصعداء على جانبي الحدود في القطاع. إسرائيل والفلسطينيون كانوا راضين من أن رد الجهاد الإسلامي على تفجير النفق مر بشكل سلس، ومنع تصعيدًا لم يرغب به الطرفان.الحدث نفسه كان مدروسًا للغاية ومعد بدقة، ففي اليوم الـ 30 من قصف النفق بالتحديد أطلقت زخة من قذائف الهاون، استهدفت مواقع عسكرية فقط؛ بمعنى ان مثل هذه المواقع تعد "شرعية" كجزء من القتال: موقع عسكري ومصنع طوارئ يزود أشغال إقامة العائق الجديد بالباطون.
في الجهاد تأملوا ربما ان يجبوا من إسرائيل ثمنًا على هيئة مصابين، لكنهم حرصوا على عدم تجاوز الحدود؛ دون تعريض المواطنين للخطر ودون استخدام أدوات قتالية أكثر تطورًا ممّا لدى التنظيم ومن دون عمل يلزم إسرائيل برد صعب. في ظاهر الأمر فإن التقدير المطلوب لإطلاق نار محسوب كهذا هو تقدير صوري، لكن اختبار النتيجة ربما يكون خداعًا، لو كان هناك قتلى في الهجوم (وكان قد سقط في الماضي قليل من الإسرائيليين من قذائف الهاون المنطلقة من غزة) لكان الرد الإسرائيلي أشد بكثير.
من المفترض ان هذا الرد المدروس حصل على مصادقة جميع رؤساء التنظيم، بما في ذلك القيادة العسكرية في دمشق، ومن المحتمل أنه نسق أيضًا مع حماس كتجهيز للرد الإسرائيلي. منذ عملية "الجرف الصامد" يحرص التنظيمان على التنسيق الذي في سياقه حصل الجهاد الإسلامي على مصادقة حماس على حفر النفق الهجومي باتجاه أرض إسرائيل.
هذا التنسيق استغرق ساعات إضافية في الشهر الأخير، حماس مارست ضغطًا كبيرًا على الجهاد ليمتنع عن الرد، وسجلت لنفسها نجاحًا لا بأس به. حقيقة ان الجهاد الإسلامي عد إلى الألف قبل ان يرد وعمل من رأسه وليس من بطنه فيها دليل على ان المنطق تغلب هذه المرة على العواطف في القطاع.
كان لذلك ثلاثة أسباب أخرى: الضغط المصري، عملية المصالحة مع فتح، وسيما الردع الإسرائيلي القوي الذي يسلب التنظيمات في غزة أي رغبة في التدحرج مجددًا إلى القتال الذي سيأتي بالمزيد من الخراب على القطاع.ومثل الهجوم كان الرد الإسرائيلي أيضًا كان مدروسًا؛ ستة أهداف هوجمت - نصفها للجهاد الإسلامي المسؤول عن إطلاق القذائف ونصفها لحماس المسؤولة عمّا يجري في القطاع - لكن حقيقة أنه لم يبلغ عن إصابات تشهد على ان إسرائيل حرصت على عدم دهورة الوضع من جانبها أيضًا.
ومعنى ذلك أنه إذا لم يكن هناك تطور غير متوقع فإن حادثة النفق تعتبر ملفًا مغلقًا. إسرائيل ما تزال تحتجز جثامين خمسة حفارين ممّن استشهدوا في قصف النفق، لكن الفلسطينيين لا يبدون الآن اهتمامًا خاصًا بالحصول عليها لسوء حظ إسرائيل التي تأملت انها ستساعد في إعادة جثث القتلى في الحرب الاخيرة "الجرف الصامد" هدار غولدن وأرون شاؤول.
ورغم ذلك كله فاستشعار الحذر مطلوب: الوضع في غزة سيء للغاية، إذا انهارت محادثات المصالحة - كما نتوقع - لن يبقى لدى سكان القطاع ولو بصيص أمل صغير. في ظل هذا الوضع فإن من شأن التنظيمات ان تنفس غضب الشعب هناك على إسرائيل، على أمل ان تساعدها الحرب والتصعيد على تجاوز المحنة. سيكون ذلك وضعًا متفجرًا للغاية، على إسرائيل ان تستعد له مسبقا وألا تركن إلى ان الردع والمنطق سيعملان بنجاح مرة أخرى.