يشهد الشارع الفلسطيني تطورات سريعة لتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام الذي بدأ قبل عشر سنوات عندما سيطرت حركة "حماس" على قطاع غزة بالقوة.ويأمل الفلسطينيون أن يروا تحسنا على جميع الأصعدة، لا سيما على الجانب السياسي. فبتحقيقها يتعزز الموقف السياسي الفلسطيني على الصعيد الإقليمي والدولي، سواء مقابل حكومة الاحتلال أو المباحثات مع الإدارة الأميركية كما يرى محللون.
ويرى رئيس منتدى الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية في القاهرة، سمير غطاس، أن تحقيق المصالحة من شأنه أن يساعد الرئيس محمود عباس على نزع ورقة يلعب بها رئيس الوزراء الإسرائيلي طول الوقت، وهي ورقة "أن الرئيس لا يحكم الكل الفلسطيني سيما غزة".
"هذه ورقة خفية يستخدمها نتنياهو كلما تعرض للضغط، مفادها بأن الرئيس عباس ليست لديه القدرة على تمرير أي اتفاق يمكن التوصل إليه"، قال غطاس في اتصال هاتفي مع "وفا" من القاهرة.
وتوقع البرلماني المصري الذي قضى عقودا من حياته في صفوف الثورة الفلسطينية، أن تحقيق المصالحة لن يعزز موقف منظمة التحرير فحسب، بل وأيضا موقف الدول المؤيدة للحقوق الشرعية الفلسطينية ويرفع من أسهمها للضغط على إسرائيل.
"سواء دول عربية كمصر أو دول أوروبية داعمة للحقوق الفلسطينية، سيكون بأيديهم أسهما زائدة للضغط على إسرائيل وفي دعم القضية الفلسطينية في محافل مختلفة.
ويتفق المحلل السياسي، أكرم عطا الله، مع غطاس فيرى أن الوضع الفلسطيني يعاني من "شرخ كبير"، فالرئيس عباس بات أمام خصومه وكأنه لا يمثل الكل الفلسطيني ولا يستطيع معه في قضايا مفصلية، لا مفاوضات ولا اتفاقات."بعد تحقيق المصالحة وضع الرئيس عباس أو الوضع الفلسطيني بشكل عام سيكون أكثر قوة، والدبلوماسية الفلسطينية أكثر رسوخا أمام الاحتلال الإسرائيلي أو على المستوى الدولي"، قال عطا الله.
ولم يخف عطا الله تفاؤلا بتحقيق المصالحة وتعزيز الموقف الفلسطيني بعد "نذر مباركة" دولية، أبرزها بيان اللجنة الرباعية الذي يرحب بالجهود المصرية لتمكين السلطة الفلسطينية من السيطرة على غزة وتصريح المبعوث الأميركي للشرق الأوسط "جيسون غرينبلات" الذي دعا فيها لعودة غزة إلى حضن السلطة الفلسطينية.
وأصدرت اللجنة الرباعية (روسيا الاتحادية والولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) بياناً الخميس رحبت فيه "بالجهود، بما في ذلك المصرية، لخلق أجواء تُمكّن السلطة الفلسطينية من ممارسة مسؤولياتها في غزة".وخلال زيارته للشرق الأوسط أواخر آب الماضي أشار غرينبلانت إلى ضرورة أن تبسط السلطة الفلسطينية سيطرتها على غزة وفقا لما نشرته "هآرتس" في نشرتها الإنجليزية على موقعها الإلكتروني.
المحلل السياسي، مخيمر أبو سعدة، تقاطع مع سابقَيه في أن الحكومات الإسرائيلية تستخدم الانقسام كمبرر لعدم التقدم سياسيا، وفي حال المصالحة سيسقط هذا المبرر.وأضاف أستاذ العلوم السياسية، في غزة، أن موقف منظمة التحرير سيكون أفضل وأقوى على المستوى الدولي.
"بالمصالحة يسحب الفلسطينيون ذريعة الانقسام من إسرائيل بغض النظر إذا التزمت إسرائيل بالشرعية الدولية والاتفاقات أم لا".ويرى الإعلامي المختص بالشأن الأميركي، نادر الغول، أن المصالحة سيكون لها دور إيجابي إذا تحدثنا من الزاوية الأميركية.وفي حديثه مع الوكالة الرسمية يرجح الغول، المقيم في شيكاغو، أن الإدارة الأميركية في حديثها عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تطرح "صفقة القرن" وبالتالي معنية بتمكين الشرعية الفلسطينية.
ويرى الغول، الذي لم يُخف تشككه من تحقيق المصالحة حتى اللحظة، أن الإدارة الأميركية باتجاه عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية وبالتالي تجديد شرعية كل المنظومة السياسية للسلطة الوطنية لأنه لا يمكن توقيع هذه الصفقة دون الشرعية الفلسطينية المتمكنة.
وهنا أشار غطاس الى أن الموقف الأميركي ربما يكون أكثر إيجابية من ذي قبل تجاه الرئيس عباس أو على الأقل لن يُسمع أي همز بأن سيادة الرئيس عباس منقوصة.في عودة للحديث عنما يتعلق بالجانب الإسرائيلي قال غطاس "إن المصالحة الفلسطينية ستغلق أبواب خلفية فتحتها أو تحاول فتحها "حماس" مع إسرائيل لتطرح نفسها بديلا عن منظمة التحرير الفلسطينية.
ولفت الى أن المصالحة ربما تدعم موقف القوى الإسرائيلية المتعاطفة مع الموقف الفلسطيني."كانت هناك قوى إسرائيلية ذات تأثير قوي في الشارع الإسرائيلي مع إقامة الدولة الفلسطينية، بدأ صوتها يضعف وضعف جدا بعد انقلاب "حماس" وسيطرتها على غزة.
وحول فرصة تحقيق إنجازات سياسية أمام الاحتلال قال عطا الله "إنه بوجود اليمين الإسرائيلي فالنافذة السياسية ليست متسعة لتحقيق إنجازات الآن "لكن على الأقل نوقف مزيدا من التدهور ويُقيد التقدم الإسرائيلي".أما أبو سعدة فلم يبدِ تفاؤلا قائلا: إن الانسداد السياسي ليس وليد الانقسام، فالحكومات الإسرائيلية رفضت مبادرة السلام العربية ولم تلتزم بالاتفاقيات على رأسها أوسلو (1993) التي من المفترض أن طُيقت عام 1999.
"المفاوضات متعثرة من قبل الانقسام، لكن سيطرة "حماس" على غزة عام 2007 أعطى مبررا مجانيا لإسرائيل".ومن المتوقع أن يصل وفدا من حكومة التوافق الوطني إلى غزة الإثنين المقبل في جولة تفقدية للوزارات والمؤسسات الرسمية في طريقهم لتطبيق تنفيذ المصالحة وممارسة مهامها بعد أن أعطت حركة "حماس" مؤشرات أنها لن تمنعهم من مواصلة عملهم من غزة.
وترعى جمهورية مصر العربية محادثات واتفاق المصالحة بين السلطة الوطنية و"حماس" لرأب الصدع وتحقيق المصالحة بعد عشر سنوات من سيطرة "حماس" على غزة بالقوة ومنع السلطة.