رام الله الإخباري
من الواضح أنه بعد استهداف المعهد السوري للدراسات العلمية في المصياف، فجر أمس الخميس، بطائرات إسرائيلية دخلت سورية عن طريق لبنان، بحسب وسائل الإعلام السورية، فإن إسرائيل تسعى لدور أكثر فاعلية فيما يخطط له في سورية، في توقيت يجعلها تضمن ألا تتعرض لردود فعل حادة على الهجوم من قبل روسيا.
وكتب مراسل الشؤون العربية في صحيفة "هآرتس"، تسفي برئيل، أن الهجوم قد نقل إسرائيل من دولة مراقبة لها مصلحة في ما يحصل في سورية إلى شريك فعال في التسوية السياسية المرتقبة.وأشار بداية إلى أنه من الجائز الافتراض أنه إذا كان إسرائيل تعلم بأنه يتم إنتاج أسلحة كيماوية في الموقع المستهدف، فإن واشنطن وموسكو تعلمان بذلك أيضا. ومن الجائز الافتراض، أيضا، أن إسرائيل أبلغت واشنطن قبل شن الهجوم، وأنها حصلت على "هزة الرأس بالموافقة" المطلوبة.
وكتب محلل الشؤون العربية في الصحيفة أن الحديث بالطبع ليس عن أول هجوم ينسب لإسرائيل في أراضي سورية، ولكن التوقيت هو المهم، حيث أنه يأتي بعد أن هددت روسيا باستخدام حق النقض على كل مشروع قرار في مجلس الأمن يحدد أن حزب الله هو "تنظيم إرهابي".
كما يأتي بعد لقاء رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سوتشي على شواطئ البحر الأسود، والذي عاد منه نتنياهو دون الحصول على أي تعهد روسي بالعمل على سحب القوات الإيرانية من سورية.
وبحسب برئيل، فإن روسيا، مثلما صرح وزير خارجيتها سيرجي لافروف، ملتزمة بعدم المس بالمصالح الأمنية الإسرائيلية كنتيجة لإحلال مناطق آمنة في سورية، ولكن الرؤية الروسية لـ"المس" ليست مماثلة لإسرائيل بالضرورة، حيث أن إسرائيل تعتبر مجرد تواجد حزب الله في سورية تهديدا، فكم بالحري عندما تكون قوات إيرانية منتشرة بالقرب من الحدود الشرقية مع إسرائيل، في الجولان، وقرب مدينة درعا جنوبي سورية.
ويضيف أن روسيا تجد صعوبة في إبعاد قوات حزب الله من سورية، وخاصة بسبب موقف إيران. كما أن روسيا التي عملت على تقليص نطاق عمل إيران في سورية تعترف بأنها إذا أرادت أن تحقق الاستقرار لنظام الأسد عليها أن تنسق خطواتها مع طهران.
وكتب أن "شن هجوم على مصنع للذخيرة، خاصة وأنه مشتبه بإنتاج أسلحة كيماوية، لا يفترض أن يجر ردود رد فعل روسي هجومي. فروسيا التي وقعت على اتفاق نزع الأسلحة الكيماوية من سورية ستحاول أن تثبت أن المصنع لم ينتج مثل هذه الأسلحة. كما تدرك موسكو أن الهجوم على مصنع أسلحة كيماوية، مثل القصف الأميركي بعد الهجوم الكيماوي على خان شيخون في محافظة إدلب، في نيسان/إبريل الفائت، يعتبر مشروعا بنظر المجتمع الدولي، كما أنها أوضحت في العام 2013 أنها لن تعارض استهداف مخازن الأسلحة الكيماوية السورية بقرار من الأمم المتحدة، في حال ثبت أن النظام السوري استخدم أسلحة كيماوية".
وأضاف أن التجديد في الهجوم، في حال كانت إسرائيل هي من نفذ ذلك، هو التعريف الواسع لما يعتبر تهديدا، والسؤال هو ما إذا كانت روسيا ستوافق على هذا التعريف، وذلك لأن موافقة موسكو على توسيع تعريف التهديد من شأنه أن يمنح إسرائيل المصداقية لضرب أهداف أخرى، مثل قواعد سلاح الجو أو حتى قوات برية سورية، وذلك بذريعة أنها تشكل تهديدا.
وفي المقابل، يكتب أنه إذا كان هناك خط أحمر بين روسيا وإسرائيل، فإن الهجوم الأخير سيؤدي تعنت روسي، وفي أسوأ الحالات قد تعلن موسكو أن أي طائرة أجنبية تحلق في الأجواء السورية ستعتبر هدفا مشروعا لسلاح الجو الروسي، باستثناء طائرات التحالف التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
ومن جهة ثانية، فإنه بالنسبة للولايات المتحدة فإن إسرائيل نفذت هدفا كانت ترغب به، حيث أنه في ظل ازدياد التقارير عن الاستخدام المتجدد لغاز الكلور من قبل قوات النظام السوري، فإنه كان على واشنطن أن تفعل شيئا بهذا الصدد، ولكن دون أن تتدهور أكثر علاقاتها مع موسكو. وبالنتيجة، فإن القصف الذي نفذته إسرائيل (الخدمة التي قدمتها لواشنطن) يضع إسرائيل عميقا في داخل الساحة السورية، ولكن ليس كمراقبة لها مصلحة وتتطفل على أبواب الدول العظمى للدفع بمصالحها الأمنية، وإنما كشريك فعال يعتبر تواجده العسكري في الساحة مركبا آخر في متوزاي الأضلاع الذي تشارك فيه روسيا وإيران وتركيا وسورية.
وبحسب برئيل، فإن المركب الإسرائيلي يهدد بتشويش كل العمليات التي تخطط لها روسيا، حيث أن إيران وتركيا وروسيا على وشك إقامة منطقة آمنة في محافظة إدلب، حيث تتركز غالبية قوات المعارضة، وبينها جبهة تحرير الشام. وهي منطقة يوجد لطهران وأنقرة مصالح متناقضة فيها رغم أنهما معنيتان بوقف إطلاق النار: حيث أن أنقرة معنية باستخدام المحافظة كقاعدة إستراتيجية للعمليات العسكرية ضد المناطق الكردية السورية المحاذية لتركيا، في حين أن طهران ترى فيها منطقة إستراتيجية تؤسس لسيطرتها على سورية. وتخطط القوى الثلاث لشن هجوم مشترك ضد معاقل المعارضة في حال لم تتمكن روسيا من فرض وقف إطلاق النار على شاكلة نموذج المحافظات الجنوبية.
وكنتيجة لسعي روسيا إلى عرض استعادة السيطرة على إدلب ودير الزور كانتصار للنظام، أمام ممثلي الأطراف في أستانة في أذربيجان، فإن ذلك سيعزز إمكانية بقاء الأسد رئيسا لسورية، خاصة بعد أن سحب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وتركيا وحتى السعودية، تقريبا، مطلب إبعاده كشرط لأي مفاوضات.
وفي هذا السياق يكتب برئيل، أن هذه النتيجة تلزم بأن تكون إسرائيل شريكة، وليس بشكل غير مباشر، في عملية إحلال النظام السوري الجديد، وفي المداولات بشأن مستقبل إيران وحزب الله، والحاجة إلى ضمانات لا تستطيع روسيا والولايات المتحدة تقديمها لها مقابل تهديدات محتملة قد تنبع من التسوية السياسية.
ويضيف أن إسرائيل قد تخلص إلى نتيجة مفادها أن زيادة تدخلها العسكري في سورية، سواء في الهجمات العشوائية أو توثيق علاقاتها العسكرية مع مجموعات معارضة، ستعزز من دورها في صياغة التسوية السياسية.
وبحسب برئيل، فإن هذا التوجه قد يتضح أنه سيف ذو حدين، فهو يمنح إيران، من جهة أخرى، ذريعة ممتازة لمضاعفة حضورها العسكري في سورية، وقد تقوم روسيا بتقليص أو حتى إلغاء التنسيق الجوي، والإعلان عن المجال الجوي السوري كمنطقة مغلقة، كما قد يحول حزب الله هضبة الجولان إلى جبهة شرعية كجزء من ميزان الردع مقابل إسرائيل.وينهي بالقول إن هناك فرقا جوهريا كبيرا بين القدرة على مهاجمة أهداف معينة، وبين "الصيانة الثابتة" لجبهتين ساخنتين، الأولى مقابل سورية، والثانية مقابل لبنان، خاصة وأن الولايات المتحدة، التي توفر الغطاء الأهم، غارقة في مشاكلها الداخلية، ولا تميل إلى التدخل بأي من الدولتين، سورية ولبنان.
عرب 48