رام الله الإخباري
على مدى سنوات، زادت حرارة الطقس في الكويت على نحوٍ ثابت. وكثيراً ما تصل درجة الحرارة في الدولة الخليجية إلى 50 مئوية في الصيف، وحصلت العام الماضي على لقبٍ مشؤوم لكونها أكثر الأماكن حراً على سطح الأرض؛ إذ وصلت درجات الحرارة إلى ارتفاعٍ مذهل بلغ 54 درجة مئوية، وفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية.
لكن وبينما تخطط العاصمة للاستعداد لمواجهة التغيُّر المناخي واشتداد الحر، تزداد المخاوف بشأن السكان ممَّن ليس بإمكانهم الاحتماء من الحر، وتُثار أسئلة حول كيفية النجاة في مدينة استهلاكها للطاقة كثيف مثل الكويت في الوقت الذي تتضاءل فيه مصادر النفط والمياه.
ويمثِّل العمال المهاجرون نحو 70% من تعداد السكان بالكويت، يعمل معظمهم بمواقع البناء شبه المستمر للمجمَّعات الإدارية والتجارية الجديدة على امتداد البلاد. ومع أنَّ القانون يحظر العمل في الخارج بين 12 ظهراً و4 عصراً، إلّا أنَّه شُوهِد العديد منهم يكدّون في العمل أثناء أشد ساعات النهار حرارةً دون اعتبار للقوانين.
وفي زيارةٍ قامت بها صحيفة الغارديان البريطانية إلى الكويت، شاهدت الصحيفة عشراتٍ من العمال بموقع بناءٍ بالقرب من مطار الكويت الدولي وهم يعملون بعد الساعة 12 ظهراً بوقتٍ طويل في درجة حرارة بلغت 47 مئوية. وبينما كانوا يصعدون على السقَّالات وسط هيكل مجمَّعٍ تجاري مستقبلي، حاول بعضهم الاحتماء بالظل الموجود بالموقع، بينما ارتوى آخرون من زجاجة مياة لتبرِّد أجسامهم. ولسخرية القدر، كان العمال يركِّبون مكيَّفاً للهواء آنذاك.
وقال أحد مديري الشركة المُشرفة على البناء، الذي طلب عدم الكشف عن هُويته: "هُنا في الكويت، أو في الخليج عامةً، ترى أنَّ معظم العمال ليسوا من مواطني الدولة ذاتها. فهُم يأتون من مصر، أو الهند، أو بنغلاديش". كما أوضح أنَّ بعض أصعب الوظائف تُسند إلى مقاولين فرعيين، ما يسمح للشركات بالتهرُّب من القوانين الموضوعة لحماية العمال من الحر.
وقال إنَّه في حال رفض العمال مباشرةً العمل في ظل تلك الظروف، "فإنَّهم لن يحصلوا على المال، ومن ثَمَّ يضطرون للعودة إلى بلادهم". وأضاف أنَّه لم يشهد يوماً إجراء تفتيشٍ حكومي على ظروف العمل، وأنَّ المسؤولين يعنيهم فقط تأشيرات إقامة العمال.
ويُتوقَّع أن تزداد الظروف سوءاً بالنسبة للرجال والنساء المُجبَرين على العمل في الهواء الطلق؛ فوفقاً للهيئة العامة للبيئة، سيرتفع متوسط درجة الحرارة السنوي في الكويت بين عامي 2010 و2035 بنسبة 1.6% لتصبح 28.7 درجة مئوية، الأمر الذي يعني درجات حرارة صيفية أكثر قيظاً والمزيد من العواصف الرملية التي كثيراً ما تضرب مدينة الكويت وغيرها بالفعل.
وقال شريف الخياط، رئيس قسم التغيُّر المناخي بالهيئة العامة للبيئة: "نعم، إنّنا نواجه ضغطاً. لا تمثّله فقط درجات الحرارة المرتفعة، بل ارتفاع منسوب البحر أيضاً، وستكون تلبية الطلب على الكهرباء والمياه أصعب في المستقبل".
ومزحت زميلته، سميرة الكندري، قائلةً: "لكنَّنا مستعدون، لدينا مكيفاتٍ للهواء في كل مكان".
وتُعَد إحدى المشكلات الكامنة في قلب كفاح مدينة الكويت ضد آثار التغيّر المناخي هو الدور المحوري الذي لعبه - ولا زال يلعبه حتى الآن - النفط في تشكيل المشهد العمراني؛ إذ لم يخلق اكتشاف هذا المورد الثمين عام 1938 رمزاً متأصِّلاً للفخر الوطني، وثراءً فاحشاً فحسب، بل أعاد تصميم مدينة الكويت الحديثة كلياً.
يقول ناصر عبدالحسن، وهو رئيس شركة AGi Architects المعمارية، التي تحاول تشجيع حركة البناء المستدام في الكويت: "وضع المخطِّطون الذين أتوا في منتصف القرن العشرين خطط المدينة على حسب الطرق السريعة، ثم بدأوا بملء الفراغات فيما بينها. ولسوء حظ المنطقة، فإنَّ نظرتهم للاستدامة محدودة".
ويوضح عبدالحسن أنَّ هذا عملياً يعني أن "نستخدم ألواحاً شمسية لإمداد الأجهزة المكيِّفة للهواء بالكهرباء على أسطح مبانٍ مغطّاة كلياً بالزجاج. لكن لِمَ يكون عندى مبنى زجاجي بالكامل في الوقت الذي يعني هذا أنَّني سأحتاج طاقة أكثر لتبريده؟".
تزايد لاستهلاك الطاقة وتضاؤل للنفط والمياه
كيف ستتعامل مدينة ذات استهلاكٍ كثيف للطاقة كهذه مع تضاؤل الموارد مثل النفط والمياه؟ يتوقّع محمد الراشد من معهد الكويت للأبحاث العلمية "أنَّنا سنكون بحاجةٍ لاستهلاك 30% من نفط البلاد لتوليد الكهرباء والمياه" بحلول 2030.
ويجري توفير 99% من الماء العذب بالكويت عن طريق عملية التحلية، وهي عملية مُستهلِكة للطاقة في حد ذاتها وتعتمد على النفط بدرجةٍ كبيرة.
وتبرز خزانات المياه المغطّاة، والمخطَّطة بالأبيض والأزرق كما لو كانت حلوى، وسط المشهد المغبرّ على امتداد الطرق السريعة الصحراوية، وهي أمرٌ أساسيّ في منطقة تحظى بأعلى استهلاكٍ للمياه في العالم. ومع ذلك، فإنَّ الحكومة تُدعِّم الماء هنا بشكلٍ مكثف؛ إذ يدفع المستهلك المتوسط جنيهين إسترلينيين (2.5 دولار أو 0.8 دينار كويتي) مقابل 1000 غالون من الماء، في حين أنَّ سعره الحقيقي هو 25.5 جنيه إسترليني (33 دولاراً أو 10 دينارات كويتية).
ويقول الراشد إنَّه رغم امتلاك الكويت ثاني أكبر مخزونٍ من المياه بين دول الخليج فإنَّ هذا المخزون يكفي استهلاك 9 أيامٍ فقط، مع أنَّه قد يكفي 50 يوماً إذا ما جرى ترشيده. وفي كلا الحالتين، فمن الواضح أنَّ الكويت تتَّجه نحو أزمةٍ وجودية في عالمٍ عليه أن يتعلَّم الحياة دون نفط.
وكان أحد الحلول التي قدَّمتها شركة AGi هو إعادة النظر في طريقة تصميم المباني؛ فقد عرضوا بديلاً للهياكل الضخمة الزجاجية التي تعتمد على تكييف الهواء بصورةٍ مستمر. وصُمِّمت مبتكرات الشركة كي تستهلك طاقةً أقل منذ البداية، وهي غالباً ما تستوحي في ذلك فكرة أبراج الرياح الفارسية التقليدية، المبنيَّة من الطين النضيج وتحوي نوافذ تُختار أماكنها بعناية بعيداً عن الشمس. وتسحب تلك الأبراج الهواء من الخارج، ثم تُمرِّره على بركةٍ من الماء في مستوى الأرض لتبرِّد المبنى بأكمله من خلال باحةٍ مركزية. وتقول عائشة الصغير، المديرة العامة لشركة AGi Architects: "يُعود بنا ذلك إلى شكل المدينة التقليدية، من الناحيتين البيئية والاجتماعية أيضاً".
وشرحت سميرة الكندري من الهيئة العامة للبيئة أنَّ مشروعاً لتشييد "مدينة ذكية" وصديقة للبيئة في الكويت بتكلفة 4 مليارات دولار سيبدأ في عام 2019، وتقول: "يعني هذا أنَّنا سنوظِّف التكنولوجيا بغرض تسهيل حياتنا. إذ سيوجد بالمدينة حافلاتٌ فقط، لا سيارات، من أجل التنقّل. وستكون بها مساحاتٌ أكثر للمشي، وأجهزة استشعار لمتابعة استهلاك الماء، ما سيساعدنا على إعادة الانتفاع به. وسيكون التحكُّم بتكييف الهواء خاصاً بالحي السكني بأكمله، وليس لكل منزلٍ على حدة".
ومن المُقرَّر بناء هذا المشروع بالتعاون مع شركات تشييدٍ كورية جنوبية، ومن المتوقّع أن تتَّسع لما يتراوح بين 25 ألفاً و40 ألف مسكن.
لكن لا يقتنع الجميع بهذا المشروع، فيقول عبدالحسن من شركة AGi Architects: "يقولون إنَّهم يريدون بناء مدينة خضراء، لكنَّهم لم يكشفوا عن أساس ما يجعل مدينةً ما أكثر حفاظاً على البيئة". وأضاف: "الشيء الوحيد المحدَّد حتى الآن هو استخدامهم للألواح الشمسية واستخدام وسائل أفضل في وضع الواجهات الزجاجية، لكنَّهم لم يقولوا إنَّ كل شيء سيكون أصغر"، مؤكِّداً أنَّ التعوُّد على العيش في مساحاتٍ أصغر هو جزءٌ أساسي من التحوُّل نحو بيئةٍ أكثر استدامة.
وأضافت عائشة الصغير: "علينا تغيير أسلوب حياتنا، والطريقة التي نتنقَّل بها عبر المدينة. كُل دول العالم تُلغي طرقها السريعة الآن بينما نحن نزيد عددها 10 أضعاف".
سيتطلَّب التأقلم مع درجات الحرارة الآخذة في الارتفاع تحوُّلاً جذرياً في طريقة التفكير المتبعة في الكويت، خاصةً فيما يتعلّق بالأشخاص الأقل حظاً. وقال مدير البناء المذكور آنفاً، مُشيراً للمقاولين الذين يُجبِرون العمال على العمل في الخارج في ظل ظروفٍ قاسية: "لا يمكننا التحكُّم بكيفية سير تلك الشركات. وبالطبع إنَّه أمرٌ مروِّع أن أرى العمال يباشرون العمل بعد انتصاف النهار في هذا الحر، لكن ماذا بوسعنا أن نفعل؟ إنَّها قوانينهم".
هاف بوست عربي