رام الله الإخباري
سقط مهدي السعدي، (22 عاما) من مدينة يافا في التاسع والعشرين من تموز/يوليو الفائت، بنيران الشرطة الإسرائيلية التي ادعت، في حينه، أن السعدي كان متورطا في إطلاق نار على متجر لبيع اللحوم في شارع "يافت" في المدينة، وأطلق عليه النار خلال مطاردة جرى فيها تبادل إطلاق نار مع الشرطة التي ادعت أن عناصرها تعرضوا للخطر.
في المقابل، فإن عائلة السعدي أكدت في أكثر من مناسبة أنه تم إعدام ابنها بدم بارد، وأنه تم إطلاق النار عليه من مسافة قصيرة، ودون أن يشكل أي خطر على حياة أفراد الشرطة.
وتدعم هذه الرواية شهادات جديدة وصلت صحيفة "هآرتس" تؤكد أن رواية الشرطة مشكوك بها، وأنه تم إطلاق النار على السعدي دون أن يشكل خطرا على حياة أفراد الشرطة، كما تنفي حصول تبادل إطلاق نار في المكان.
يذكر أن التحقيقات في القضية لا تزال تحت أمر حظر النشر، رغم أن سبب ذلك غير واضح، خاصة وأن المشتبه به الرئيس في القضية هو الشرطة. ومع ذلك، فإن الشرطة نشرت أمرين من شأنهما نسج رواية تبرر جريمة الشرطة في إطلاق النار: الأول أن السعدي معروف للشرطة، والثاني أنه جرى إطلاق نار باتجاه متجر لبيع اللحوم.
وكانت القناة العاشرة كانت قد نشرت تقريرا في حينه مفاده: "تبادل إطلاق نار في يافا – أفراد الشرطة وصلوا إلى المكان في أعقاب إطلاق نار على خلفية جنائية في شارع يافت في المدينة. وحاول المشتبه بهم الهروب من قوات الشرطة وهم يطلقون عليها النار. وخلال تبادل إطلاق النار أصيب أحد المشتبه بهم بصورة خطيرة، وأعلن عن وفاته في المستشفى. أما الثاني فقد أصيب إصابة متوسطة".
أما موقع "واللا" فقد كتب: "عثر في المكان على سلاح يبدو أن الشابين قد استخدماه. وتقول الشرطة إن الحادث بدأ واستمر كحادث جنائي بشكل واضح، وأن الاثنين معروفان للشرطة من المجال الجنائي. وبحسب الشبهات فإن الاثنين وصلا إلى متجر لبيع اللحوم في شارع يافت وهما يستقلان دراجة نارية، وأطلقا النار على المتجر وهو مغلق. وعندما لاحظ أفراد الشرطة، الذين كانوا قريبين من المكان، ما يحصل، حاولوا وقفهما".
في المقابل، وصلت شهادات إلى صحيفة "هآرتس" تطرح تساؤلات تتناقض مع ما نشر أعلاه. أولها الفجوة الزمنية، حيث أن إطلاق النار على متجر اللحوم حصل في الساعة 04:00 فجرا، بحسب شهادات سكان قريبين من المكان. ووصل أفراد الشرطة إلى المكان في الساعة 04:30، وعندها بدأت الأحداث التي انتهت بمقتل السعدي. ولا يوجد ما يربط السعدي وأصدقاءه بإطلاق النار على المتجر، والاعتقاد بأنهما هما اللذان أطلقا النار وانتظرا قرابة نصف ساعة إلى حين وصول أفراد الشرطة كي تضبطهم، يبدو غير معقول.
وتبين أيضا أنه في الساعة السادسة صباحا، بعد ساعة من الحادث، عملت الشرطة على جمع كاميرات التصوير المنصوبة في المنطقة، رغم أن أفراد الشرطة هم المشتبه بهم بإطلاق النار. ويتضح من اصطلاب شهادات شهود عيان أنه لم يحصل تبادل إطلاق نار.
ونقل التقرير عن شاهدة العيان "و"، التي تسكن بالقرب من المكان، قولها إنها سمعت ضجيجا قويا، وعندها خرجت لتفحص ماذا يجري، فشاهدت فتى يركض وينضم إلى صديقه على دراجة نارية.
وأضافت أن شرطيا كان خلفهما أطلق النار مرتين في الهواء، وبعد ذلك سمعت أصوات 5 طلقات نارية، وربما أكثر. وأكدت أن الشابين لم يكونا مسلحين، ولم يطلقا النار.
في المقابل، فإن شهادة الشرطي مطلق النار تنفي وقوع تبادل إطلاق نار. إذ أنه بعد يوم من الحادثة، نشر أن الشرطي روى لضباطه أنه تم توجيه السلاح نحوه. ولكنه في الغداة قال للقناة التلفزيونية العاشرة: "تلقينا بلاغا عن حادث إطلاق نار في شارع يافت، وأغلقت قوات الشرطة التي وصلت المكان، وبدأت بعمليات تمشيط. وفجأة وصلت ثلاث درجات نارية ثقيلة من زقاق، وسارعوا باتجاه أفراد الشرطة. وتجاوزني أحد المشتبه بهم، وهبط إلى المسلك الثاني من الشارع، ثم فقد السيطرة على دراجته وسقط. وعندها بدأت عملية مطاردة على الأقدام باتجاه زقاق جانبي. وحاول المشتبه به الذي سقط الصعود على دراجته، ولكنه عندما رآني هرب باتجاه أصدقائه الذين كانوا في انتظاره. وعندها استل شرطي سلاح تايزر وأطلق عليه، وعندها سقط أرضا. حاولت أن أقيده، ولكنه وقف على قدميه، ودفعني ثم ضربني بخوذته على جبيني، وهرب. في هذه المرحلة، لم يكن هناك بد من استلال السلاح، وطلبت منهم التوقف، وفي النهاية أطلقت عدة رصاصات باتجاه الإطار الخلفي للدراجة التي صعد عليها المشتبه به. لم ألاحظ الإصابات، وهرب ثلاثتهم من المكان بسرعة. وفقط بعد 10 دقائق وصلنا بلاغ عن مصاب بإطلاق النار".
وتابعت الصحيفة، أن هذه شهادة تدين الشرطي، باستثناء الادعاء بأنه "لم يكن هناك بد من استلال السلاح". وفي الواقع فإن هذه الشهادة تتماشى مع الشهادة التي حصلت عليها الصحيفة، وتؤكد الادعاء الجديد للشرطي، باستثناء ضربه بالخوذة في جبينه. وبحسب شهادة أخرى، بعد هذا العراك وإسقاط التايزر من يد الشرطي فإن سعدي صعد الدراجة النارية مع أصدقائه. وقبل أن يتمكن من الصعود إلى الدراجة بدأ إطلاق النار الذي انتهى بمقتل السعدي.
ورغم أنه لا يمكن نشر نتائج تقرير التحليل الطبي بعد الوفاة، إلا أن مصادر شاهدت جثة السعدي قبل دفنه تشير إلى أربعة ثقوب في بدنه (الجزء العلوي من جسده)، وكلها في الجهة الخلفية من جسده. كما أصيب سائق الدراجة النارية نفسه في ظهره حيث اخترقت الرصاصة رئته بجوار القلب. وفقط بعد سفر لمسافة نحو كليومتر عاين السائق أن السعدي في حالة خطيرة، فقام باستدعاء سيارة إسعاف. أما الدراجة النارية الثانية التي هربت من أفراد الشرطة فقد أصيبت أيضا.
ويتضح أن ادعاء الشرطي بأنه أطلق النار باتجاه الإطار الخلفي للدراجة النارية وأنه "أخطأ الهدف" غير معقول. وبحسب شهود فإن إطلاق النار قد تم من مسافة قصيرة عندما صوب الشرطي سلاحه فإن الدراجة النارية الثانية قد أصيبت في الإطار، ولكن من غير المعقول أن يخطئ الشرطي المرة تلو المرة عندما أطلق النار باتجاه الدراجة النارية التي كان السعدي يمتطيها فيصيبه في الجزء العلوي من جسده. علاوة على ذلك، فإنه لم يكن يفترض أن يطلق الشرطي النار حتى لو هرب مهدي السعدي وأصدقاؤه.
وأشار التقرير إلى أنه بعد أيام من مقتل السعدي، اعترض أفراد الشرطة طريق شقيقته، ووجهوا لها الإهانات اللفظية، وعندها تدخل شقيقها أحمد وقام بإبعادها من المكان. وبعد وقت قصير أحاط به أفراد الشرطة، وأمسك به اثنان في حين اعتدى عليه باقي أفراد الشرطة بالضرب في وجهه بقوة المرة تلو المرة، ما استدعى نقله إلى المستشفى. وادعت الشرطة أنه كان ينوي مهاجمة أفرادها، فقامت باعتقاله. وبعد نشر توثيق الاعتداء، أفرجت عنه الشرطة في مساء اليوم ذاته، الأمر الذي ينفي ادعاءات الشرطة.
يذكر في هذا السياق، أن ما تسمى "وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة" لا تزال تحقق في حادثتين أخريين. ونشر قبل أيام معدودة أن وحدة التحقيقات قد أوصت بعدم إجراء تحقيق في مقتل المربي يعقوب أبو القيعان من قرية أم الحيران، على الرغم من أن أفراد الشرطة أطلقوا النارعلى مواطن بريء من أي تهمة، وتؤكد الشهادات أنه ترك في المكان ينزف حتى فارق الحياة دون أن تسمح الشرطة بتقديم الإسعاف له.
وفي الحادثة الثانية، التي وقعت في رهط في كانون الثاني/يناير 2015، فإن وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة أوصت بعدم تقديم أية لائحة اتهام، وذلك على الرغم من أن الشرطي الذي أطلق النار على سامي الجعار تبين أنه يكذب في جهاز كشف الكذب (البوليغراف)، وثبت أن الرصاصة القاتلة انطلقت من سلاح الشرطي.
من جهتها ادعت الشرطة أن ملف التحقيق في مقتل السعدي لا يزال يجري في الشرطة تحت أمر حظر نشر، وبالتالي لا تستطيع الإدلاء بأية تفاصيل بشأنه.
أما المحامية نوعا ليفي من "اللجنة ضد التعذيب"، التي تمثل عائلة السعدي، فقد عقبت بالقول إن مقتل السعدي بنيران الشرطة هو مثال واضح للخطر النابع من الصعود المنفلت لعنف الشرطة والرقابة الخفيفة على الشرطة، حيث أن الأجواء في وسط السلطات تدعم من يطلق النار على العرب، وعندما تتلكأ وحدة التحقيقات مع أفراد الشرطة في تحقيقاتها، وتتصرف بحذر شديد تجاه "كرامة أفراد الشرطة المشتبه بهم"، ينشأ شعور لدى الشرطي مطلق النار بأنه لديه حصانة فعلية تحميه حتى في حالة إطلاق النار على ظهر مواطن.
عرب 48