رام الله الإخباري
منذ وصوله إلى سدة الحكم في الولايات المتحدة مطلع العام الجاري، دائماً ما ينتقد ويهاجم الرئيس الأميركي سياسيين وصحفيين كثراً في أميركا وخارجها، وحتى دول ومؤسسات أيضاً يكيل لها ترامب الهجوم إلا شخص واحد لم يجرؤ الرئيس الأميركي على مناكفته، وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قالت في تقرير السبت 12 أغسطس/آب 2017، إنه منذ خوض ترامب غمار الحياة السياسية، تجد واشنطن صعوبةً في فهم أسباب انجذابه الغريب لرجل الكرملين القوي.
وبحسب الصحيفة الأميركية تصميم الرئيس على تجنب التفوه بأي شيء ضد بوتين أو حتى انتقاده من بعيد بات واضحاً للعيان يوم الخميس الماضي، 10 أغسطس/آب، عندما تصبب عرقاً بعد سؤاله عن رأيه في قرار الرئيس الروسي الذي طالب السفارة الأميركية بخفض عدد موظفيها بحوالي النصف. وبدلاً من الاعتراض، عبَّر ترامب عن امتنانه.
وقال ترامب للمراسلين في نادي الغولف الخاص به في بلدة بدمينستر: "أريد أن أشكره لأننا كنا نحاول خفض حجم رواتب الموظفين. من وجهة نظري، أنا ممتن لأنه طالب بمغادرة العديد من الأشخاص، إذ أصبحنا ندفع رواتب لعددٍ أقل من الموظفين. ليس هناك مبررٌ لعودتهم. أشعر بالعرفان لحقيقة أنهم تمكنوا من خفض عدد موظفينا من أجل الولايات المتحدة، إذ سنوفر الكثير من المال".
وافترض كثيرون على موقع تويتر أن هذا الاقتباس مأخوذٌ عن الصحيفة الساخرة "ذي أونيون"، والتي تنشر أخباراً مستوحاة من عناوين الصحف، تسخر خلالها من الرؤساء والسياسيين عن طريق المبالغة في تقليد سماتهم المعروفة. لكن حتى هذه الصحيفة المُتمرِّسة في السخرية وجدت صعوبةً في مجاراة أحداث اليوم المُحيرة.
السخرية فقط
وخلال حديثه مع المراسلين مرة أخرى الجمعة، 11 أغسطس/آب، قال ترامب أن تعليقه خلال اليوم السابق كان يقصد به السخرية فقط. لكنه لم يعبر عن أي انتقادٍ لبوتين أيضاً ولم ترد المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة هاكابي على السؤال المطروح عن أسباب عزوف ترامب عن فعل هذا.
ولطالما عبَّرَ ترامب عن إعجابه ببوتين رغم أن السياسيين الأميركيين من كلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي يستنكرون لجوء الرئيس الروسي إلى إثارة حرب انفصالية في أوكرانيا، محاولاً زعزعة استقرار الغرب، ودعمه لنظام بشار الأسد في سوريا، وتعاونه مع إيران.
وخلال السنوات السابقة لانتخابه، امتدح ترامب مراراً بوتين، واصفاً إياه بـ "اللطيف للغاية" و"القائد القوي" الذي يقوم "بعملٍ رائع". وعندما سأله المراسلون عن قتل بوتين للعديد من قادة المعارضة والصحفيين، رفض ترامب هذه الاتهامات قائلاً إن الولايات المتحدة نفسها تورَّطت في أعمال قتلٍ، بحسب نيويورك تايمز.
وجاء تعليق ترامب الأخير بعد أسبوعٍ واحد فقط من نشره تغريدةٍ على موقع تويتر، يلقي خلالها باللائمة على الكونغرس لتدهور العلاقات مع موسكو بسبب تمريره لعقوباتٍ جديدة على موسكو. وجاءت العقوبات ضد روسيا بسبب تدخلها في الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال العام الماضي، 2016، واحتلال أراضي دولة أوكرانيا المجاورة لها عبر ضم شبه جزيرة القرم، لكن ترامب لم يأت على ذكر أي من هذه الأفعال.
بوتين يرد
أما بوتين، فقد جاء رده على هذه العقوبات في صورة مصادرة ممتلكات اثنين من الدبلوماسيين الأميركيين ومطالبة الولايات المتحدة بخفض عدد موظفيها في السفارة والقنصليات بحوالي 755 شخص بحلول 1 سبتمبر/أيلول، وهو الإجراء الأضخم ضد مصالح الولايات المتحدة في روسيا منذ عقودٍ. وكان سيتبع هذا الإجراء عادةً إصدار الرؤساء السابقين لخطابٍ مهذب للتعبير عن شكواهم على الأقل، ما لم يعبروا عن إدانتهم للقرار بشكلٍ قاطع.
وسيكون غالبية الأشخاص، الذين سيفقدون وظائفهم، مواطنين روساً يعملون لدى السفارة الأميركية في مناصب غير حساسة. ويحق لأي دبلوماسيين أميركيين، قد يضطرون إلى مغادرة روسيا، الاحتفاظ بوظائفهم وإعادة تعيينهم في المقرات الرئاسية لوزارة الخارجية أو في الوكالات الحكومية الأخرى في واشنطن أو في مناصب أخرى خارج البلاد.
وتضيف نيويورك تايمز سواء كان ترامب يقصد السخرية أم لا، فقد قال صانعو السياسة الروسية المخضرمون إنهم مذهولون.
وقالت إيفلين فاركاس، المساعدة السابقة لنائب وزير الدفاع خلال فترة حكم أوباما: "إنه لأمر شائن أن يشكر ترامب بوتين على أي شيء بالنظر لما فعله لمهاجمة السيادة الأميركية والمعاملة السيئة من جانبِ الحكومة الروسية للموظفين الأميركيين".
وأضافت: "يبدو أن الرئيس عازمٌ كلياً على غض الطرف عن أي خطأ يرتكبه بوتين. ماذا إذا هدَّدَ بوتين بشن هجومٍ عسكريٍ على جزيرة غوام؟".
وأشار ديفيد كرامر، المساعد السابق لوزير الخارجية خلال فترة حكم الرئيس جورج بوش الابن، إلى الإجراءات التي اتخذها أوباما قبيل رحيله عن منصبه رداً على التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، والتي تمثَّلَت في طرد 35 دبلوماسياً روسياً ومصادرة تجمُّعَين سكنيَّين تابعَين لروسيا.
وقال كرامر: "يمثل قرار بوتين بإجبار السفارة على خفض عدد موظفيها بحوالي 755 شخصاً ومصادرة تجمُّعَين سكنيَّين تابِعَين لها تصعيداً، وليس انتقاماً مما فعلناه، ولا يستحق أي مدحٍ مطلقاً".
وبالنظر إلى ميل ترامب إلى انتقاد أي شخصٍ آخر، بمن فيهم أعضاء فريق عمله، وحكومته، وحزبه، فإن رفضه الحازم للتفوه بأي شيءٍ سلبي ضد بوتين، لم يثر سوى الشكوك بشأن انتخابات العام الماضي، بحسب نيويورك تايمز.
ترامب ينكر بشدة
ودائماً ما ينكر ترامب بشدةٍ وجود أي تآمر بين فريقه وروسيا خلال حملته الانتخابية. رغم وجود رسالةٌ إلكترونية أُرسلت إلى ابنه خلال الصيف الماضي للترتيب لاجتماعٍ مع محامية روسية لديها علاقات بالكرملين، أن الزيارة كانت "ضمن جهود روسيا وحكومتها لدعم ترامب".
وحاول ترامب مؤخراً المجادلة بأن روسيا عملت، في واقع الأمر، ضد حملته الانتخابية لأنه سعى إلى زيادة حجم الإنفاق العسكري وإمدادات الطاقة، وأنه إذا كان هناك من تآمر، فإن هيلاري كلينتون هي من تلقت الدعم من الكرملين. لكن لا يرى المحققون، الذين يعلمون لدى النائب العام مولر، أو لجان المخابرات في مجلسي الشيوخ والنواب، الأمر على هذا النحو.
وقال ترامب شاكياً يوم الخميس الماضي: "إنهم يحققون في أمرٍ لم يحدث مطلقاً. لم يكن هناك تآمر بيننا وروسيا. في الواقع، ما حدث هو العكس. فقد أنفقت روسيا الكثير من المال لمحاربتي. فإذا ما فكرتم في الأمر، أنا أريد جيشاً قوياً. أنتم ترون كيف يرتفع حجم موازنتنا - ستكون ميزانيتنا العسكرية بمئات مليارات الدولارات. وروسيا لا يعجبها هذا. لكن هيلاري كانت ستُخفض الميزانية العسكرية بنحوٍ كبير"، بحسب نيويورك تايمز.
وقال بعض خبراء السياسة الخارجية إنه حتى وإن لم يكن هناك تعاونٌ غير ملائم بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا، ربما يكون الرئيس وفريقه يخففون حدة انتقادهم لبوتين على أمل إبرام صفقةٍ كبيرة معه بشأن سوريا وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وقال أندرو فايس، المستشار السابق للرئيس بيل كلينتون في الملف الروسي، والذي يعمل حالياً لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي: "إن عزوف ترامب المستمر عن النطق بأي كلمةٍ تنتقد بوتين أمرٌ مُحيِّر. يواصل ترامب تعلُّقه بهذه الفكرة"، مشيراً إلى التعاون مع موسكو في ملفي الشرق الأوسط والصين والذي يعتبره عنصراً حيوياً في إستراتيجية سياسات ترامب الخارجية.
وأضاف: "للأسف، تعد هذه الطريقة غير فعَّالة ولا أساس لها من الصحة للتفكير بشأن العالم، ناهيك عن بإدارة السياسة الخارجية للولايات المتحدة".
هافينغتون بوست