قال الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط، إن مبادرة السلام العربية تُقدم لإسرائيل فُرصة تاريخية بإقامة علاقات طبيعية ليس فقط مع جيرانها من العرب بل مع دول العالم والاسلامي.وأضاف أبو الغيط في كلمته أمام مجلس الأمن الدولي اليوم الثلاثاء، من خلال بند "الحالة في الشرق الأوسط .. وبخاصة القضية الفلسطينية"، أن مجلسكم اعتمد بعد عدة أشهر من انتهاء الأعمال العسكرية القرار 242 وهو القرار الذي رفض الاستيلاء علي أراضي الغير بالقوة كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة.
وقال: إننا نشعر بقدر عظيم من الأسى والحُزن وأنا أتحدث أمامكم اليوم وبعد مرور خمسين عاما على احتلال اسرائيل للأراضي العربية والفلسطينية في حزيران/ يونيو من عام 1967.وتحدث عن اعتماد الدول العربية في قمتها ببيروت عام 2002 مبادرة السلام العربية التي تنص على انسحاب اسرائيلي كامل وانهاء للقضايا العالقة مقابل علاقات سلام طبيعية كاملة معادلةُ تبدو سهلة ومقبولة وعادلة للجميع، وأيدها المجتمع الدولي بأشكال عديدة، الا اسرائيل التي لم نسمع عن سياسي أو مسؤول واحد بها أعلن قبوله بها حتى الآن.
وأشار إلى أن إسرائيل لا تطرح سوى بديل واحد، هو استمرار الاحتلال بل وتكريسه ليصير عملياً نظامين للحياة يخضعان لسُلطة الدولة الاسرائيلية وفي هذا البديل لا توجد سيادة فلسطينية على الأرض، وفيه تتحول الحكومة الفلسطينية إلى مجرد سُلطة بلدية تدير شؤون المواطنين تحت السيادة الإسرائيلية، وللأسف الشديد فقد نجحت إسرائيل في وأد الأمل الذي ولده اتفاق أوسلو عام 1993 بل ودفن هذا الاتفاق عملياً من خلال تثبيت واقع الأبرتهايد المرير في الضفة الغربية وواقع السجن الكبير في قطاع غزة.
وتابع: "الشعب الفلسطيني يجد نفسه في مأزق بالغ التعقيد إذ لم يعُد له - بعد احتلال ال22% المتبقية من أراضي فلسطين تحت الانتداب البريطاني - مكاناً يُمكن أن يدعوه دولته المستقلة، وهو وضع شاذ وليس له نظير تقريباً في التاريخ الحديث ولكنه مستمر – وللعجب- منذ نصف قرن كامل، وهناك للأسف من الاسرائيليين من يرى أنه قابل للاستمرار لأعوام بل وعقود قادمة".
وبين أبو الغيط أن هذا الواقع المؤلم والمخزي ترسخ تحت سمع وبصر العالم عاماً بعد عام، وبقدر ما يُمثله هذا الوضع من مُعاناةٍ وجُرحٍ نفسي ووجداني للفلسطينيين الذين تضيع أعمارُهم في نقاط التفتيش وخلف جُدران العزل، بقدرِ ما يُمثلُ إدانةً كاملة للمنظومة الدولية التي يُعد هذا المجلس أهم عنوان لها، مؤكدا انه لابد أن نعترفَ جميعاً أن هذه المنظومة فشلت، وبعد خمسين عاماً من الاحتلال، في توفير الإطار الملزم لإنهائه أسوة بما جري مع العديد من الصراعات الاقليمية والدولية الأخرى.
ونوه إلى أن معاهدات السلام التي وُقعت بين إسرائيل من جانب وكلٍ من مصر والأردن من جانب آخر تمنحنا بصيص أمل في أن إقامة السلام ليست مستحيلة، وإن هذه الاتفاقيات تُمثل مصابيح قليلة في نفق طويل مُظلم من الصراعات والعُنف، وما من شك في أن صمودها أمام اختبار الزمن، وتمسك أطرافها بها لا يعني سوى أنها قامت على أساس صحيح، وأنها انطلقت من نهج سليم.
وأوضح أبو الغيط "أنه بعد جولات لا حصر لها من التفاوض السري والعلني، وبعد جهود مُخلصة ومضنية بذلها الكثيرون من أجل الوصول الى التسوية العادل، وبعد اتفاقات مرحلية وتفصيلية عديدة جرى توقيعها في جولات مختلفة من التفاوض– كنت شخصياً شاهداً على أغلبها – أقول .. بعد هذا التاريخ الطويل من الإخفاق في إنهاء الصراع، علينا أن نصارح أنفسنا بأمانة كاملة بأن كل هذه الخطط والمحاولات لم تحقق النجاح لأنها لم تعالج لُب الصراع وجوهره".
وقال الأمين العام: إن جوهر المسألة هو احتلال الأرض في عام 1967، ولا حل سوى بمعالجة هذا الجوهر مُباشرة وبشكل حاسم، وعلى أساس مبدأ الأرض مقابل السلام، وأي عملية تفاوضية لا تنطلق من هذه الفرضية البديهية محكوم عليها بالفشل، مشددا على أهمية التوجه مُباشرة ودون إبطاء الى مُعالجة قضايا الحل النهائي التي تمثل صلب النزاع الفلسطيني الاسرائيلي علي وجه الخصوص، وعلى رأسها الحدود والقدس والأمن واللاجئين.
وأكد أن الأطراف المعنية لا تكون في العادة قادرة بمفُردها على مباشرة عملية تفاوضية ناجحة من دون دعم دولي قوي ومتواصل، قائلا: "إذا تُرك الطرفان الفلسطيني- والإسرائيلي بالذات، من دون إسناد دولي فاعل، فأغلب الظن أنهما سيعجزان عن إنجاز أي اتفاق أو تسوية، خاصة في ضوء الخلل الفادح في ميزان القوى."
وأشاد ابو الغيط، بكل دولة حاولت على مدار تاريخ هذا النزاع أن تقرب بين الأطراف، خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي لعبت حكوماتها المتعاقبة أدواراً متعددة في أهميتها وتأثيرها، مشيرا إلى أن أي تفاوض جاد لابد له من إطار مرجعي متفق عليه لا تستقيم المفاوضات بدونه.وقال إن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتبنى استراتيجية من شأنها أن يتحول حل الدولتين إلى بديل مُستحيل من خلال تنفيذ خطة ممنهجة في بناء المستوطنات واختيار مواضعها بصورة تجعل قيام دولة فلسطينية متواصلة الأطراف في المُستقبل شبه مستحيل من الناحية الجغرافي، مشيرا إلى أن عدد المستوطنين عام 1996 كان حوالي 150 ألفاً، وبلغ اليوم حوالي 400 ألفا، بخلاف 200 ألف آخرين في القدس الشرقية.
وأكد الامين العام أن هذه المُعطيات لا تدع أمامنا أي شكٍ في أن المشروع الذي تتبناه القيادة الإسرائيلية الحالية هو مشروع استيطان لا مشروع سلام، كان قرار مجلس الأمن 2334، بما توفر له من إجماع غير مسبوق وبعد طول ابتعاد عن تناول النزاع، خطوةً في الاتجاه الصحيح على طريق نزع الشرعية عن المشروع الاستيطاني الإسرائيلي، وتكثيف الضغوط الدولية على الحكومة الإسرائيلية للتراجع عن، ولابد أن تعقبه خطوات في الاتجاه نفسه.
وقال إن مبادرة السلام العربية تُقدم لإسرائيل فُرصة تاريخية بإقامة علاقات طبيعية ليس فقط مع جيرانها من العرب بل مع دول العالم الإسلامي أيضاً، وقد أعادت قمة عمان في آذار الماضي التأكيد على هذه المبادرة كخيار عربي استراتيجي، مؤكدا موقف القمة، وهو أن إسرائيل ليس بمقدورها أن تجنى ثمار السلام قبل تحقيق هذا السلام.
ونوه أبو الغيط إلى أن إسرائيل في حالة انتهاك دائم لأحكام ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي وبالتالي تفتقد أدنى شروط الانضمام إلى مجلس الأمن، ويعد القبول بها عضواً في هذا المجلس ضرباً لشرعيته في الصميم، كما يعطي دفعة قوية لمُعسكر التشدد وجماعات الاستيطان الاسرائيلية فإذا كان تطبيع الوضعية الدولية أمراً سهلاً بدون مقابل، فما الذي يحملها على التفاوض الجاد من أجل إنهاء الصراع.
وتابع: "إن ما يُثير العجب حقاً أن تجد إسرائيل في نفسها الجرأة الكافية لتترشح لهذا الموقع، وهي لا تفوت فُرصة للنيل من مصداقية الأمم المتحدة وإظهار الاستخفاف بها وبما تمثله، ولعلنا سمعنا ما دعا إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي مؤخراً من حل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) مُتهما إياها بالتحريض ضد إسرائيل، ولا غرابة، إذ أن هذه الوكالة تُمثل عنوان الالتزام الدولي تجاه قضية اللاجئين والحكومة الإسرائيلية ترمي في الأساس إلى تصفية هذه القضية ومحوها من الأجندة الدولية".
وقال أبو الغيط إن مُعالجة قضايا الحدود والأمن والقدس واللاجئين هي أساس التوصل الى حل مقبول ومستدام، ولكن الحكومة الحالية في إسرائيل لا تزال تتفنن في طرح أصعب القضايا قبل أي تفاوض وكأنها تسعى إلى وضع العصا في عجلة التسوية السلمية، ولا يُعقل أن يجري إلزام الطرف الفلسطيني بالاعتراف بما يُسمى بيهودية الدولة الإسرائيلية ابتداءً، وقبل أن تنطلق عملية تفاوضية ذات معالم، ويتوفر لها الحد الأدنى من الضمانات.
واختتم "آن أوان إنهاء كابوس الاحتلال الجاثم على الصدور، والذي كان سبباً جوهرياً في تنامي العُنف والراديكالية والإرهاب في كافة أرجاء المنطقة، وإن العالم يحتاج الى تسوية هذا الملف بشكل نهائي وعادل حتى تعود الحقوق الى أصحابها وينفتح الطريق أمام السلام والاستقرار والتنمية في هذا الإقليم المثخن بالجراح، وعليكم أن تعيدوا الأمل والثقة للفلسطينيين على وجه الخصوص بأن العالم لن يتخلى عنهم، وأنهم لن يصيروا مجرد أرقام منسية أو مشكلة مؤجلة، والجامعة العربية على استعداد كامل للعمل معكم من أجل تحقيق السلام المنشود".