رام الله الإخباري
في مقال يغوص في عّمق التاريخ المسيحي يكشف برنت لاندو، المحاضر بكلية الدراسات الدينية بجامعة تكساس الجذور غير المسيحية لمسمى عيد الفصح المسيحي.
ويتناول المقال الذي نشر في موقع "ديلي بيست" الأميركي جذور مظاهر الاحتفالات في هذا العيد وعلاقتها بتقلبات الطقس وعادات المجتمعات .
نص المقال:
يحتفل المسيحيون بعيد الفصح اليوم الأحد، 16 أبريل/نيسان، اليوم الذي يؤمنون أن فيه قيامة السيد المسيح. ويتغيَّر موعد الاحتفال من يومٍ لآخر كل عام، والسبب في ذلك هو أن عيد الفصح يأتي دائماً في يوم الأحد الأول بعد أول اكتمال للقمر في موسم الاعتدال الربيعي. لذلك، في عام 2018، يأتي عيد الفصح في الأول من أبريل/نيسان، وفي عام 2019 في 21 أبريل/نيسان.
أنا باحثٌ في الدراسات الدينية، ومتخصصٌ في الحقبة المسيحية المبكرة، ويُظهر بحثي أن تاريخ عيد الفصح يرجع إلى الأصول المعقدة لهذه العطلة، وكيف تطورت على مر القرون.
يشبه عيد الفصح أعياداً رئيسية أخرى، مثل عيد الميلاد وعيد الهالويين، والتي تطوَّرت خلال المائتي سنة الأخيرة. وفي كل هذه العطلات، اندمج المسيحيون وغير المسيحيين سوياً.
عيد الفصح كطقسٍ ربيعي
ترتبط أغلب العطلات الرئيسية بتغيُّر الفصول بشكلٍ ما. هذا واضح جداً في عيد الميلاد على وجه التحديد. ولا يمدنا العهد الجديد بأية معلومات حول موعد ميلاد السيد المسيح. ومع ذلك، يعتقد الكثير من الباحثين أن السبب الرئيسي للاحتفال بعيد ميلاد المسيح يوم 25 ديسمبر/كانون الأول هو أنَّه يوافق الانقلاب الشتوي بحسب التقويم الروماني.
ولأنَّ الأيام التي تعقب الانقلاب الشتوي تكون أطول وأقل ظلمة، كان هذا نوعاً من الرمزية المثالية لمولد "ضوء العالم"، كما ذُكر في إنجيل يوحنا.
كذلك كان الحال في عيد الفصح، الذي يقع في موعد مفصلي في التقويم الشمسي، وهو الاعتدال الربيعي (20 مارس/آذار)، حينما يتساوى الليل بالنهار. وبالنسبة لسكان الشمال، يأتي الربيع بالبهجة، لينهي أيام الشتاء الباردة.
يعني الربيع أيضاً عودة الروح للنباتات والأشجار التي كانت في سباتٍ طوال فصل الشتاء، وازدهار الحياة البرية. ونظراً لرمزية هذا الوقت في تمثيله لإعادة الحياة للكائنات الحية، كان من الطبيعي أن يحتفل العالم بقيام السيد المسيح في هذا الوقت من العام.
وترجع تسمية هذا العيد بـ"الفصح" (Easter) إلى اسم إلهة الربيع والخصوبة (Eoster) عند الإنجليز في عصور ما قبل المسيحية، والتي كان يُحتفل بها في أول فصل الربيع. والمرجع الوحيد لهذه الإلهة يأتينا من كتابات "القديس بيدي"، الراهب الإنجليزي الذي عاش في أواخر القرن السابع وأوائل القرن الثامن الميلادي. وبحسب تلخيص عالم الدراسات الدينية بروس فوربس:
"كتب بيدي أن الشهر الذي يحتفل فيه مسيحيو إنجلترا بقيامة المسيح كان يسمى يوسترموناث (Eosturmonath) في اللغة الإنكليزية القديمة، إشارةً لإلهة الربيع والخصوبة (Eoster). وبالرغم من أنَّ المسيحيين أكدوا المعنى المسيحي للاحتفال، إلا أنَّهم اختاروا اسم الإلهة لوصف الموسم".
وكان بيدي مؤثراً للغاية في المسيحيين الذين أتوا بعده لدرجة أنَّ اسم العيد ترسخ في أذهانهم، وما زال مستخدماً إلى الآن بواسطة الإنجليز، والألمان، والأميركيين ليشير إلى الاحتفال بقيامة السيد المسيح.
العلاقة بينه وبين عيد الفصح اليهودي
من الجدير بالذكر أنَّه بالرغم من استخدام اسم "الفصح" (Easter) من قِبل من يتحدثون الإنجليزية، تشير الكثير من الثقافات إلى العيد بمصطلحات تُترجم في أفضل صورها بـ "الخروج" (مثل "Pascha" عند اليونانيين)، وهي إشارة إلى عيد الفصح عند اليهود.
وفي الكتاب العبري، الخروج هو احتفال بتحرير الشعب اليهودي من العبودية في مصر، كما رُوِيَ في سفر الخروج. وكان هذا، ولا زال، أهم احتفال موسمي عند اليهود، يحتفلون به مع ظهور أول قمر مكتمل بعد الاعتدال الربيعي.
وفي زمن المسيح، كان للخروج أهمية خاصة، إذ كان الشعب اليهودي تحت سيطرة قوى أجنبية مرة أخرى (وهم الرومان). وتدفق حجاج اليهود إلى القدس كل عام أملاً في تحرير شعب الله المختار (كما يعتقدون) مرةً أخرى.
وفي أحد احتفالات الخروج، سافر المسيح إلى القدس مع حوارييه للاحتفال بالعيد. ودخل المسيح القدس في موكبٍ مهيب، وسبّب اضطراباً في المعبد المقدس. ويبدو أن الحدثين لفتا انتباه الرومان، ولهذا أعدموا المسيح عام 30 ميلادية تقريباً.
وبالرغم من ذلك، اعتقد بعض تابعي السيد المسيح أنهم رأوه حياً بعد وفاته، وكانت هذه التجارب هي شهادة ميلاد الدين المسيحي. إذ مات المسيح يوم عيد الخروج، واعتقد تابعوه بقيامه بعد موته بثلاثة أيام، ولهذا كان من المنطقي ربط هذه الأحداث ببعضها.
واختار بعض المسيحيين المتقدمين الاحتفال بقيامة المسيح في نفس يوم الاحتفال بعيد الخروج اليهودي، أي يوم 14 من الشهر السابع في التقويم العبري، والذي قد يقع في شهر مارس/آذار أو أبريل/نيسان من التقويم الميلادي. ويُعرَف هؤلاء المسيحيون باسم "الأربعة عشر".
وباختيارهم هذا التاريخ، يلقون الضوء على يوم موت السيد المسيح، ويؤكدون على استمرارية اليهودية التي خرجت المسيحية من رحمها. والبعض الآخر يفضل إبقاء الاحتفال كما هو يوم الأحد، حين تم طبقاً للروايات اكتشاف قبر السيد المسيح.
وفي عام 325 ميلادياً، عقد الإمبراطور المسيحي قسطنطين أول مجمع يضم كبار أساقفة المسيحية لحل النزاعات الهامة، وسمي بمجمع نيقية. وكان من أهم القرارات المصيرية التي خرج بها المجمع هو وضع السيد المسيح، الذي استقر المجمع في النهاية أن يصفه بـ"كامل الإنسانية وكامل الألوهية ". وتم أيضاً الاتفاق على الاحتفال بعيد الفصح في موعده يوم الأحد، وليس في الرابع عشر من أبريل/نيسان (بحسب التقويم العبري). ونتيجةً لذلك، نحتفل الآن بعيد الفصح في الأحد الأول بعد اكتمال أول قمر في موسم الاعتدال الربيعي.
أرنب الفصح وبيض الفصح
في الأزمنة الأولى للدولة الأميركية، كانت شهرة عيد الفصح بين الكاثوليك أكبر منها بين البروتستانت. على سبيل المثال، اعتبر البيوريتانيون (من البيوريتانية، وهي مذهب مسيحي بروتستانتي يجمع خليطًا من الأفكار الاجتماعية، والسياسية، واللاهوتية، والأخلاقية. ظهر في إنجلترا في عهد الملكة اليزابيث الأولى) كلاً من عيد الفصح وعيد الميلاد ملوثين جداً بتأثيراتٍ أخرى خارجة عن المسيحية، وبالتالي فهي أعياد ليست مناسبة ليحتفل المسيحيون بها. وكانت مثل تلك الاحتفالات أيضاً مجالاً للمرح وشرب الخمر.
وتغير مصير العيدين في القرن التاسع عشر الميلادي، حين أصبحا مناسبتين عائليتين، وحدث ذلك جزئياً بسبب الرغبة في جعل احتفالات العيدين أقل هرجاً.
ولكن تغير شكل عيد الفصح وعيد الميلاد مرة أخرى ليصبحا محليين أكثر، نظراً لتغير فكرة الأطفال عنهما. فقبل القرن السابع عشر الميلادي، نادراً ما تركز الاهتمام على الأطفال، كما كتب المؤرخ ستيفين نيسنباوم:
"...كان الأطفال يُجمَعون مع أفراد الطبقة الدنيا، خاصةً الخدم والصبيان، والذين، وليس على سبيل الصدفة، كانوا صغار السن أيضاً".
من القرن السابع عشر فصاعداً، أصبح هناك وعيٌ أنَّ مرحلة الطفولة لابد أن تكون مرحة، وليست مجرد تجهيز لسن البلوغ. وكان لذلك الاكتشاف والشغف بالأطفال أثره العميق في طريقة الاحتفال بعيد الفصح.
ومن هذا المنطلق، أصبح لبيض الفصح وأرنب الفصح أهمية خاصة. وأصبح تزيين البيض جزءاً من الاحتفال بعيد الفصح منذ العصور الوسطى، في إشارة رمزية إلى الحياة الجديدة. وهنالك الكثير من الروايات الشعبية التي تحيط ببيض الفصح، وفي عددٍ من دول أوروبا الشرقية أصبحت عملية تزيين البيض مليئة بالتفاصيل. والعديد من أساطير أوروبا الشرقية تربط بين تلوين البيض باللون الأحمر (اللون المفضل لبيض الفصح) والأحداث التي ألمت بالسيد المسيح من موت وبعث.
ومع ذلك، ظهر فقط في القرن السابع عشر الميلادي التقليد الألماني الذي يحضر فيه أرنب الفصح البري البيض للأطفال الصالحين. وارتبطت الأرانب والأرانب البرية بطقوس موسم الربيع نظراً لخصوبتهم الشديدة.
وعندما استقر المهاجرون الألمان في بنسلفانيا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، جلبوا هذا التقليد معهم. واستُبدِل الأرنب الأليف بالأرنب البري، في إشارةٍ أخرى إلى توجه التركيز نحو الأطفال.
وبينما يحتفل المسيحيون بالعيد هذا الربيع في ذكرى قيامة السيد المسيح، تذكرنا مناظر بيض الفصح وأرنب الفصح بأصول العيد القديمة الخارجة عن التقاليد المسيحية.
هايفنغتون بوست