هكذا تتأثر فلسطين بالتغير المناخي

التغير المناخي

رام الله الإخباري

 تعيش المنطقة العربية حالة من الظلم المُناخي بحُكْم أنها إحدى المناطق الأقل ثلويثاً في العالم، من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة، في حين نجدها من أكثر المناطق تأثراً بظاهرة الاحتباس الحراري، والناجمة عن هذه الانبعاثات. كما أن منطقتنا يصعب عليها التكيّف مع هذه التغيرات المُناخية نظراً لتخبُّطها في إشكاليات كبرى منها الفقر، غياب الديمقراطية، الرشوة، وضعف النمو الاقتصادي و التنمية البشرية.
 
وفي نظرة عامة، فإن منظور سياسات الطاقة لاسيما في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتسم باعتماده غير المتزن على المصادر غير المتجددة ومصادر الطاقة الأحفورية. علماً بأن النمو السكاني والاستهلاك العالي في المنطقة سيدفعان إلى ارتفاع احتياجات الطاقة من 6% إلى 7%  كل عام في المستقبل إذا استمرت أنماط الاستهلاك على شكلها الحالي.
غير أن المنطقة مازالت تتمتع بإمكانات ضخمة لتوسيع مصادر الطاقة المتجددة، ومع ذلك فإن هذه المصادر تمثل ما مقداره 2.5% من إجمالي إنتاج الطاقة الإقليمي فقط في 2015. 
وعلى الرغم من أن الشروط القانونية الأساسية اللازمة للتوسع في قطاع الطاقة المتجددة وتعزيز كفاءة الطاقة قد أنشئت في معظم بلدان المنطقة، إلا أن هناك غياب للتطبيق السياسي الحازم على المستوى الوطني, وكذلك التحليل الناقد من قِبل الأطراف السياسية الرئيسية والمجتمع المدني.
وفي خِضّم الأحداث السياسية والأمنية التي تمر بها منطقتنا العربية, يقل التركيز على القضايا الخاصة بكفاءة الطاقة ومصادر الطاقة المتجددة ، بالمقارنة مع بعض الدول التي تبنّت سياسات جريئة وناجحة في ميدان الطاقات المتجددة كالدانمارك مثلاً، فهي تتجه للاستفادة بشكل أكبر من المصادر المتنوعة للطاقة المتجددة،  ولكن المنطقة العربية وتحديداً فلسطين - رغم الاهتمام الحديث - ما تزال بعيدة عن إدراج تلك المفاهيم على أولوية قضاياها.


إن نسبة التلوث المُناخي في فلسطين - حسب سلطة جودة البيئة- أقل من 1 % مقارنه بالدول الأخرى،  وإن التغير المُناخي الذي يحدث فيها يتمثل في ظاهرة التصحر وتدهور التربة وتراجع معدلات سقوط الأمطار، وفي السنوات الأخيرة تأثرت فلسطين بالعواصف الرعدية التي أصبحت تضرب سوريا و العراق وجزء من الأردن. وهذا بالطبع سيؤثر سلباً على الإنتاج الزراعي ويهدد الأمن الغذائي وقد يكون له أثار اقتصادية واجتماعية من حيث زيادة الفقر وعدم الاستقرار الاجتماعي. 
وإنني أذكر الحدث الذي أعتبره من بين أكثر ما أضرّ بالبيئة في فلسطين حديثاً, ما تمثل من حرائقَ هائلة ومدمّرة  التهمت الأشجار في حيفا والقدس ومدن أخرى،  هذه الحرائق وحسب استطلاع أجرته "مجلة آفاق البيئة والتنمية" في فبراير 2017، حول الحرائق المدمرة التي اندلعت، بأن 89% من المستطلعة آراؤهم يعتقدون أن سبب هذه الحرائق التغير المناخي والجفاف.

وتتوقع الدراسات الحديثة التي تغطي فلسطين وما حولها بأن من مظاهر تغير المناخ في فلسطين التي من المتوقع حدوثها هو نقص في كميات الأمطار 10 % من الآن حتى 2020، و20% حتى العام 2050، كما يتوقع علماء المُناخ حسب بعض السيناريوهات بأن يجف نهر الأردن بالكامل مع نهاية القرن الحالي.

ومن المهم القول بأن ارتفاع درجة الحرارة لا يرتبط بالاستراتيجيات المحلية، بقدر ما يرتبط بالتغيرات المُناخية على المستوى العالمي،  في حين أن الاستراتيجيات المحلية تحاول التكيّف مع تلك المعطيات العالمية. 

اتّفاقية باريس للتغيّر المناخي، التي تهدف إلى إبطاء ارتفاع حرارة الكرة الأرضية، هي اتّفاقية تلزم كل دول العالم بمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري, كان الرئيس الفلسطيني محمود عباس قد وقّع عليها في 22 أبريل 2016 في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، كما جرى الانضمام إلى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المُناخ في 22 كانون الأوّل/ديسمبر 2015.

هناك اهتمام ملحوظ بمشاريع الطاقة الشمسية في فلسطين،  كونها تتمتع جغرافياً بقوة إشعاع شمسي, وأحدث هذه المشاريع ما افتتحه مؤخراً الرئيس محمود عباس في مقر الرئاسة,  مشروع بقدرة 70 كيلو واط. ويُعد هذا  -على المستوى الرسمي- تشجيعاً مبدئياً لهذه المشاريع النظيفة. وهناك مشروع مهم لتركيب الألواح الشمسية على أسطح المدارس  أعلنت عنه سلطة الطاقة.

 هناك أمر آخر أعتبره نقطةَ تحولٍ في مجال الطاقة الشمسية في فلسطين، فلقد تم الإعلان عن بدء العمل لإطلاق "الصندوق الوطني للاستثمار في الطاقة الشمسية" بقيمة 200 مليون دولار. حيث سيقوم الصندوق بالاستثمار في مشاريع توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لمعالجة مشكلة الطاقة في فلسطين، ضمن استراتيجية تنموية اقتصادية شاملة من خلال برنامجين، الأول يشمل إنشاء عشر محطات لإنتاج الطاقة في مواقع مختلفة بكلفة 150 مليون دولار، والبرنامج الثاني يشمل استثمار ما قيمته 50 مليون دولار ستخصص لتأجير معدات توليد الطاقة الشمسية لأصحاب المنشآت والمواطنين المهتمين بذلك لتوليد الطاقة بشكل مباشر.
وفي سياق الاهتمام بالبيئة، وفي عام 2015 أقر مجلس الوزارء يوم البيئة الفلسطيني وتم تحديده في الخامس من آذار سنوياً لتسليط الضوء على قضايا البيئة وحمايتها من الانتهاكات،  وتم تبني "حماية البيئة" في أجندة السياسات الوطنية 2017-2022 التي أعلن عنها رئيس الوزراء في فبراير2017، وحظيت البيئة بالسياسة رقم "22" ضمن "58" سياسة تضمّنتها أجندة السياسات الوطنية والتدخلات السياساتية في ضوء الأولوية الوطنية العاشرة.

في فلسطين جملة من الخطط التي وردت في الاستراتيجية الفلسطينية التي أقرها مجلس الوزراء لها علاقة بالزراعة وبالمياه والنفايات والمياه العادمة والتنوع الحيوي، وهذه الخطط اذا ما نُفّذت فستعمل على الحد من ظاهرة التلوث المُناخي، ويمكن أن يكون التخطيط هنا أكثر نجاعةً من خلال مشاريع المياه وزراعة الاشجار و استصلاح الأراضي.

وشهد الملف البيئي السنة الماضية 2016 تقدماً ملحوظاً على المستوى الوطني، منه وفاء سلطة جودة البيئة بالتزاماتها لتحقيق متطلبات ما بعد الانضمام للاتفاقيات البيئية الدولية، ومن ذلك: إعداد تقرير البلاغ الوطني الأول لدولة فلسطين وتقديمه لسكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي، وإعداد تقرير المساهمات الوطنية المحددة NDC،  وإعداد خطة العمل الوطنية للإنتاج والاستهلاك المستدامَيْن، إضافة لإعداد التقرير الخامس لاتفاقية التنوع الحيوي، وهو التقرير الأول الذي يقدم للاتفاقية بعد الانضمام في عام 2014، عدا عن تقديم خطة حماية البحر المتوسط ضمن إطار اتفاقية برشلونة.

وحديثاً أطلقت 12 مؤسّسة أهليّة فلسطينيّة ما يُعرف ب"الائتلاف الفلسطينيّ من أجل العدالة المناخيّة"، استجابة لقضيّة المناخ، عبر السعي إلى اتّخاذ إجراءات للحدّ من ظاهرة التغيّر المناخيّ على الصعيد المحلي.

وتعد ظاهرة التغير المُناخي في فلسطين مقلقة إلى حدِ ما،  وهذا ما أكّده تحذير مركز الإحصاء المركزي الفلسطيني في بيان له بمناسبة اليوم العالمي للبيئة من ظاهرة التغير المناخي، حيث أشار إلى أن ظاهرة التغير المناخي تنذر بعواقب بيئية وصحية واجتماعية واقتصادية واسعة التأثير، الأمر الذي سيؤثر على جميع مناحي الحياة وخطط التنمية.

وعلى الرغم من كلّ الجهود المبذولة في التوعية، وإعداد الدراسات والخطط النظريّة، يدرك الفلسطينيّون أنّهم لا يستطيعون مواجهة هذه المشكلة التي تتعاظم مظاهرها لديهم، بصورة منفردة، نظراً إلى حاجتهم الماسّة إلى تطوير أدواتهم لمواجهتها والتكيّف معها، وما يتطلّبه ذلك من إمكانات ماليّة كبيرة غير متوافرة لديهم.

إن المشكلة الأكبر التي تعاني منها فلسطين فيما يتعلق بالتغير المُناخي والبيئة الفلسطينية وأنظمتها الإيكولوجية،  هي سياسات إسرائيلية تندرج في التخطيط للسيطرة أولا على الموارد الطبيعية - رغم ندرتها-  من مياه وثروات معدنية وحتى الصخور والنباتات، إضافة لبناء المستوطنات التي تلْتهم مساحات شاسعة من الأراضي، عدا عن التعدي على المحميات الطبيعية. وهذا يهدّد السلامة البيئية.

وتشهد الأراضي الفلسطينية تجريف وتدمير آلاف الدونمات من الأراضي الزراعية ومصادرتها، إضافة لاعتداءات دورية من قبل المستوطنين الإسرائيليين والتدريبات العسكرية وإنشاء المشاريع الاستعمارية  من جدران عازلة وشوارع وأنفاق وجسور، واقتلاع الأشجار والأشتال. واستخدام  الفسفور الأبيض والمواد الكيميائية والمشعة القاتلة، كما حصل مراراً في الحروب التي حدثت في السنوات الماضية. بالإضافة لما تُصدره المصانع الإسرائيلية من مواد كيماوية خطرة ونفايات سائلة وغازية، عدا عن مكبات نفايات للمستوطنات وقنوات المياه العادمة لهذه المستوطنات التي تصب في أراضي المواطنين وتضر بمزروعاتهم.

وبالتالي فإن الحكومة الإسرائيلية ماتزال تمارس سياسات مؤسفة لإعاقة الجهود الحثيثة للتخفيف من أثر الظواهر البيئية التي تؤثر على فلسطين وأهمها ظاهرة التغير المناخي، التي يتسلح العالم لمواجهة آثارها التي ستمس الجميع.

وفي الحقيقة، يتوجب الاهتمام أكثر بمصادر الطاقة المتجددة،  كجزء من الحل في مواجهة ظاهرة تغيّر المُناخ،  فهذه المصادر مستدامة ولا تنضب،  وآمنة ومرنة،  ولا تتطلب صيانة مثل المولدات والمصادر التقليدية،  كما أنها سهلة وسريعة التركيب وسهلة التوسّع وصديقة للبيئة بحيث أنها لا تُصدر انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون،  وتتمتع هذه المصادر كذلك بعمر افتراضي أطول ولا تعتمد على الوقود الأحفوري الذي يعمل على تلويث البيئة.

إننا نستطيع التكيّف مع التغير المُناخي عبر دعم وتعزيز التعاون الدولي والإقليمي من أجل تعبئة العمل المُناخي بصورة أقوى وأكثر طموحاً  - صياغة استراتيجية - من قبل جميع الأطراف،  الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص. وهذا يمكن أن يتم من خلال التعاون  مع واضعي السياسات العربية والشركات والمنظمات والمجتمعات الأكاديمية في جوانب عمل متعددة كالأبحاث والدراسات والمساعدة التقنية.

مع العلم أن منطقتنا العربية تتمتع بإمكانات عالية فيما يتعلق بمصادر الطاقة البديلة،  خاصة الشمسية و الريحية،  وبالتالي هذا يجعلنا نفكر جدياً في حلول مستدامة مثل إقامة خلايا كهروضوئية لتوليد الكهرباء،  وسخانات شمسية وضخ مياه بالطاقة الشمسية وإنارة شوارع بهذه الطاقة، ومشروعات التخضير، بالإضافة لاستثمار طاقة الرياح والكتلة الحيوية ومساقط المياه.

تُعد فكرة الخضرنة أو التخضير مُلهمة وممكنة، حيث تتحول بفعلها المدن من اللون الرمادي إلى الأخضر, فتكون البُنية التحتية فيها صديقة بالبيئة، وتنتشر فيها المساحات الخضراء،  وتعتمد كل أبنيتها  وشوارعها على مصادر الطاقة البديلة، كالطاقة الشمسية، ويحقق المجتمع الأخضر وسيلة للحياة يعيش فيها الجميع في ظل مستويات قليلة ونادرة من التلوث والفوضى.
هذه المجتمعات الخضراء تتميز بالازدهار فهي تحفّز تنوّع الأعمال، وتدعم الابتكار، وتدفع مسيرة التنمية، وتضمن وجود سوق قوية ومرنة للعمل المحلي. كما أنها تخضع لأداة قياس للتخضير كأداة النجمة  في أستراليا. التي تُبين فيما إذا كانت مدينة ما صديقة بالبيئة أم لا.

كل هذه الإمكانات والأفكار يجب أن تدفعنا نحو البدء في توجيه حوارات حول سياسة الطاقة النظيفة،  واستراتيجياتها وتقنياتها؛ لتطوير القدرة الطموحة في زيادة حصة الدول العربية من طاقة الغد. 

وبدون شك،  نحن نحتاج لرفع الوعي المجتمعي - المحدود- بظاهرة تغيّر المُناخ،  وهذا يُعد إشراكاً مجتمعياً نحو المحافظة على البيئة،  وأعتبر فكرة إنشاء مراكز تعلم وتثقيف بيئي أمر ممكن ومهم،  بالإضافة لإيلاء الاهتمام بفكرة التنمية المستدامة التي تجسّد حقيقةً صميمِ العمل نحو "المحافظة على العالم"،  وهي الفكرة التي تنبع من المسئولية الإنسانية الواقعة على عاتق الأفراد والمؤسسات والحكومات.

الكاتب: مؤمن ابو جامع