رام الله الإخباري
رمزي أبو رضوان، سِيرَةُ الطِّفْلِ الَّذِي جَعَلَ مِنَ الحَجَرِ كَمَانًا. وَكَعَادَةِ الأَطْفَالِ فِي بِلَادِنَا، يُوْلَدُونَ وَفِي عُيُونِهِمُ الحُبُّ، وَالغَضَبُ، وَالحُلْمُ ثَالِثُهُمَا!
فِي العَامِ (1979) وُلِدَ رمزي أبو رضوان لِأَبَوَيْنِ مِنْ بَلْدَةِ (النّعَانِي) فِي قَضَاءِ الرَّمْلَةِ، هذِهِ البّلْدَةِ الَّتِي دَمَّرَتْهَا عِصَابَاتُ الاحْتِلَالِ. وَقَدْ نَشَأَ وَكَبُرَ فِي (مُخَيَّمِ الأَمْعَرِيِّ) المُجَاوِرِ لِمَدِينَتَيِّ البِيرَةِ وَرَامَ الله.
وَفِي التَّاسِعِ مِنْ كَانُونَ ثَانٍ لِلْعَامِ (1987)، أَشْعَلَتْ (جَبَالْيَا) نَارَ الغَضَبِ، فَرَدَّتْ (بَلَاطَةُ)، ثُمَّ اشْتَعَلَتِ الأَرْضُ بِكَامِلِ عُنْفُوَانِهَا، فَمَا بَيْنَ (جَبَالْيَا) وَ(بَلَاطَةِ) كَانَ (الأَمْعَرِيُّ) يَسْتَجِيبُ لِنِدَاءِ الحَجَرِ، وَيُشْعِلُ نَارَ الاسْتِقْلَالِ، فَقَبَضَ الطَّفْلُ، ابْنُ الثَّامِنَةِ، عَلَى حَجَرِهِ، وَرَمَى بِهِ وَجْهَ الاحْتِلَالِ، وَصَارَ حِينَهَا جِنِرَالَاتُ الحِجَارَةِ سَادَةَ المَوْقِفِ.. وَمِنْ سُلَالَةِ الحَجَرِ صَنَعَ أبو رضوان حُلُمًا؛ فَكَانَ الـ(كَمَانُ) آلَةَ لَحْنِهِ الَّذِي قَاوَمَ بِهِ، كَمَا الحَجَرُ فِي شِتَاءِ انْتِفَاضَةٍ قَلَبَتْ شَاحِنَةَ التَّارِيخِ. وَأَسَّسَ مَا صَارَ يُعْرَفُ بِـالـ(كَمَنْجَاتِي)، لِيُحَقِّقَ حُلُمَ الكَثِيرِينَ مِنْ أَقْرَانِهِ الَّذِينَ سَبَقَهُمْ فِي العُمْرِ، وَعَاشَ مَعَهُمُ الحُلُمَ.
***
وَكَانَ الطِّفْلُ وَالحَجَرُ بِيَدٍ مِنْ لَبَنِ الطَّيْرِ، وَفِي عَيْنيْهِ غَضَبُ الجَدَّاتِ عَلَى القَوَاشِينِ؛ القَوَاشِينِ الَّتِي ذَبُلَتْ أَوْرَاقُهَا فِي عُبِّ الأُمَّهَاتِ المُتْعَبَاتِ؛ الأُمَّهَاتِ اللَّوَاتِي أَرْضَعْنَ صِغَارَ الرَّحِيلِ تَحْتَ فَيْءِ الانْتِظَارِ.
وَصَارَ الطِّفْلُ الفَتَى وَفِي فَمِهِ صُرَاخُ النِّدَاءَاتِ الَّتِي ذَابَتْ فِي المَاءِ، وَصَارَ الغِنَاءُ تَهْلِيلَةً لِلَيْلِ المُخَيِّمِ الطَّوِيلِ، وَصَارَ دَمُ الشَّهِيدِ غَيْمَةً أَمْطَرَتْ عَلَى جَدْبٍ، وَلَمْ يَنْتَبِهُوا، أُولئِكَ النَّدَّاهِينَ خَلْفَ المِذْيَاعِ العَقِيمِ، لِسُؤَالِ الحَجَرِ الَّذِي مَا زَالَ يَبْحَثُ بَيْنَ صَفَحَاتِ التَّارِيخِ عَنْ جَوَابٍ قَدِيمٍ، زَرَعَتْهُ يَدُهُ فَأَطْفَأَتْ ظَمَأَ السَّنَابِلِ، السَّنَابِلُ مَرِيضَةٌ يَا طِفْلَ الحَجَرِ القَدِيمِ. وَكَانَ الصَّبِيُّ يَكْبُرُ كُلَّمَا عَبَرَ العُمْرُ أَزِقَّةَ المُخَيَّمِ، وَعَلى كَتِفِهِ الكَمَنْجَاتُ؛ الكَمَنْجَاتُ الَّتِي تُغَنِّي لِلْبِلَادِ: "مَوْطِنِي، مَوْطِني"
الكاتب: عبد السلام العطاري