بعد تلقيه نكستين أمام القضاء بشأن مرسومه ضد الهجرة، أبدى الرئيس الأميركي دونالد ترامب ثقته بالفوز في نهاية المطاف، ولو أن هذا الإجراء الذي يعد من أبرز وعوده الانتخابية يواجه معركة شاقة.
وعلق القضاء مرتين خلال أسبوعين المرسوم الرئاسي الذي أصدره ترامب بصورة مفاجئة وحظر فيه مؤقتا الهجرة والسفر من سبع دول ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، إذ علق قاض فدرالي في سياتل مفاعيله في 3 شباط/فبراير، ثم أبقت محكمة الاستئناف في سان فرانسيسكو الخميس الماضي التعليق.
وأثارت هذه الصفعة المزدوجة غضب ترامب الذي ندد على الفور بـ"قرار سياسي" وتوعد بالرد عليه فكتب على تويتر "أراكم في المحكمة".وكتب ترامب السبت على تويتر "نظامنا القضائي فيه خلل" آخذا عليه أنه يسمح بدخول لاجئين قادمين من "بلدان مشبوهة".
وإن كان ردد الجمعة أن "لا شك" لديه في الانتصار في نهاية المطاف أمام القضاء، إلا أن درس الخيارات المتاحة للإدارة الأميركية والتدقيق في قرار محكمة الاستئناف لا يبرران مثل هذا التفاؤل.
وبعد قضاء نهار كامل في درس أفضل استراتيجية يمكن اتباعها، عكست المواقف الصادرة عن البيت الأبيض مساء الجمعة الكثير من التردد.
وأعلنت الإدارة في مرحلة أولى أنها لن ترفع المسألة إلى المحكمة العليا، متخلية بذلك عن أسرع وسيلة قد تتيح لها إلغاء قرار محكمة الاستئناف.
فهذا الخيار ينطوي على مجازفة بالنسبة لترامب وإدارته، إذ تقتصر تشكيلة المحكمة العليا حاليا على ثمانية قضاة يتوزعون مناصفة بين تقدميين ومحافظين.
وفي حال انقسمت المحكمة حيال الحكم الاستئنافي بين أربعة مؤيدين وأربعة معارضين، فذلك سيبقي قرار قضاة سان فرانسيسكو نافذا، ما سيسدد صفعة ثالثة هذه المرة لرأس الإدارة، الرئيس نفسه.
- تردد وتقلب -
أعلن كبير موظفي البيت الأبيض راينس بريباس لاحقا أن كل الخيارات تبقى مطروحة، ما يعني إما رفع المسألة إلى المحكمة العليا، واما خوض معركة صعبة حول جوهر الملف أمام المحاكم الأدنى مستوى.
ولم يبت قضاة سان فرانسيسكو الثلاثة الخميس سوى بشأن إلغاء حكم القاضي الفدرالي في سياتل جيمس روبارت أو ابقائه، ولم يتطرقوا سوى جزئيا إلى المسألة الجوهرية المتعلقة بصلاحية المرسوم في ذاته.
وفي حال تناول جوهر المسألة، فذلك سيفتح الطريق لرفع التماسات وشكاوى عدة أمام محكمة ما زال يتعين تحديدها من أصل ثلاثة احتمالات هي القاضي روبارت، أو قضاة سان فرانسيسكو الثلاثة، أو هيئة مشتركة تضم هذه المحكمة الاستئنافية إضافة إلى 11 قاضيا اخرين.
وزاد ترامب من تعقيد المسألة إذ اقترح الجمعة احتمالا رابعا، فقال في الطائرة الرئاسية التي كانت تنقله إلى فلوريدا إنه يدرس إصدار مرسوم جديد بصياغة معدلة.
ولتفادي أن يبدو مثل هذا الاجراء بمثابة إقرار بالفشل، قد يدرج الرئيس تدابير جديدة في هذا المرسوم الثاني الذي يحتمل أن يصدر على حد قوله الأسبوع المقبل بهدف حماية "أمن البلاد".
لكن أيا كان المنحى الذي ستتخذه المعركة القضائية، فإن القرار الاستئنافي الصادر الخميس سيكون له وقع كبير.
ففي قرارهم الصادر بالاجماع في 29 صفحة، أسقط قضاة سان فرانسيسكو الثلاثة حجج الرئيس بشكل تام.
- حجج قاطعة -
ورأت المحكمة أن الحكومة لم تقدم إثباتا على مخاطر جسيمة وآنية تحدق بأمن الولايات المتحدة.
كما ردت تأكيد الإدارة أن تطبيق القرار لم يفرض تدابير تثبت مشددة سوى على 109 أشخاص، بل تحدثت عن تأثير "واسع" له، مشيرة إلى إلغاء آلاف تأشيرات الدخول بصورة مفاجئة ومنع مئات المسافرين من الصعود في طائرات وتوقيف آخرين.
وردت المحكمة حجة الإدارة بأن إغلاق الحدود موقتا هو من صلاحيات الرئيس وشددت على أن "القضاء الفدرالي يحتفظ بالقدرة على بت دستورية المراسيم".
وأخيرا، رفض القضاة ان يبتوا ما إذا كان القرار التنفيذي الذي يستهدف ايران والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال، له صفة تمييزية ضد ديانة محددة هي الإسلام.
لكن الأهم أن القضاة فتحوا بابا يسمح لمعارضي المرسوم بالاستشهاد في أي مداولات مقبلة أمام القضاء بالتصريحات الكثيرة المعادية للاسلام الصادرة عن ترامب ومستشاريه.
وقال الدبلوماسي والقانوني ديفيد بريسمان لوكالة فرانس برس ملخصا المسألة "مع إقرارها بأن مسائل الأمن القومي من صلاحيات الرئيس، فإن محكمة الاستئناف رفضت التغاضي عن الموضوع، بل نظرت على العكس في حقيقة الوقائع، إي عواقب المرسوم الرئاسي وتصريحات الرئيس التي تنطوي على تمييز بشكل لا لبس فيه".