ورود غزة لن تحضر " الفالنتاين " في أوروبا هذا العام

ورود غزة والفالنتاين

رام الله الإخباري

بالرغم من جمالها وجودة إنباتها؛ لم تعد ورود قطاع غزة تُسافر إلى أوروبا؛ الأسباب لا تعدو المعوقات الإسرائيلية التي كبدت المزارعين خسائر طائلة ما زالوا يُعانوا تبعاتها منذ عام 2007: حين أحكم الحصار أبوابه على القطاعات الاقتصادية.

يزرع القطاع أنواعًا مميزة من الورود التي تلقى رواجًا في الأسواق الأوروبية، وفي سنوات الرخاء (ما قبل الحصار) عُرف بتصديره قرابة 50 مليون زهرة سنويًا، لكنّه لم يعد يُؤدي تلك المهمة الاقتصادية، فغالبية المزارعين حولوا مشاتل الأزهار خاصتهم إلى حقول قمح و خضراوات تُدر عليهم شيئًا من المال يقتاتون فيه على مدار العام.

ورود غزة ذات الجودة العالية

يأتي العام الثالث للاحتفال بعيد ما يسمى بـ«الفالنتين» في أوروبا دون حتى وردة واحدة من ورود قطاع غزة الذي اعتبر أهم مصدّر للورود يصل أوروبا، الآن يفتقد السوق الأوروبي «القرنفل» الأحمر الذي من المفترض أن تكون قد أنتجته المناطق الزراعية الشمالية والجنوبية للقطاع قبل أي مكان آخر لزراعة الورود.

سيحل يوم 14 من شهر فبراير (شباط) دون وجود ورود غزة ذات الجودة العالية، فقد كانت هذه الورود تسافر إلى هولندا وبريطانيا وألمانيا، لكن أغلقت في وجه هذه الطبيعة الخلابة بوابات معبر كرم أبو سالم الخاضع للسيطرة الإسرائيلية.

يقول مدير عام التربة والري في وزارة الزراعة المهندس نزار الوحيدي «اضطر المزارع الفلسطيني للعزوف عن زراعة الورود، فالمعاناة الحقيقة بدأت في العام 2000 بالعديد من العراقيل الإسرائيلية»، ويضيف لـ«ساسة بوست» «ما يميز الورد الفلسطيني نضجه في وقت مناسب جدًا، ينضج قبل أي مكان ثاني، كما أن مهارة المزارع الفلسطيني الذي يتبع التعليمات الصحيحة، وجودة التربة والري يلعبان دورًا هامًا في هذه الجودة».



gaza11jeffrey-2080966

 

ولم تكتف إسرائيل بهذا الإغلاق لمحاربة ورود غزة، فقد جرفت في العدوان الأخير على قطاع حوالي 2500 دونم كانت تزرع بمختلف أنواع الورد المحلي، وحرم مزارعو الأزهار والورود من تحقيق أرباح مميزة؛ نتيجة تصدير الورود للبلاد الأوروبية، فبينما تُسوق الوردة الواحدة محليًا بشيكل واحد (الدولار يعادل أربعة شيكل).

ويسجل توقف المشروع الهولندي الذي بدأ في العام 2006 لدعم زراعة الزهور في قطاع غزة كضربة هامة في مسيرة توقف زراعة الورود في القطاع، حيث شكل المشروع نقطة تحول إيجابية لأصحاب مزارع الذين دعموا بمبلغ ثلاثة آلاف دولار لكل ألف متر مربع، وقد توقف المشروع في بداية العام 2012؛ لأن الأسواق الهولندية لم تعد قادرة على تحمل ما تفرضه إسرائيل عليها من إغلاق أمام رغبتها في الحصول على ورود غزة، وقد أعجزت إسرائيل التُجار عن الإيفاء بالتزاماتهم، لتبحث أسواق هولندا عن سوق جديدة.

غزة كانت أهم مصدّري الورود لأوروبا

ترجع زراعة الورود في قطاع غزة إلى العام 1991، لكن اتساع نطاقها كان في العام 1998؛ إذ أصبح في القطاع أكثر من 100 مشروع على ما مساحته نحو ألف ومائتي دونم، معظمها يتركز في بيت لاهيا في أقصى الشمال، وكذلك في رفح أقصى الجنوب.

توضح أرقام خاصة بكميات تصدير الورود من قطاع غزة، حتى عام 2004، أن القطاع كان يُصدر قرابة (50) مليون زهرة سنويًا إلى الأسواق الأوروبية، وبسبب الحصار والإغلاق المتكرر للمعابر شهد العام 2000 «انتفاضة الأقصى» محطة مهمة في تراجع عمليات تصدير الورود، حتى إنه في العام 2012 لم يتمكن المزارعون من تصدير أكثر من خمسة ملايين زهرة فقط.

ومن أصل مساحة زراعية كلية تقدر بـ160 ألف دونم، تبلغ المساحات المزروعة بالأزهار والورود الخاصة بالتصدير قرابة 1200 دونم غالبيتها في مدينة بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وعدد قليل آخر في مدينة رفح جنوب القطاع، فيما يبلغ تكلفة زراعة الدونم الواحد قرابة العشرة آلاف دولار، كأشتال وسماد ورعاية صحية وأدوات فنية.

هذه المساحة بالرغم من محدوديتها مقارنة بالمساحة الكلية للأراضي الزراعية في قطاع غزة، إلا أنها تكتسب أهميتها من القيمة الاقتصادية والمالية لزراعة الورود التي كانت تساهم بحوالي 25 مليون دولار سنويًا من الدخل القومي، وكان يعتمد عليها بشكل كبير في الميزانية العامة لوزارة الزراعة، وكان يبلغ عدد العمال الذين يعملون في قطاع الزهور 4500 عامل، وذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.



RTR3BRZM-570

 

ويناسب طقس وتربة قطاع غزة زراعة الورود بشكل يجعلها تسبق في النضج الكثير من الأسواق العالمية، إذ يمتد موسمها من شهر يونيو (حزيران) إلى يوليو (تموز)؛ ليتم قطف المحصول بدءً من شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، وحتى مايو (أيار)، وهو وقت يتخلله الكثير من المناسبات التي تُباع فيها الأزهار في الأسواق العالمية.

وقد سجل العام 2007 قطاع غزة كأهم مصدّري الورود لأوروبا، وكان يتم تصديرها بناء على اتفاقية مبرمة بين شركة «جرسكو» الإسرائيلية ومزارعي قطاع غزة، تقوم بموجبها شركة جرسكو بشراء محصول الزهور من المزارعين بمواصفات محددة، عالية الجودة، وخالية من متبقيات المبيدات، وتقوم الشركة بدورها بتصديره إلى الدول الأوربية.

الورد «عيب»

لم يتردد الشاب ياسر الترك ذو الثانية والعشرين من العمر، عن بيع الورود كمتجول في شوارع غزة، كان ذلك مشروعه لمحاربة البطالة الذي وصف بأنه الأول من نوعه على مستوى محافظات قطاع غزة التي اقتصرت على وجود محلات بيع تجارية.

الترك، خريج جامعي أراد العمل والحصول على مصدر رزق، راودته فكرة بيع الورود على الدراجات الهوائية، لكن الشاب اصطدم بقلة بيعه للورد، يقول «ربما الوضع الاقتصادي يحول دون شرائهم للأزهار، لكن كل من يمر علينا نرى الابتسامة على وجهه«.



020917_1603_2

ولا يمكن استبعاد وجود ثقافة الخجل من حمل الشاب أو الفتاة لباقة ورد بين يديهم في شوارع قطاع غزة، ويدرك بائعو الورد على وجه التحديد هذه الحقيقة، فغالبًا ما يطلب الزبون إخفاء الورد في غلاف داكن اللون؛ حتى لا يرمقه المارة بنظرات استغراب؛ وقد تبرر هذه الثقافة بكونها ناجمة عن الوضع الإنساني في غزة، بسبب الاحتلال الإسرائيلي الذي فرض الحصار، وسقوط الشهداء، واعتبار التهادي بالورود علنًا عدم مؤازرة للغير، كما لا يمكن إحجام الوضع الاقتصادي الصعب عن دفع الغزاويين لأخذ هدية «أكثر فائدة» للمريض أو الصديق أو القريب، هدية تستهلك في منزل صاحبها في المقام الأول لتوفير قوت أطفاله.

على سبيل المثال، ارتفع مؤخرًا سعر ورد «التيوليب» من خمسة شواكل إلى سبعة شواكل، والجوري من خمسة إلى عشرة شواكل، تقول الفتاة محاسن «أنا أحب التهادي بالورود كثيرًا، لكنى أجد نفسي مضطرة لأخذ هدية أخرى لبعض أقاربي الذين يعانون من ظروف اقتصادية صعبة»، مستدركة لـ«ساسة بوست» «هذا لا يمنعني أن أشتري الوردة لصديقة تعبيرًا عن المحبة».

بالطبع بعد 16 عامًا من افتتاح أول محل لبيع الورود في قطاع غزة، أصبحت فكرة «التهادي بالورد» أكثر قبولًا في المناسبات والأعياد، ويقول أحد باعة الورد أن لشبكات التواصل الاجتماعي دور؛ إذ أصبح يصل إليه زبائن يحملون صورًا من الإنترنت، ويريدون تنسيق باقة الورد مثلها.



020917_1603_1

 

التوابل بديلة عن الورود

ما تزل صورة مزارع فلسطيني يضع حصاده من الورود أمام دواب تتغذى عليها عالقة في أذهان الكثيرين، أكلت الأغنام والأبقار وحتى الحمير هذه الورود عندما حالت المعابر الإسرائيلية دون تصديرها، فقد قال أحد مزارعي مدينة رفح «الآن رفح لا يوجد فيها دونم قرنفل واحد، كنا نزرع القرنفل الأمريكي بكميات كبيرة، حيث كانت مدينة رفح لوحدها فيها 500 دونم».

بسبب تكرار إغلاق المعابر أمام تصدير الأزهار والورود، أدرك المزارعون الفلسطينيون أن إهدار أرزاقهم يجب ألا يستمر، وتكبيدهم خسائر مالية فادحة يجب أن يتوقف، لذلك اضطروا للتوقف عن زراعة الورود التي رفعت نسبة البطالة في فئة المزارعين الذين يشكلون 30% من نسبة عدد العمال، ورسميًا أعلنت وزارة الزراعة بقطاع غزة قبل ثلاث سنوات عن توقف زراعة الزهور؛ بسبب عدم مقدرة المزارعين على تصديرها إلى الدول الأوروبية جراء الإغلاق المتكرر لمعبر كرم أبو سالم التجاري.

لقد آثر مزارعو الورود في شمال وجنوب القطاع التحول نحو زراعة مجدية اقتصاديًا، فإذا ما مُنعت من التصدير يمكن لسوق المحلي استيعابها، فاستعاضوا بزراعة الخضروات والفواكه والتوابل، ومؤخرًا حلت زراعة الأناناس ضمن قطاع المحاصيل الأكثر ربحية كبديل عن زراعة الورود من أصناف «اللوندا»، و«الجوري»، و«القرنفل العادي»، و«القرنقل الأمريكي».



080214-ips-valentines

article_photo1_122

news_article_26371_20586_1441892657

494923616_cd2b8e9a9a_z

447bb48eb364655a3ef21ecabc359ef3

Gaza-Flowers-01

image053-794074

gaza11jeffrey-2080879

 

 

ساسة بوست