رام الله الإخباري
يجلس المزارع الفلسطيني "إبراهيم قنن"، (40 عاماً)، يراقب مزروعاته الخضراء بنظرات الحسرة والألم، بعد أن كانت قبل عامين يكسوها اللونان الأحمر والوردي وتُشتمّ بكل جوانبها رائحة الأزهار كلما تمايلت يميناً ويساراً؛ استجابة لنسمات الريح الجنوبي الجميل.
المزارع "قنن" كان يُعتبر قبل أعوام من أهم تجار "الزهور" في قطاع غزة، فكانت أرضه الكبيرة الكائنة أقصى جنوبي قطاع غزة تنتج في العام آلاف الأزهار الجميلة التي يتم تصديرها للخارج وما تبقى يورد للسوق المحلية للاستهلاك، غير أن الأيام دارت، فتحول "قنن" من بائع زهور إلى بائع خضراوات.
الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة للعام الـ12 على التوالي، والعقبات التي كانت توضع لعرقلة عملية تصدير زهور غزة إلى الأسواق العربية والأوروبية، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتردي في القطاع، كانت أسباب كافية لتدهور زراعة الزهور بغزة وتحويل الأراضي كافة التي كانت تُزرع بالأزهار إلى أرض خضراء أو صفراء قاحلة.
أزهار تُطعم للأغنام
"أزهارنا نُطعمها للأغنام"، بهذه الكلمات القاسية بدأ المزارع "قنن" يروي تفاصيل معاناته مع "زراعة الأزهار" في قطاع غزة، فيؤكد أن آخر منتج زرعه من الأزهار الملونة وضعه طعاماً للأغنام؛ بسبب صعوبة تصديرها للخارج، وفقر الاستهلاك المحلي.
وأضاف "قنن": "قبل 3 سنوات تقريباً، كانت أرضي مزروعة بأكثر من (50 دونماً) بأنواع وأشكال مختلفة من الأزهار الجميلة وذات النوعية الجيدة، وكنت كل عام أقوم بتصديرها للخارج وتدرّ علي الربح الوفير، ولكن الآن كل شيء انقلب".
ويتابع "قنن" حديثه والحسرة على "سنوات الأزهار الجميلة" تُغطي نظرات عينيه: "بسبب الحصار الإسرائيلي، وتعذر عملية التصدير للخارج، والوضع الاقتصادي السيئ، حاولت تقليص كمية المزروعات من الأزهار إلى (10 دونمات) فقط، ولكن الأمر لم ينجح كذلك؛ لأن تلك الأرض تحتاج لمتابعة خاصة وأموال طائلة لتوفير المياه المعدنية للأزهار، الأمر الذي صعب علي توفيره".
ويضيف: "قررت أن أحول أرضي التي كانت قبل سنوات تشع باللونين الأحمر والوردي، إلى اللون الأخضر فقط، وأزرع الخضراوات علها تسد رمق عيشي وتساعدني في توفير لقمة العيش لأسرتي".
حال المزارع "قنن" يشابه مئات مزارعي الزهور في قطاع غزة، الذين كبدهم الحصار الإسرائيلي خسائر مالية فادحة، وأجبرهم على ترك "زراعة الأزهار" واستبدالها بالخضراوات والفاكهة أو إبقائها رمالاً صفراء تتذكر ماضياً جميلاً قد لا يعود مرة أخرى.
تقلصت المساحة المخصصة لزراعة الزهور في غزة من 500 دونم إلى 50 دونماً في الوقت الراهن، وأصبحت الكميات المزروعة لا تكفي حتى للاستهلاك المحلي.
وكان قطاع غزة ينتج نحو 55 مليون زهرة في عام 2000، وبسبب حصار الاحتلال الإسرائيلي والتضييق على التصدير، وصلت أعداد الزهور في قطاع غزة إلى 40 ألف زهرة فقط في عام 2016.
أزهار غزة في خطر
نزار الوحيدي، مدير وحدة الإرشاد والري والتربة في وزارة الزراعة بقطاع غزة، حذر من التبعات السلبية لتقليص مساحات زراعة الزهور في القطاع، وخاصة ما شهدته السنوات الأخيرة.
وأكد الوحيدي، أن واقع زراعة الأزهار في قطاع غزة بات في خطر حقيقي، لأسباب سياسية واقتصادية وكذلك مناخية، وما جرى من تقليص للمساحات المزروعة بالأزهار يعد أمراً سيئاً للغاية لمنتج كان يخرج من غزة ويوزع على العالم أجمع.
وذكر أن زراعة الزهور تحتاج إلى تربة مخصصة وكذلك مياه معدنية صالحة لري الزهور، وبيئة مناسبة وتوقيت محدد للتصدير وبيع لمنتج الزهور، وكل ذلك لم يتوافر في السنوات الأخيرة للمزارعين الذين تقلص عددهم من 1000 مزارع إلى 100 فقط في الوقت الراهن، ما أجبرهم على ترك زراعة الزهور والتوجه لزراعة الخضراوات أو الفاكهة؛ للمساعدة في تخطي أزمات الحياة القاسية بغزة.
وأوضح الوحيدي أن الحصار تسبب في عدم منافسة الزهور الفلسطينية لباقي الزهور في الأسواق الأوروبية من حيث الجودة والسعر، وأن دولاً أخرى دخلت على هذا الخط وأفقدت الزهور الفلسطينية مكانتها.
وحمل الاحتلال الإسرائيلي والحصار الذي يفرضه على القطاع وإجراءاته التعسفية والعقبات التي يضعها على المعابر لتصدير منتجات غزة، المسؤولية الكاملة عن تدهور زراعة الزهور في غزة، مؤكداً أن أوضاع مزارعي الزهور باتت سيئة وصعبة.
وكانت غزة تصدر ما يزيد على سبعين مليون زهرة سنوياً إلى أوروبا قبل عام 2005، حيث كانت الأسواق الأوروبية تعج بمئات الأنواع من الورود المزروعة في القطاع على مدار العام، وخاصة في أيام المناسبات.
وتعد غزة، المدينة الساحلية بمناخها المعتدل، وتربتها الخصبة بيئة مثالية لزراعة الزهور بجودة عالمية منذ سنوات طويلة قبل الحصار الإسرائيلي المفروض عام 2006.
الخليج اونلاين