رام الله الإخباري
لدى المخرج الأمريكي الحائز على جائزة الأوسكار، «روبرت زيمكس» (64 عامًا)، ولعٌ خاص بتقديم قصص تمزج شخصياتها البطولة مع المأساة، مثل مأسأة «فورست جامب»، الطفل الذي يتحدى ظروفه الصحية الخاصة، ويصبح بطلًا أمريكيًا، يصافح الرؤساء، وتنشر المجلات والجرائد أخباره، لكنه لا يستطيع أن يحوز على حب حياته.
وكذلك ومأساة الطيار السَّكير «ويب ويتيكار»، الذي أنقذ ركاب طائرته بمعجزة في فيلم «Flight»، لكنه يدخل السجن في النهاية لقيادة الطائرة وهو مخمور، ومأساة «توم هانكس» في فيلم «Cast Away»، مدير شركة الشحن الناجح، الذي يجد نفسه فجأة معزولًا على جزيرة نائية، بعد أن سقطت طائرته، ويظل حبيسًا على الجزيرة عدة أعوام، ويعود بعد أن يُنقذ ليصبح بطلًا في أعين الناس، لكنه يجد حبيبته وقد تزوجت آخر.
وأيضًا قصة حقيقية للاعب الأكروبات الفرنسي الصعلوك، «فيليب بيتيت»، الذي يخطط لتنفيذ استعراض أسطوري عبر المشي على الحبل، بين برجي التجارة العالمي في فيلم «The Walk»، ثم يصاب بإصابة خطيرة في قدمه قبل أن ينفذ الفقرة.
وفي فيلمه الأخير «حلفاء – Allied»، تنطبق نفس الثيمة، أو النظرية الفنية، حيث تدور أحداث الفيلم في عام 1942، خلال أوج الحرب العالمية الثانية، تحكي قصة عميل المخابرات «ماكس فاتان»، الذي يُؤدي دوره «براد بيت».
حلفاء في الدار البيضاء
يُسافر العميل المخابراتي إلى الدار البيضاء بالمغرب في مهمة لاغتيال السفير الألماني النازي، ويقابل هناك مقاتلة من المقاومة الفرنسية، حيث كانت فرنسا محتلة من قبل الألمان أثناء الحرب. وكانت هذه المقاومة، قد هربت من فرنسا بعد انكشاف مجموعتها، واستقرت في المغرب، وهناك استطاعت أن تخفي هويتها، وتُقنع الجميع بأنها موالية للألمان.
هذه الفتاة، والتي تُسمى «ماريان بوسيجور» (تؤدي دورها ماريون كوتيلار)، تُساعد ماكس فاتان على التخفي بتقديمه للناس على أنه زوجها، وتستطيع أن تدبر دعوتين له ولها لحضور حفل كبير سيحضره السفير الألماني حيث سينفذان عملية الاغتيال.
تعتني «ماريان» بكل تفصيلة؛ حتى لا تعطي أية فرصة للشك فيها أو في زميلها، فتقول لفاتا «عليك إتقان الكذب للقيام بذلك، الآخرون لا يستطيعون»، وفي الليل تطلب منه الصعود إلى سطح المنزل الذي يسكنان فيه «الرجال في كازابلانكا (الدار البيضاء) يصعدون إلى سطوح منازلهم بعد مضاجعة زوجاتهم». وعلى السطح تجلس معه وتطلب منه أن يحادثها ويمثلان الاستمتاع والضحك، وتشير من طرف خفي إلى شرفة منزل بجوارها قائلة له «انظر إلى تلك الشرفة، هناك سيدة تراقبنا، أليس كذلك؟» وتبدو محقة بالفعل.
وقبل أن يحصل على دعوته للحفل، يقابل فاتان أحد الضباط الألمان الكبار، ويسأله عدة أسئلة حول شخصيته، ويطلب منه معادلة إنتاج الفسفور؛ وذلك لأن الشخصية التي تخفى فيها فاتان، هي متخصص في الأسمدة. وقد كان فاتان على أتم استعداد، فاستطاع الإجابة بسهولة على سؤال الضابط الألماني، الذي شعر بالارتياح وقتها.
حُفرة الحب
وخلال أيام ما قبل الحفل، ونظرًا لتواجدهما المستمر معًا كزوجين مفترضين، ونتيجة انخراطهما في عدة أنشطة يومية تتطلب تقاربهما المستمر، وكذلك لشعورهما الدائم بالخطر وعدم وجود آخرين يُشعِرونهم بالأمان، وقع ماكس فاتان في غرام ماريان، ولم يصارحها بذلك إلا في اللحظة التي وصل فيها الخطر إلى قمته، التي افترضا فيها أنهما لن يريا الشمس مرة أُخرى، وذلك قبل دخولهما الحفل بدقائق.
وعبر أسلحة مزروعة مُسبقًا تحت طاولة الحفل، وبمساعدة آخرين أحدثوا تفجيرًأ خارج الحفل لتشيت الانتباه، ومن ثم استطاع فاتان وماريان تنفيذ الخطة واغتيال السفير الألماني، والتخلص من عدد من الضباط ومسؤولين نازيين آخرين، والهروب من المكان بنجاح.
الحياة الزوجية
بعد العملية الناجحة، يطلب ماكس من ماريان الزواج به، وأن تصحبه إلى العاصمة البريطانية لندن، حيث محل عمله وإقامته أثناء الخرب.
هذا ويُشار إلى إجادة ماريون كوتيلارد دور المرأة مزدوجة الشخصية، التي تخفي الكثير من الأسرار. ولعبته من قبل بنفس البراعة في الجزء الثالث من ثلاثية فارس الظلام (The Dark Knight) أمام «كريستيان بال»، وأيضًا دور الزوجة المتمسكة للغاية بزوجها، حتى في أحلك الظروف المركبة، مثلما لعبت دور زوجة «ليوناردو دي كابريو» في فيلم «Inception».
ويظهر «براد بيت» في دور شديد النضوج، ويبدو أن أدوار «بيت» يمكن تقسيمها إلى قسمين، الأول ما قبل ارتباطه بـ«أنجلينا جولي» في 2006، حيث اشتهر بالأدوار العنيفة وأفلام الحركة التي تتطلب شخصية مغامرة، وربما مستهترة أو لا مُبالية، كأدواره في «The Fight Club» و «Legends of The Fall»، وحتى الجزئين الأول والثاني من ثلاثية «Ocean’s».
القسم الثاني بعد ارتباطه بأنجلينا جولي، إذ بدا من خلال أدواره أنه بات أكثر إحساسًا بالمسؤولية، ربما بحكم كونه رجل أسرة، لذا تبدو أدواره أكثر هدوءً وعقلانية، وربما عمقًا أيضًا. كما أنه عمل مع مخرجين صعبي المراس، مثل «تيرانس مالك»، و«ريدلي سكوت».
بالعودة إلى الفيلم، حيث لندن التي يعود إليها «ماكس» مع «ماريان»، ليعود إلى عمله في الاستخبارات، فيما تبدو حياتهما هادئة، ويرزقان بطفلة صغيرة، وبالرغم من الحرب التي لا تزال مشتعلة، وبالرغم من الغارات الليلية المرعبة التي تشنها طائرات الألمان على لندن، إلا أن ذلك كله لا يكدر صفو حياتهما.
المفاجأة
تحدث المفاجأة، أو الحدث الانقلابي في الفيلم، حين يُستدعى ماكس إلى مقر الاستخبارات، وهناك يُخبره اثنان من مدرائه بأن هناك احتمالًا كبيرًا بأن زوجته عملية ألمانية، زُرعت في المغرب، لتقوم بتلك التمثيلة الطويلة، كي تستطيع اختراق المخابرات البريطانية، وعليه يطلب المديران من ماكس تسريب معلومات غير صحيحة إلى ماريان، وعن طريق عميل آخر في الجانب الألماني، ستتمكن المخابرات البريطانية من التأكد، إذا ما كانت ماريان عميلة للمخابرات الألمانية أم لا، وحال التأكد من كونها جاسوسة، فعلى ماكس أن يقتلها بنفسه، وإذا رفض فسيشنقا معًا بتهمة الخيانة العظمى.
يصاب ماكس بصدمة شديدة، ويعتقد أن كل ما يحدث هو مجرد اختبار من أجل وظيفة جديدة أعلى في درجة السرية، سيرقى لها، لكن مدراءه يؤكدون له أن ذلك ليس اختبارًا، فيزداد حيرة.
يحاول أن يتصرف مع زوجته بطريقة طبيعية قدر المستطاع، ويحاول أن يفعل كل ما بوسعه ليثبت أنها ليست جاسوسة، فيطير إلى الجانب الفرنسي؛ ليبحث عن شخص كان يعمل في المقاومة مع ماريان؛ ليتأكد من شخصيتها الحقيقية، ويشعل حربًا هناك مع الجانب الألماني بسبب ذلك، لكنه لا يحصل على معلومة أكيدة.
تتصاعد أحداث الفيلم الذي يدور بشكل رئيس حول معاني الحقيقة والكذب، باعتبارها معانٍ قد تُشكل الحروب وقد تخمدها، وأيضًا قد تجمع بين قلبين، وقد تمزق حياتهما.
وإلى جانب القصة المشوقة، تتألق التفاصيل الفنية للفيلم الفنية، فربما لم يوجد فيلم يهتم بهذا الكم من التفاصيل في الملابس والديكور منذ فيلم «The Great Gatsby» ليوناردو دي كابريو، وتوبي ماجواير في عام 2013.
بالإضافة إلى ذلك، فإن اهتمام «روبرت زيمكس» بإضافة ألعاب بصرية مدهشة أعطى الفيلم مذاقًا آخر، كالمشهد الافتتاحي لهبوط براد بيت بمظلته في الصحراء المغربية، والذي كان مُبهرًا بصريًا، وهناك أيضًا مشاهد قتال الطائرات الألمانية في سماء لندن، والدفاعات الأرضية الإنجليزية تقصفها بلا انقطاع، لتضيء الليل الإنجليزي المتوتر. كان ذلك المشهد شديد الواقعية والتأثير.
ويُذكر أنه قد سرت شائعة بعد انفصال أنجيلينا جولي وبراد بيت، أن السبب هو وقوع الأخير في غرام «ماريون كتويلارد» أثناء تصويرهما لفيلم «Allied»، إلا أنهما سرعان ما نفيا ذلك، لكن المؤكد أن هناك كيمياء خاصة بين هذا الثنائي، تجعل أي أعمال أخرى مستقبلية قد تجمعهما معًا واعدة بجرعة عالية من التشويق والمتعة، كما حدث في هذا الفيلم.
ساسة بوست