لهذا يُحب ترامب السعودية على عكس ما يُشاع

لهذا يُحب ترامب السعودية

رام الله الإخباري

يتعامل الكثيرون مع فوز المرشح الجمهوري «دونالد ترامب» في انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، باعتباره نصرًا أو هزيمة لأيديولوجية ما، كما أن الكثيرين يُخرجون تصريحاته من المجالين السياسي والاقتصادي، إلى منطقة الأحكام القيمية والأخلاقية، التي لا تعرف إلا أبيض أو أسود.

في هذا التقرير، نتطرق لنقطتين، الأولى هي محاولة التعرف على ما في أجندة ترامب السياسية من أفكار، وما يعنيه ذلك اقتصاديًا للولايات المتحدة الأمريكية، وللعالم، وذلك انطلاقًا من تصريحاته، وبرنامجه السياسي. النقطة الثانية، مُرتبطة بالأولى، وهي محاولة طرح إجابة مُختلفة على سؤال: «لماذا فاز ترامب؟»

 

ما الذي يقدمه ترامب في تصريحاته وبرنامجه الانتخابي؟

على الموقع الرسمي لحملة ترامب، نُشر مقال بعنوان «ترامب وبينس ينقذان ألف فرصة عمل من الذهاب للمكسيك». وبين سطور المقال، ثمّة عنوان داخلي هو «اجعلوا أمريكا تعود للعمل».

يتحدث المقال عن صفقة ستعقد مع شركة «كارير» لمكيّفات الهواء، يُفترض بموجبها أن تُحوّل الشركة خطوط إنتاجها من المكسيك إلى الولايات المتحدة، لتوفّر – بعد تنفيذ الصفقة كاملة – ألفي فرصة عمل للأمريكيين.

 

يأتي هذا عقب تصريحات لترامب، وصف فيها المهاجرين المكسيكيين، بأنّ كثيرًا منهم «مُغتصبون وتجار مخدرات»، مُتعهدًا بإنشاء جدار عازل بين بلاده والمكسيك، تتحمّل المكسيك تكلفته

هذا بالإضافة إلى تصريحاته الخاصة بنيته فرض الضرائب على المنتجات المصنعة في المكسيك لشركات أمريكية، أو للبيع في الولايات المتحدة.

وفي تصريحات أُخرى، ألمح ترامب إلى رغبته في إجراء تعديلات في الدستور الأمريكي، كي لا يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بحصول أبنائهم على الجنسية الأمريكية حال ولادتهم على الأراضي الأمريكية، كما ينص القانون الحالي. إذ يرى ترامب أن هؤلاء ليسوا إلا عبءً على النظام الصحي الأمريكي، الذي تعهّد بإصلاحه، ساخرًا من نظام «أوباما كير».

ولم تتوقف تصريحات ترامب التي وُصفت بالعنصرية، على المكسيكيين، وإنما طالت آخرين، لكن قد يكون مهمًا، التفرقة بين نصوص التصريحات، فعلى سبيل المثال، عندما تحدّث ترامب عن المملكة العربية السعودية، بدأ حديثه قائلًا «أنا أحب السعوديين، فهم يشترون الكثير من الشقق التي أبنيها»، ثم لفت إلى قضية عدم استقبال أوباما بصورة لائقة في كل من كوبا والسعودية، لكن بدا في تصريحاته بشكل واضح، الفرق بين موقفه من كوبا، وموقفه من السعودية، التي يبدو أنه يضع في الاعتبار استثماراتها الضخمة في الولايات المتحدة.

وخلال مقابلة تلفزيونية، أجرتها فضائية «MSNBC» الأمريكية مع ترامب، في يونيو (حزيران) 2015، مُباشرةً عقب إعلانه الترشح لانتخابات الرئاسة الأمريكية، قال ترامب: إنه يعتبر أن كلًا من اليابان والمكسيك والصين، «يضرّون الاقتصاد الأمريكي»، هم وكل الدول التي تُقدّم عمالة رخيصة للمنتجات والخدمات الأمريكية، كمثل الهند أيضًا، مُؤكّدا أنه سيعمل على الاستبدال بتلك العمالة عمالة أمريكية، بصرف النظر عن الحد الأدنى للأجور.

لكن اللافت للانتباه أن ترامب استدرك قائلًا «أنا أُحب الصينيين، فرجال أعمالهم يشترون الكثير مني. والصين تملك أكبر بنك في العالم، يجعل من سيتي بنك وكأنّه لا شيء»، ما قد يُؤكد على تفرقته بين دولة وأُخرى، فعلى ما يبدو فإن مشكلة ترامب ليست مع الصين كدولة أو اقتصاد، لكنها مع من يعقدون الصفقات معها، كونها صفقات غير مُربحة للولايات المتحدة، كما يرى، أو كما قال «الصينيون مُنبهرون بما يحصلون عليه منا!»

على ما يبدو إذن، فإن ترامب يُفرّق بشكل واضح بين الدول الغنية، أو التي يُمكن للاقتصاد الأمريكي التربّح منها، وبين غيرها من الدول التي يعتبرها عالة على الولايات المتحدة.

لذا فمن المرجح أن تصريحات ترامب التي توصف بـ«المتطرفة»، والتي تُروّج أيضًا للحلم الأمريكي، وتنتقد بشكل لاذع القادة الأمريكيين السابقين له، وأيضًا التي يُؤكد فيها أن الولايات المتحدة «ستحصل على ما تُريد رغمًا عن أيّ شخص»؛ لن تتحوّل إلى خُطّة قيد التنفيذ، إلا مع الدول الأضعف، التي يُمكن الضغط عليها، كالمكسيك، لكنها ليست أكثر من خطاب شعبوي، عندما يتعلق الأمر بدول، كالسعودية والصين، التي قد يُفضّل التفاوض معها كتاجر، يُقدّر من يشتري منه، كما قال هو بنفسه.

 

لماذا نجح ترامب؟

يرى المفكر المصري، ومدير مركز «دراسات الخطاب»، «أسامة القفاش»، أن نجاح دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية مُرتبط بالأزمة الاقتصادية العالمية، التي قال إنّها «أزمة بنيوية»، مُوضحًا «أي لا يُمكن إصلاحها من داخل النظام المالي العالمي، دون تغيير جذري».

يرتبط نجاح ترامب بالأزمة الاقتصادية العالمية

وأضاف القفّاش في حديثه لـ«ساسة بوست»، أن «الرأسمالية تحوّلت ببطء، على مدار القرن الـ20، من رأسمالية إنتاجية إلى رأسمالية مالية»، يعني بذلك أن النقود، وبخاصة الدولار، تحوّل إلى سلعة، واختصرت السلعة في الرأسمال المالي، على حد قول القفاش، الذي أوضح أنّ المعادلة الاقتصادية تحوّل من «سلعة – نقود – سلعة»، إلى «نقود – نقود»، وبهذا أصبح البنكيون والمديرون التنفيذيون للشركات الكبرى وحدهم من يزدادون ثراءً في كل دورة رأس مال، ويتسببون في إفقار الآخرين بـ«استثمارات وهمية»، أو كما قال القفاش «لماذا سيضرون للعمل والإنتاج، إذا كان بإمكانهم شراء المزيد من الأموال بالأموال، دون إنتاج حقيقي؟»

 

وينتقل القفاش بحديثه، إلى تأثير هذه الأزمة الاقتصادية البنيوية كما وصفها، على السياسة العالمية، فهو يرى أن هذه الأزمة، بالتدريج، أفقدت الشعوب الأمل في «كل ما هو سياسي تقليدي، يُعيد إنتاج الكليشيهات السياسية، التي تدّعي الاتزان، وهي في حقيقتها فارغة»، على حد تعبيره.وقد لا يُدرك من أسماهم القفاش بـ«البسطاء»، «فراغ» هذه الخطابات السياسية بشكل علمي، لكنه يُؤكد على أنهم يُدركون ذلك بالتجربة العملية.

«لهذا ينجح الراديكاليون في كل مكان، على تباين قدراتهم، وصدقهم فيما يدّعونه من الرغبة في التغيير العنيف أو الجذري»، يقول المفكّر المصري، مُوضحًا سبب هذا النجاح في كونهم يظهرون للشعوب على أنّهم «من خارج النظام السائد، فيعطونهم الأمل في القدرة على التغيير».

وبالنظر إلى الحالة الأمريكية، التي أفضت مُؤخرًا إلى انتخاب ترامب الموصوف بالعنصرية والتطرّف، يبدو أنه يُعطي لـ«الأمريكيين البسطاء» بتعبير القفّاش، وعدًا بالتغيير الجذري، والتخلّص ممن «سرقوا فرص عملهم» على مدار عقود؛ «فلماذا لا ينتخبونه؟» يتساءل القفاش.

وعلى كل، يتضح أن فوز ترامب، مسبوقًا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وصعود قوي للراديكاليين في أوروبا، وأنحاء مُختلفة من العالم؛ يُعد مُؤشرًا على تغيّر في شكل العالم، الذي قد تتجه دوافع السياسات فيه أكثر نحو المزيد من الاستفادة الاقتصادية، بعيدًا عن أي دوافع أيديولوجية.

 

 

ساسة بوست