رام الله الإخباري
تحيل التعليقات على اندلاع حرائق في حيفا المحتلة الى أمرين. أولهما، بائس ويظهر مدى تسخيف القضية والنضال الأهلي الذي يقاسيه الشعب الفلسطيني الأعزل، والثاني، هوان المحتوى على مواقع التواصل، وقدرته على فرز نماذج مسطحة، وفي أكثر الأحيان مهينة.
والكلام ليس عابرًا، إن تم ربطه مباشرة، بهاشتاغ #اسرائيل_تحترق، الذي يكاد يطغى على مشهد الصفحات الزرقاء، ويتجاوزها. التفاعل مع الخبر، لم يكن مستغربًا، بل في الكيفية التي خرج بها المعلقون. بدت الجدران الفايسبوكية، أشبه بـ"تباشير" دينية، و"غيبيبة"، ومناشير وعظ، تحتاج إلى قراءة مستعجلة عن الحال الذي وصلنا إليه. وتضعنا أما مسلمة، عن مدى قدرة العرب في "اللغو".
وليس الأكثر دلالة، التعليق المنتشر بوفرة، والذي يقول إن الحرائق، جاءت ردًا من الخالق بعد منع الأذان في الأراضي المحتلة. إحالةٌ ركيكةٌ، تشبه الإذعان العربي إلى الغيبيات. والتعليق، يقارب بفجاجته، العقل الأبوي التقليدي في مجتمعنا العربي ككل.
يكفي رصد التفاعل مع هذه الجملة، ليظهر الى أي مدى وصل النقاش، الذي أفرغ من وظيفته حتى. إن لم نقل، أنه أطاح به أصلًا. ليشبه "تأويلات" لا تمت إلى واقع الأمر بصلة. ولا ألى العلم ولا الى أي "عنصر" آني، يمكنه تحليل الحادثة أو التعبير عنها. وكأن انتصار العرب، جاء بإرادة "إلهية"، بعد حرق جزء من أرض فلسطين، وهي في الحالة الراهنة، تحت سيطرة الاحتلال. وهو ما دفع البعض إلى تبرير، هذا "الحرق" بأنه "مقدّر ومستحق".
والأنكى أن يخرج أحدهم ويحاجج، أن هذه الارض الآن إسرائيلية. نعم، أحدهم قال: هذه أرض إسرائيلية. ويعترف بها، كاعتراف عادي. كمن يأكل سندويشًا، ويقول أمام الملأ، "لقد أكلت سندويشًا كاملًا". التبسيط بالقول، هو استعارة أيضًا، لبُعد جيلٍ كاملٍ عن القضية الأم. وبسبب فيض القضايا في العالم العربي، ووفرة الثورات، باتت الانتفاضة الفلسطينية، المستمرة، لا تعني كُثُر. وإن عنتهم، جاءت بشكل مشحون بالانفعال والسطحية، وعدم المعرفة. وإيغالًا في التكرار والتحزّب أيضًا.
أما التعليق الذي جاء ليخفف من "إسرائيلية" الأرض، فأتى "فجًّا": أن من يستفيد من هذه الأرض هم الإسرائيليون، فلم لا تحترق؟. السؤال العادي، المشجون بالغضب وبنفحة اعتزاز: "فلتحترق". وهي كلمة تتردد، بشهوة التسلط والمفاخرة وبكثير من الانتقام. ولا بأس أن يقول المرء إن اليأس، يدفع بكل التعليقات لتكون مبررة.
لكن لا بد من التساؤل وهو أمر مشروع. ولنسلم أن هذه الأشجار المحروقة هي اليوم تحت سلطة الاحتلال، لكن أليس لهذه الأرض تاريخٌ، وجذورٌ، وعلاقةٌ مباشرةٌ بأهلها المهجرين، أهل حيفا، الذين أُخرجوا من بيوتهم، ويحلمون منذ النكبة بالعودة إليها؟ أليس لهذه الأشجار أيدي الأجداد من الفلسطينيين؟ لماذا التنكر للشجر؟ ولنفترض جدلًا، أنها نبتت في "عهد" الاحتلال، الانتقام يأتي من البيئة؟. هل انتقم العرب وانتصروا بسبب حريق شجرٍ نابتٍ في أرض فلسطين؟. وهل ندفع بغضبنا على مواقع التواصل، نحو التغني باحتراق الشجر، بدلًا من الضغط على القيادات الداخلية والخارجية، من أجل مناصرة القضية وأهلها؟
ومن سلسلة التعليقات التي جاءت بصيغة تهكمية لا مبرر لها، واحتفالية بشكل غير مسبوق، "الكيان الصهيوني فوق أرض فلسطين يحترق كما تصفي النار الذهب عن شوائبه، لتبقى فلسطين بعد ذلك طاهرة نقية" (ربما يقصد جرداء، بدلًا من نقية). وفي تعليق آخر: "كلّ شجرة احترقت بفلسطين بتسوى روح شهيد وشهيدة. هالأرض حقنا، بكلّ خيرها، لو قدّ ما عمّر فيها المحتلّ". (وهل حرق الأشجار، ينتقم من سلطة مغتصبة؟).
ويبدو أن ما كتبته الصحافية رشا حلوة، على صفحتها على "فايسبوك"، يختزل كل النقد، إذ قالت: "من شوية متابعات سريعة هالأكم ساعة للتعليقات حول الحريق، بحبّ أشير إنه كل الأمّة العربيّة فجأة بتصير تآمن بالله.. العمى شو بتسمّ البدن معظم التعليقات، بتويتر وفيسبوك.. ارحمونا يرحمكم الله اللي قاعدين من الصّبح بتآمنوا فيه. حبيبتي حيفا، حبيبتي فلسطين.. كوني بخير".
ومعها نقول لحيفا: كوني بخير.
الترا صوت - للمدون صهيب ايوب