رام الله الإخباري
حديقة مملوءة بالأصوات العذبة وبساط مفروش بالمشاعر الجياشة.. هكذا هي الحياة غارقة في الرومانسيات بين أي اثنين قبل الزواج، غير أن هذه الألحان سرعان ما تتحول أحياناً إلى “نشاز” بعد أعوام قليلة من دخول عش الزوجية، لا بل قد تنقلب إلى ما يُسمى بـ”الخرس الزوجي” وفق أخصائيين اجتماعيين، فتصمت جيثارة الحب، ويكسو الغبار الحناجر والقلوب.
ويرى اختصاصيون أن ظاهرة “الخرس الزوجي” تؤدي في كثير من الأحيان إلى مخاطر عدة قد تصل إلى الانفصال بعد عمر طويل من الزواج، الأمر الذي يدفعهم لوضع “وصفة” تحتوي على نصائح كفيلة بعلاجه، منها عودة الحديث المتبادل بين الطرفين تدريجيًا، وإيجاد بيئة تواصل استثنائية بينهما، مثل الذهاب في نزهة مرة أسبوعيًا، فضلاً عن السعي لتعدد أسباب اجتماعهما مثل الحرص على الاحتفال بالذكريات المشتركة بينهما كعيد زوجهما أو أول لقاء بينهما.
ويُعرِف الخبراء هذه الظاهرة بأنها حالة من “التيبس الوجداني” تصيب كلا الزوجين أو أحدهما تجاه الآخر، وهي تختلف عن “الصمت الزوجي” الذي “لا يعني فقط عدم الحديث أو عدم وجود تفاعل في كافة العلاقات الخاصة بين الزوجين، ولكن بعض الأمور قد تضطرهما للحديث معا، عبر قوة الدفع الذاتي لبعض الأمور”.
وعن أعراض الإصابة بـ”الخرس الزوجي” يقول “يوسف إسماعيل”، الباحث المهتم بالعلاقات الأسرية إن “هذا الأمر موجود تقريبًا داخل كل أسرة عربية، ولكن بنسب مختلفة، وقد يصاب به أحد الزوجين أو كلاهما”.
ويشير إلى أن أعراضه التي قد تظهر في السنة الأولى من الزواج أو في وقت متأخر، تتمثل في فقدان الاهتمام بالآخر، والشعور بالملل من تصرفات الطرف الآخر أو كلامه، أو تجاهل إيجابيات الشريك ومزاياه، وتفضيله الفضفضة مع الآخرين.
كما تتجسد في تعالي هذا الطرف أو الآخر في أي حديث، وانعزال كل منهما في عالمه الخاص به، والتفكير من فترة لأخرى في الانفصال أو الزواج مرة أخرى، وعدم الاستمتاع بالأوقات التي يقضيانها سويًّا.
لكن الباحث في العلاقات الأسرية لديه “روشتة” لعلاج الأمر، وهو أن يكون الزوجين حاضري الذهن دائما لاكتشافه قبل أن يتغلغل داخل الأسرة، وليتجنبا آثاره السلبية على حياتهما المستقبلية.
“نجلاء محفوظ” كاتبة اجتماعية ومستشارة في مجال الأسرة، لديها حلولاً عملية للموضوع.
فهي ترى أن الحل في يد المرأة كونها الأكثر تضررًا، وفي كثير من الأحيان تكون هي المسؤولة عن ظهوره داخل الأسرة.
حلولٌ تتمثل في “الحفاظ على علاقة الزوجة الخارجية مع أسرتها وأصدقائها؛ حتى لا تصاب بحالة جوع من الاهتمام”.
وهنا يكون لدى الزوجة “توازنا عند الحديث مع زوجها دون انفعال زائد ينعكس بالتوتر عليه”.
“محفوظ” تشير هنا إلى “خطر” شائع بين الزوجات وهو شعورهن أن الزوج هو محور الحياة، و”هذا كارثي فيجب عليهن أن يوزعن حياتهن ويمارسن هوايتهن اللاتي اعتدن عليها”.
فعلى المرأة معرفة اهتمامات زوجها حتى يكون هناك موضوعات مشتركة تفتح باب الحديث بينهما.
وعليها أيضاً ألا تكون “أنانية تبحث في حديثها مع زوجها عما تهتم به فقط” وإنما تدرك أنها مطالبة “بتوزيع الموضوعات بين اهماماتهما”، وألا “تقوم بسرد كل شيء لزوجها فور وصوله من العمل وهو مرهق، وأن تنتظر حتى يكون هناك وقت مناسب للحديث”.
ومن الضروري أن تدرك الزوجة أن جفائها في العلاقة العاطفية مع زوجها يحدث نفورًا عامًا لديه منها، “فلا تلوم الرجل عن تقصيره في مبادلتها الحديث قبل أن تلوم نفسها في عدم إشباع رغباته العاطفية”، تقول الكاتبة في مجال العلاقات الأسرية.
“يحيى عثمان”، الباحث المتخصص في شئون الأسرة والمجتمع، يحذر من خطورة تعايش الرجل مع “الخرس الزوجي”.
ويقول إن “التعايش مع المرض يعد الوسيلة التي يلجأ إليها معظم الرجال في الأسر المصرية على سبيل المثال”.
وطالب “عثمان”، الزوج بضرورة “إدراك أن الخرس الزوجي حالة عرضية تنتج عن مرض أو أكثر؛ سواء كان هذا تلقائيا أو متعمدا من أحد الطرفين”.
وعن أهم أسباب الظاهرة، يرصدها عثمان في “الفتور، السلبية، عدم التفاعل المناسب مع أي بادرة لحوار من الآخر، وتعالي أو ترفُّع أحد الزوجين على الآخر، والتركيز على المشكلات وجوانب القصور والنقص في الطرف الآخر”.
ورأى أن “استمرار التعايش مع المرض يجعل أي احتكاك بين الزوجين قد يؤدي إلى انفجار غير مأمون العواقب، ويؤدي إلى الطلاق أو الانفصال أو الانتحار الزواجي (مجازًا)”.
ونصح الباحث الأسري، الزوج، بـ”البحث عن الوسيلة الأنسب لكسر حاجز الصمت مع زوجته، ومعالجة الأمور التي أدت إلى هذا العارض”.
ومن الآليات التي وضعها “عثمان” للخروج من تلك الحالة: “عودة الحديث المتبادل بين الزوجين تدريجيًا، وإيجاد بيئة تواصل استثنائية بينهما، مثل الذهاب في نزهة مرة أسبوعيًا، مع تغيير منهجية الحياة داخل المنزل، والسعي لتعدد أسباب اجتماعهما، مثل الحرص على الاحتفال بالذكريات المشتركة بينهما كعيد زوجهما أو أول لقاء بينهما”.
وذهب إلى أن ذلك “يؤدى في النهاية إلى تدفق المشاعر بينهما وكسر الجمود الذي أصاب علاقتهما”.
يشار إلى أن عدد المطلقات ارتفع عموما في الدول العربية.
وكمثال على ذلك ارتفعت هذه النسبة في مصر حيث وصلت لـ3 ملايين حالة طلاق في العام، حسب تقرير “مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار” (يتبع مجلس الوزراء المصري)، الصادر في 29 أبريل/ نيسان الماضي.
كما ارتفعت نسب الطلاق من 7% إلى 40% خلال الخمسين عامًا الأخيرة، حيث أعلنت محاكم الأسرة (معنية بالنظر في القضايا الزوجية) في مصر أن 240 حالة طلاق تقع يوميًا، بمعدل حالة طلاق كل 6 دقائق.
فيما بلغ إجمالي عدد حالات الخلع (طلاق بعد تنازل الزوجة عن كافة حقوقها المادية) والطلاق العام 2015، 250 ألف حالة بمصر بزيادة 89 ألف حالة، مقارنة بالعام 2014، كما استقبلت محاكم الأسرة خلال 2014 مليون دعوى قضائية خاصة بالخلافات الأسرية، بحسب التقرير نفسه.
الاناضول