ما زال جزء من المناظرة التلفزيونية الأخيرة التي جمعت هيلاري كلينتون بدونالد ترامب يدور في ذهن الصحافي كلارنس بايج الذي اعتبره لحظة أقرب إلى الكوميدياـ حيث اصطدم ترامب بمنافسته إثر الحديث عن روسيا.
ويذكّر في مقال في صحيفة شيكاغو تريبيون بأنّ اللحظة أتت إثر سؤال عن أحد خطاباتها الذي نشرته ويكليكس، وقد عقّب ترامب على ذلك مشيراً إلى أن بوتين لا يكنّ الاحترام لكلينتون. فأجابت الأخيرة: هذا لأنه سيفضل دمية كرئيس".
وتابع بايج متهكّماً على طريقة ردّ المرشّح الجمهوري "ترامب، بعد أخذِه وقتاً ليفهم ما وُجّه إليه" أعاد توجيه الهجوم قائلاً: "لا دمية. لا دمية. أنت الدمية. لا، أنت الدمية". وكتب بايج مشيراً إلى أن رد فعل ترامب كان كلاسيكياً، لأن هذا الجواب عادة ما يكون لإنسان محاصر في الزاوية ومع معرفة بما يتحدث عنه تساوي صفراً.
مخابرات روسية على أعلى المستويات
"بالعودة إلى العالم الحقيقي" وجد بايج أن الشبهات حول علاقة ترامب ببوتين، أخذت منحى جديداً في الأيام الأخيرة. فكلينتون بدأت "تنزلق" في استطلاعات الرأي بسبب "تحالف غريب". هذا التحالف بحسب الكاتب يضم وكلاء الأف بي آي، جوليان أسانج، قراصنة روس والاستخبارات الروسية "على أعلى المستويات". ويتابع الصحافي: "نعلم أن (مكتب) الأف بي آي مقسوم داخلياً".
مدير المكتب جيمس كومي حورب من الداخل لأنه قرر عدم ملاحقة كلينتون لما وصفه بالتعامل "المهمل للغاية" لكلينتون مع الرسائل الإلكترونية. وأضاف أن الجميع يعلم كره بوتين للمرشحة الديموقراطية منذ سنة 2011 عندما انتقدها لتحريك المظاهرات في الشارع التي قامت ضدّ اتهامات – "اِحزروا بماذا؟ تزوير الانتخابات". ويكنّ أسانج شعوراً مماثلاً لها لأنه يظنها "مؤيدة للحرب".
ترامب والفهم المزاجي للغة الروسية
وذكّر بايج بودّ ترامب تجاه بوتين كلّما تحدّث الأخير عنه بإيجابية. ليس هذا فحسب، بل حتى عندما وصف الرئيس الروسي الملياردير الأمريكي بالشخص "اللامع"، تقبّل الأخير التوصيف بسرور علماً أنّ خبراء اللغة الروسية قالوا لاحقاً إنّ الكلمة التي استخدمها بوتين تُترجم غالباً بالشخص "المتلوّن".
شريك مخادع
أمّا عن لازمة ترامب "ألن يكون ذلك جميلاً؟" والمتعلقة بأي موقف مؤيد للتعاون مع روسيا وخصوصاً في مجال مكافحة داعش، فيقول بايج: "ربّما، باستثناء أنّ بوتين أثبت أنه شريك مخادع، وهو أقل اهتماماً بقتل مقاتلي داعش من إنقاذ النظام المجرم للديكتاتور الأسد (مضيفاً إيران) والذي قتل مدنيين أكثر من داعش".
وقد "سارع" ترامب بشكل "روتيني" إلى الدفاع "الغريب" عن بوتين، حتى مع تأكيد المخابرات الأمريكية أنّ الروس قرصنوا اللجنة الوطنية الديموقراطية واستخدموا رسائل إلكترونية محرجة لزعزعة البلبلة الداخلية. وقد قال ترامب: "لا أعتقد أن أي شخص يعلم إذا كانت روسيا هي التي اخترقت اللجنة الوطنية الديموقراطية ... يمكن أيضاً أن يكونوا أشخاصاً كثيرين آخرين" وهم "يلومون دائماً روسيا".
مخيف
للرد على هذا الكلام، اِستشهد بايج بما كتبه في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية المدير السابق لوكالة الأمن القومي مايكل هايدن. فالأخير وفي مقال له بعنوان "الغبي المفيد لروسيا" رأى أن "رفض تقييم الخابرات المستند إلى الواقع – لا بسبب بيانات مناقضة مقنعة، لكن بسبب كونه غير متناسق مع نظرة مسبقة إلى العالم – هذا هو نوع التسلط الاستبدادي، لا الديموقراطية البراغماتية. وهذا مخيف".
ثمن كبير جداً
ورجّح بايج أن يكون سبب ارتياح ترامب تجاه بوتين يكمن في مدير حملته السابق بول مانافورت والذي كان مستشاراً لنظام فيكتور يانوكوفيتش في أوكرانيا والمؤيد لموسكو. ولفت إلى أمر مزعج آخر قاله ترامب في يوليو (تموز) الماضي حين أدلى بأنّه "سينظر إلى الاعتراف بالقرم ك "أرض روسية". ورداً على منتقدي المؤسسة السياسية في أمريكا الذين يكررون أمامه بأنهم يريدون أن "يزعزعوا الأمور"، يقول بايج لهم إنّه يتفهّم غضبهم، لكنّ تدمير ميزان القوى لما بعد الحرب العالمية الثانية هو "ثمن كبير جداً كي يتمّ دفعه".