تُواصل تل أبيب، بواسطة المُستشرقين والمُختّصين بالوطن العربيّ ومراكز الأبحاث في تل أبيب، مُحاولاتها لسبر غور السياسة الروسيّة الجديدة في منطقة الشرق الأوسط، وتحديدًا عقب التدّخل العسكريّ والسياسيّ الروسيّ لنصرة حليفتها الإستراتيجيّة سوريّة.
وفي هذا السياق، الجنرال في الاحتياط، يعقوف عميدرور، الرئيس السابق لمجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ، في بحثٍ جديدٍ، نشره مركز "بيغن-السادات" للدراسات الإستراتيجيّة بتل أبيب، قال إنّ روسيا خلافًا لأمريكا لا تترك حلفائها، وشدّدّ على أنّ الآلية التي توصّلت إليها تل أبيب مع موسكو بشأن نشاط سلاح الجوّ الإسرائيليّ في الأجواء السوريّة ليست تحالفًا، ولا حتى اتفاق التنسيق، بلْ ترتيبًا تقنيًّا بهدف منع وقوع حوادث.
وأوضح أنّه لا ينبغي المبالغة في الأهمية الدبلوماسيّة لآلية منع نشوب صراعات مُسلحةٍ، كما أنّه على الدولة العبريّة عدم عقد الآمال على الروس بأنّهم سيقومون بالحدّ من عمليات حزب الله وإيران ضدّ "إسرائيل"، بحسب تعبيره.
وأمس قال مُحلل الشؤون العسكريّة في موقع القناة الثانية العبريّة، نير دفوري، نقلاً عن مصادر أمنيّة إسرائيليّة رفيعة، قال إنّ هناك جزعا في أوساط الجيش بسبب تعاظم الوجود الروسيّ في الشرق الأوسط، حيث يؤثر هذا الوجود مع الأسلحة النوعية الموجودة على طابع عمل سلاح الجو والبحر للجيش الإسرائيليّ.
وتابع قائلاً، نقلاً عن المصادر عينها، إنّ سلاحا البحر والجوّ الإسرائيليين اعتادا على أنْ يكونا فرسان السماء والبحر، ويطيران ويُبحران أين ومتى يشاءان، من دون أيّ تهديدٍ حقيقيّ، وبحريّةٍ عملٍ كاملةٍ.
وأردف أنّ وحدات الجيش الإسرائيليّ تقوم بطلعاتٍ لجمع المعلومات وشنّ هجماتٍ على قوافل أسلحة، وعلى مخازن الأسلحة غير التقليديّة، والإبحار مقابل سواحل بعيدة، لجمع معلومات من دون عائقٍ وعمليات سريّةٍ كثيرةٍ.
ولكن استدرك قائلاً إنّ الأمر لم يعُد كذلك. وأنّ الجيش الإسرائيليّ يُتابع بقلقٍ كبيرٍ تحرّكات حاملة الطائرات الوحيدة لروسيا، الأدميرال كوزنيتسوف، لافتًا إلى أنّ الروس باتوا يُراقبون الحركة الإسرائيليّة في المنطقة، بالإضافة إلى أمريكا.
وأوضح أنّه في المؤسسة الأمنيّة الإسرائيليّة يُقّرون بأنّ الروس على علمٍ بأيّ حركةٍ لطائرةٍ أوْ زورقٍ إسرائيليٍّ في المنطقة، وأنّه لا يوجد سبيل للتملص من الرادارات الروسيّة، وهم الآن يجمعون عن إسرائيل معلومات استخباراتية بكميات كبيرة، وبكلّ الوسائل مراقبة، رادارات وتنصت، بحسب مصادره.
أمّا فيما يتعلّق بمنظومات الصواريخ أرض جو المتطورّة، أس 400 وـ أس 300، فأشارت المصادر الأمنيّة في تل أبيب إلى أنّها خطيرة للغاية وتحُدّ من حريّة سلاحي لجوّ والبحريّة، وأنّ هذا الواقع يرفع أكثر من أيّ وقتٍ فرص المواجهة، في السماء أوْ البحر، بين القطع "الإسرائيلية" والروسيّة، بحسب تعبيره.
ونقل المُحلل عن مصدرٍ أمنيٍّ مطلّعٍ في تل أبيب قوله إنّ القاعدة الآن هي أنّ روسيا ليست عدوًا: "نحن نحاول الامتناع عن الاحتكاك مع الروس، وهم يحاولون الامتناع عن الاحتكاك معنا، قال المسؤول الإسرائيليّ الرفيع.
وأوضح أيضًا أنّ المصالح الروسية في سوريّة واسعة جدًا وتتضمن تعاونًا مع أكبر أعداء "إسرائيل"، مُضيفًا أنّ إيران تدعم النظام السوريّ، وتُشارك في الهجمات على حلب بالتنسيق مع روسيا، ضدّ القوّات، التي يُزعم، أنّها مدعومة أمريكيًا.
وأنّ تل أبيب تُريد التعاون مع موسكو، التي تعمل مع إيران وتدعم الأسد. ومَنْ يعلم أيّ مصلحة ستتغلب على الأخرى، على حدّ قوله.
وحذّرت المصادر في تل أبيب من أنّ الروس سيقومون باعتراض أيّ شيء غير مُشخّص من قبلهم يعمل ضدّهم وضدّ النظام السوريّ. وأضافت أنّه إذا كان هناك أحد ما يمكنه أنْ يختبئ وراء تكنولوجيّةٍ تملصيةٍ، فالأجدر أنْ يفكر مرتين.
مهما يكُن من أمرٍ، فإنّ "إسرائيل"، ربمّا للمرّة الأولى منذ عقودٍ طويلةٍ، باتت تخشى كثيرًا من تواجد قوّةٍ عسكريّةٍ قديمةٍ-جديدةٍ، وتُقّر بأنّ وضع روسيا في الشرق الأوسط تغيّر بشكلٍ ملحوظٍ في السنوات الأخيرة.
كما يذهب البعض إلى حدّ القول، مع بعض التبرير، إنّ روسيا أصبحت القوة العظمى الأقوى في المنطقة، أوْ على الأقّل في سياق الصراع السوريّ. والسبب الرئيسيّ لذلك يكمن في قدرة الرئيس الروسيّ، بوتين على استثمار موارد كبيرة في المنطقة، إلى جانب استعداده لاتخاذ مخاطر كبيرة.