رام الله الإخباري
تبنت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) قراراً حول المسجد الأقصى/ الحرم الشريف، رغم حملة إسرائيلية صاخبة، ادعت فيها أنّ القرار يقول أموراً لم يقلها، وقامت أثناءها بمحاولات عديدة، تضمنت اتهام الطرف الآخر بإرسال تهديدات بالموت لمديرة المنظمة.
لكن من المهم التوقف عند أنّ ما ادعاه الإسرائيليون، وما احتفلت به وسائل إعلام عربية ومسلمة، من أن القرار قال أن لا علاقة لليهود بالحرم، أمر لم يحدث.
لم ينكر القرار علاقة اليهود بالقدس ككل. إذ جاء في النص: "تأكيد أهمية المدينة القديمة للقدس وجدرانها لأصحاب الديانات التوحيدية الثلاث". لكن جاءت ضرورة احترام إسرائيل حرمة المسجد الأقصى/ الحرم الشريف "كما كان في الأمر الواقع التاريخي، كموقع إسلامي للعبادة وجزء أساسي موقع تراث ثقافي عالمي". ولم ترد تعابير كالتي انتشرت في الإعلام العربي، وقيل إن القرار يتضمنها، مثل أنّ الأقصى "من المقدسات الإسلامية الخالصة، ولا علاقة لليهود به".
طالب القرار بتطبيق قرار سابق أعاق الإسرائيليون تنفيذه، بتعيين ممثل دائم يصدر تقارير دورية يكون مقره القدس. ودان القرار الحفريات الإسرائيلية بالقدس. وطالب بإزالة العوائق الإسرائيلية أمام إعمار منطقة الحرم، ووقف تقييد دخول المصلين المسلمين، ووقف اقتحامات "المتطرفين اليمينيين الإسرائيليين" للحرم وعدم منح موظفي اليونسكو المعنيين بمشاريعها في القدس تأشيرات دخول. وتضمن القرار فقرات عن غزة، والخليل، وبيت لحم، وليس القدس فقط.
لم يقل القرار ما زعمه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، "إنّ المنظمة تبنت قرارا مضللا آخر يقول إنّ شعب إسرائيل لا علاقة لهم بجبل الهيكل والحائط الغربي".
ما أوّله وفسره الإسرائيليون كما يريدون، هو إشارة القرار لاسم "المسجد الأقصى/ الحرم الشريف".
وزعموا أن القرار بعدم ذكره اسم "جبل الهيكل" أنكر الإرث اليهودي المزعوم في المكان، بل وحتى التراث المسيحي.
يصدر هذا القرار بانتظام ويجدد دائماً، وليس جديداً. وبالعودة لموقع المنظمة على الإنترنت، وقراءة وثائق من سنوات سابقة، فإنّ طريقة ذكر اسم الحرم الشريف لم تتغير. بل إنّ دولا مثل فرنسا التي تزعم أنها بصدد تنظيم مؤتمر يهدف إلى إنهاء الاحتلال، كانت تصوت في الماضي لصالح القرار، وامتنعت عن التصويت هذه المرة.
في أعقاب الاحتجاج الاسرائيلي، رغم ما فيه من تضليل، أصدرت المديرة العامة لليونسكو، إيرينا بوكوفا، بياناً كما لو أنها تعترف باتهامات نتنياهو، فتعلن تحفظا وتقول "لا يوجد مكان أكثر من القدس يتشارك الإرث والتقاليد اليهودية، والمسيحية، والمسلمة، فضاءً واحداً". وتشير للمعتقدات حول المدينة في كل دين. وفي الإثر، وحتى يكتمل المسلسل الإسرائيلي، قالت السفيرة الإسرائيلية لدى اليونسكو، كرمل شاما كوهين، إنّ بوكوفا تلقت تهديدا بالموت بعد بيانها هذا.
بدأت الاحتجاجات الإسرائيلية على مثل هذا النص منذ وقت سابق، لكن لم تكن بالشدة الراهنة. وفي حزيران (يونيو) الماضي، نقلت صحيفة "جيروزالم بوست" عن شيمون صاموئيلس، العامل في مركز ويسنثال، المتخصص في شؤون المذبحة النازية وملاحقة "الكراهية"،
أنّ "اليونسكو كانت ملعبنا المفضل، خصوصاً في لجنة التراث العالمي". ويقول: "منذ قبول الفلسطينيين في اليونسكو العام 2011، تغيرت الأمور".
ويضيف: "يشن الفلسطينيون حملة لسرقة الرواية اليهودية". ويقول: "يقوم الفلسطينيون بمحاولة إنكار الرواية اليهودية، لأنّ تصديق الرواية الفلسطينية يعتمد على الرواية اليهودية الإسرائيلية. إنها أيديولوجية استبدال".
استغل الإسرائيليون أنّ ممثل المكسيك في المنظمة يهودي، واستقال احتجاجا على القرار، وضغطت على حكومة المكسيك التي تراجعت عن قرارها، محاولة فرض إعادة تصويت، رغم أن مشروع القرار أجيز، الخميس الماضي، بـ 24 صوتا لصالحه (منها المكسيك)، و6 ضده، و26 امتناع. وبحسب المزاعم في الإعلام الاسرائيلي، فإن عشر دول صوتت لصالح القرار في الماضي امتنعت عن التصويت هذه المرة، ما يعده الإسرائيليون انتصارا وتقدماً.
عمليا، ما قام به الإسرائيليون بشأن قرار اليونسكو، هو هجوم مضاد لإفراغ عضوية فلسطين من معناها (مع أن القرار ليس مقدما منهم وحدهم)، ولإنكار الحقوق و"الرواية" الفلسطينية والعربية والمسلمة؛ بالإشارة إلى ما لم يقله القرار، وتجاهل وتهميش كل ما قاله من حقائق بشأن سياساتهم "كقوة احتلال"، وبالتالي حرف النقاش عما يرتكب يوميا ضد الفلسطينيين والحرم القدسي الشريف.
الكاتب د.أحمد جميل عزم ..صحيفة الغد الاردنية