رام الله الإخباري
بعيداً عن صخب صالات الأفراح ودق الطبول وصالونات التجميل اختار العروسان الشابان مراد ووداد عقد قرانهما في أحد مقاهي المدينة العتيقة بتونس؛ ليقتصر الحضور على بعض الأصدقاء وعدل الإشهاد في مشهد قطع مع الموروث الاجتماعي لاحتفال التونسيين بأعراسهم.
واعتبرت طالبة القانون وداد بحري، التي عقدت قرانها يوم 19 سبتمبر/ أيلول الماضي، في تصريح لـ"هافينغتون بوست عربي"، أنها لطالما رفضت شكل الزواج المعمول به في تونس، الذي "يهتم بالمظاهر الخارجية واعتبار مؤسسة الزواج مشروعاً مادياً لإرضاء المحيط القريب، أكثر منه حباً وعيشاً مشتركاً بين شخصين"، حسب تعبيرها.
وأشارت إلى أن فكرة زواجها بهذه الطريقة البسيطة لطالما حلمت بها منذ سنوات، بعد أن واكبت أعراس أقاربها وما تبعها من مشاكل مادية وضغط نفسي، أثر بعد ذلك على حياتهم الزوجية بعد أن وجدوا أنفسهم يواجهون ديوناً أثقلت كاهلهم.
وأضافت: "أنا بشكل عام متحررة، وأرفض القيود الاجتماعية المفروضة علينا، وأرفض فكرة اعتبار المرأة سلعة تباع وتشترى بالصاغة والمهر".
ورأت نفسها محظوظة كونها وجدت في زوجها ذات التوجه، "أردنا أن نكلل قصة حبنا بالزواج دون بهرجة أو مظاهر اجتماعية خادعة"، حسب وصفها.
واختارت بحري أن يكون عقد قرانها في مقهى "الشواشين" بالمدينة العتيقة بتونس العاصمة، بحكم علاقة الصداقة التي تجمعها بصاحبه.
واقتصر حفل الزواج البسيط الذي عقدته وداد على الزوجين والشاهدين وصديق العروسين وشقيقتها، وذلك وسط معارضة شديدة واجهتها من العائلتين تجاه إتمام الزواج بهذه الطريقة.
بدائل جديدة للزواج
وداد تعد نموذجاً لجيل جديد من الشباب التونسي الذي أعلن تمرده على الأعراف الاجتماعية لمؤسسة الزواج من ناحية المظهر، الذي انقسم في شأنه التونسيون بين من يراه سلوكاً صحياً لتشجيع الشباب على الزواج عبر تقليص المصاريف المادية، وبين من يعتبره خروجاً عن العرف الاجتماعي وأحد أسباب تفكك العائلة.
ويقول الدكتور الحبيب تريعة، المختص في علم الاجتماع النفسي لـ"هافينغتون بوست عربي"، إن المواطن التونسي أضحى مثقلاً بعد الثورة مادياً ونفسياً أمام تدهور مقدرته الشرائية والارتفاع الجنوني لتكاليف الزواج، وهو ما جعله يلجأ لحلول وبدائل لإتمام نصف دينه، والتنازل عن كثير من الشروط التي كانت فيما مضى إحدى الركائز الأساسية للزواج.
وأوضح تريعة أن أغلب الأزواج في تونس يلجأون للاقتراض من الأفراد والبنوك لإتمام مراسم الزواج، وهو أحد العوامل الذي ساهم في ارتفاع نسب الطلاق بعد ذلك، بسبب عجز الزوج في كثير من الأحيان عن تغطية مصاريف العائلة بالتوازي مع سداد أقساط القرض الذي يمكن أن يستمر لعدة سنوات.
واعتبر في ختام حديثه أن تطور المجتمع التونسي صاحبته نسبة من الوعي لدى عائلات تونسية كثيرة أضحت تتنازل طواعية عن بعض الشروط المجحفة التي كانت تفرض في ما مضى في الزواج التقليدي، على غرار قيمة المهر ومصوغ العروس، وثوب الزفاف، وتفاصيل أخرى تتعلق بحفل الزواج.
عزوف الشباب التونسي عن الزواج وارتفاع نسبة العنوسة إلى حدود 60%، وتأخر سن الزواج (30 سنة بين الإناث و35 سنة بين الذكور)، والذي أكدته إحصائيات رسمية صادرة عن الديوان الوطني للأسرة، دفع كثيراً من المختصين في علم الاجتماع إلى دعوة الحكومة لتسهيل إجراءات الزواج وتوفير السكن بأسعار ميسرة للشباب المقبل على هذه الخطوة.
هذا بالإضافة إلى دعوات رجال الدين لإطلاق حملات توعوية لدفع الشباب والعائلات للتخلي عن الشروط المجحفة التي تثقل كاهل الأسرة التونسية، وتدفع بالشباب لهجر فكرة الزواج نهائياً.
هافينغتون بوست عربي