قامت السلطة الوطنية عام 1994 مع قدر كبير من التفاؤل بنهضة اقتصادية، حجمته العقبات التي فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، التي تراوحت بين معيقات بحجج أمنية واهية في ادناها، واجتياحات مدمرة وإعادة احتلال مراكز المدن في أقصاها، ومع ذلك لم تتوقف المحاولات والمبادرات، ليتحول النشاط الاقتصادي إلى جزء أصيل من معركة التحرر.
آخر هذه المبادرات، "ريتش القابضة"، التي تظهر المشاريع المنجزة والجاري تنفيذها وخطتها التوسعية في السوق الفلسطينية خلال السنوات الخمس القادمة، التي أعلنتها اليوم الأحد، مجموعة استثمارية آخذة بالتبلور، بمستوى ثلاث مجموعات استثمارية كبرى شكلت رديفا اقتصاديا لجهود بناء الدولة على الصعيد السياسي والمؤسساتي، هي: "باديكو القابضة"، و"ايبك"، وصندوق الاستثمار الفلسطيني، الذي بات منذ عام 2002 بمثابة صندوق سيادي يدير الأنشطة التجارية للسلطة الوطنية.
أنشئت "ريتش" عام 2000 ومقرها في الإمارات العربية المتحدة، على يد رجل الأعمال الفلسطيني مالك ملحم، واستثمرت في عدة شركات هناك، لكن الخطوة الاستراتيجية جاءت عام 2011 بالعودة إلى فلسطين، لتنشأ في العام التالي مجموعة "ريتش القابضة" برأسمال يبلغ 30 مليون دولار، سيرفع خلال عامين ليصل إلى 100 مليون دولار.
"انصب تركيزنا في البداية على قطاع الصناعة، وأخذنا بالتوسع التدريجي في قطاعات مختلفة، كتجارة التجزئة، والضيافة، والتعليم، وقطاعات أخرى قيد الدراسة"، قال رئيس مجلس الإدارة مالك ملحم.
وأضاف ملحم، الذي كان يتحدث للصحافيين في مقر الشركة برام الله، "دافعنا للاستثمار في فلسطين لا يقتصر على الدافع الوطني، على أهميته، فقد قمنا بدراسة السوق الفلسطينية من عدة جوانب، وتوصلنا إلى نتيجة مفادها أن هناك نقصا كبيرا في كثير من القطاعات، وأظهرت الدراسات لعدد من المشاريع جدوى كبيرة".
الدفعة الأولى من استثمارات المجموعة الوليدة ركزت على قطاع الصناعة، فكانت أولى الاستثمارات في قطاع الحجر والرخام، ببناء مصنع "هولي لاند للحجر والرخام"، في بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم، وهو مجهز بأحدث التقنيات المتوفرة في هذا المجال على مستوى العالم، بمساعدة شركة ايطالية، وتعد من أكبر الشركات العالمية المتخصصة في هذا المجال.
وفي هذا القطاع أيضا، أعلن ملحم انتهاء المجموعة من إنشاء مصنع للمكيفات في بلدة عنبتا، شرق طولكرم، ومن المقرر افتتاحه رسميا خلال شهر، وستكون مكيفات "نيسان" أول علامة تجارية فلسطينية، ستنتج وفق احدث المعايير العالمية لجهة الجودة والكفاءة.
وقال: في المرحلة الأولى سيعمل المصنع على تجميع المكيفات بقطع منتجة في دول أخرى، وبعد سنتين، سيتم خلالها ابتعاث مهندسين وفنيين إلى دورات خارجية، سينتقل المصنع إلى إنتاج قطع مكيف "بيسان" محليا.
وأضاف ملحم: "المصنع يعني الكثير، فهو أول علامة تجارية فلسطينية، وسنركز في المرحلة الأولى على تسويق "بيسان" محليا، وفي بعض الأسواق المجاورة، لننتقل في المرحلة الثانية إلى الأسواق الإقليمية والعالمية".
في قطاع الصناعة أيضا، ستعلن "ريتش القابضة" عن مصنع للملابس في محافظة رام الله والبيرة، إضافة إلى خطة توسعية في صناعات أخرى خلال السنوات المقبلة.
أحد الاستثمارات المهمة لمجموعة "ريتش"، التي كشف عنها ملحم، في قطاع التعليم العالي، اذ ستضع الشركة الحجر الأساس لـ"الجامعة الأميركية في القدس"، خلال الأشهر المقبلة، وسيكون مقرها المؤقت في رام الله إلى حين الانتقال إلى المدينة المقدسة.
وقال ملحم: "الجامعة بمستوى تعليمي مميز، بالشراكة مع جامعات أميركية معروفة بمستواها الرفيع، ونتوقع أن تنجز المرحلة الأولى من الجامعة عام 2019".
قطاع آخر يحظى باهتمام "ريتش"، قال ملحم، هو قطاع تجارة التجزئة، فحصلت المجموعة على وكالة ثلاث من ابرز العلامات التجارية العالمية في قطاع الملابس: "بينتي" و"أيه دي إل" التركيتين، و"بوسيني" من هونغ كونغ، وخلال الشهر المقبل، سيكون لدينا خمس علامات تجارية عالمية على الأقل".
وأضاف: انعكس الانجاز الكبير الذي حققته القيادة الفلسطينية بالاعتراف بفلسطين دولة بصفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة على قطاع الأعمال بشكل مباشر، حيث باتت كل الشركات العالمية مضطرة للتعامل مع فلسطين كدولة وسوق مستقلة، عبر وكيل فلسطيني أصيل، وليس عبر الوكيل الإسرائيلي، وهذا فتح الباب أمامنا للحصول على وكالات العديد من العلامات التجارية العالمية.
وفي قطاع الضيافة والترفيه، تمكنت "ريتش" من الحصول على وكالة حصرية لمطاعم "هارديز" الأميركية للوجبات السريعة، وستفتتح الشركة ثلاثة فروع برام الله خلال أشهر، وبعد ذلك سيتم التوسع في المحافظات الأخرى، وكشف ملحم عن أن الشركة في مفاوضات للحصول على علامات تجارية عالمية أخرى في هذا المجال.
وكغيرها من المجموعات الاستثمارية متعددة القطاعات، أشار محلم إلى أن "ريتش القابضة" أنشأت "ريتش العقارية" لتكون ذراعا عقارية لها، وكانت أولى أعمالها تصميم وبناء مشاريع الشركة في القطاعات المختلفة، كمصنع "هولي لاند للحجر والرخام، ومصنع "بيسان" للمكيفات، ومراكز تجارة التجزئة، وتصاميم "الجامعة الأميركية في القدس"، وسلسلة مطاعم "هارديز".
احد الاستثمارات المبكرة جدا لمجموعة "ريتش"، شراءها حصة بنسبة 5% من شركة دار الشفاء لصناعة الأدوية، وكانت خطوة استكشافية للسوق الفلسطينية.
وقال ملحم: "وجدنا صناعة دوائية متقدمة في فلسطين، فاستثمرنا في واحدة من هذه الشركات. قطاع الصحة قطاع كبير وهناك تعطش للاستثمارات في هذا القطاع، وشهدنا بعض المبادرات لبناء مستشفيات ومراكز صحية، من بينها مركز الأمل للسرطان، الذي ندعمه وندعو الجميع لدعمه. بدورنا سندرس الاستثمار في هذا القطاع، إضافة إلى قطاعات أخرى متعطشة للاستثمار".
ودعا رجال الأعمال الفلسطينيين في الشتات إلى الاستثمار في فلسطين، وقال: "رسالتنا لهم أن فلسطين سوق ممتازة، والكثير سيفاجأ بأن العائد على الاستثمار فيها أفضل من العائد على الاستثمار في كثير من الدول".
بالمجمل، إن الدفعة الأولى من استثمارات "ريتش القابضة" ستوفر نحو ألفي فرصة عمل خلال السنوات الثلاث المقبلة، وقال ملحم: "الصمود هو اكبر سلاح في أيدينا لمواجهة الاحتلال، وعلينا تعزيزه بإيجاد فرص عمل للخريجين، وتثبيت عائلاتهم على الأرض. نحن على استعداد لمساعدة أي رجل أعمال من الخارج يريد الاستثمار في فلسطين".