ليبرمان واللعب بالنار مع غزة

ليبرمان وغزة

رام الله الإخباري

قبل أن أبدأ بالحديث عن ليبرمان (وزير الحرب الإسرائيلي) ورؤيته للتعامل مع الضفة وغزة، أود الإشارة إلى نقطتين رئيسيتين؛ أولاهما أن ما سأذكره لا يدل بالضرورة على قُرب اندلاع مواجهة بين المقاومة في غزة و«إسرائيل»؛ لكنها قد تندلع في إطار الفعل وردة الفعل, لا سيما وأن طبيعة الرد الإسرائيلي الأخيرة تدل على أنه بدأ بتطبيق تدريجي للرؤية التي أعدها للتعامل مع غزة وهو ما قد لا يتماشى مع رؤية المقاومة وسياستها لما له من تداعيات سلبية, أما النقطة الثانية فهي أن ما سأذكره لا يُعبر عن حالة الخوف أو الخشية من أي عدوان جديد على غزة لا سيما وأنها تعرضت لعدوان تلو الآخر وما زالت تُعاني من تبعات الحصار الذي طال جميع مجالات الحياة فيها منذ أكثر من عشر سنوات دون أن يمس من عزيمتها أو يكسر إرادتها، وبصريح العبارة نقول «ليس لغزة ما تخسره».

أما عن خطة ليبرمان للتعامل مع غزة، فقد ظهر أحد تجلياتها بالرد العنيف على إطلاق صاروخ تجاه سديروت حيث اعتبرها فرصة سانحة لتمرير سياسته وإرسال رسالة للمقاومة بأن قواعد اللعبة قد تغيرت وأن أي صاروخ سيُطلق من غزة سيُقابل برد أكثر عنفًا مما اعتادت عليه على مدار العامين الماضيين، وقد أكد على هذا الموقف خلال زيارته الأخيرة لمستوطنات غلاف غزة؛ لكن ليبرمان بطابعه العدواني لم يتوقف عند هذا الحد بل واصل تهديداته وتلميحاته بأن أي مواجهة قادمة ستنتهي بتغيير الوضع القائم في غزة، وهو ما أكدته مصادر أمنية مقربة منه حيث أشارت إلى أن المواجهة القادمة ستكون الأخيرة بالنسبة لحماس باعتبارها تهديدًا يتعاظم وبسبب فشل محاولات التوصل لتفاهمات معها, كما كرر ليبرمان موقفه السابق حينما قال: رؤيتي لم تتغير فما زلت أؤمن بأن ترميم غزة يجب أن يتم مقابل نزع السلاح ولا يُمكن لحماس أن تتوقع قبولنا وتسليمنا بتعاظم قوتها.

للتذكير فإن هذه التصريحات وغيرها تتلاءم مع شروطه التي وضعها للانضمام إلى حكومة نتنياهو والتي شملت القضاء على حماس والعمل على إيجاد بديل لها وتجديد سياسة الاغتيالات, وهو ما يدل على أن ليبرمان ينتظر الفرص المناسبة لتنفيذ وعوده التي قطعها أمام الجمهور الإسرائيلي، كما أنها تُفسر مدى إصراره على تولي وزارة الحرب لتحقيق إنجازات تتماشى مع تطرف المجتمع الإسرائيلي الذي يتوق إلى ترميم قوة الردع واستعادة هيبة «إسرائيل» وإقناعه بأنه الأفضل لخلافة نتنياهو الذي يترنح كرسيه تحت وطأة الخلافات التي تعصف بحكومته ليلًا ونهارًا.

ومن غزة إلى الضفة, فرُغم تبني رئيس السلطة للسلام خيارًا إستراتيجيًا وحيدًا، ورغم معارضته للمقاومة المسلحة بجميع أشكالها وتقديسه التنسيق الأمني، إلا أن ذلك لم يشفع له أمام ليبرمان الذي يعتبره خصمًا إستراتيجيًا فكانت أولى خطواته محاولة الالتفاف على السلطة وتقويضها من خلال التواصل مع شخصيات فلسطينية لتشكيل هيئة لإدارة الشئون المدنية لكل مدينة وقرية على حدة، مع الحرص على تقطيع أوصالها بالحواجز العسكرية وهو ما وصفه كوبي ميخائيل بالخطر المُحدق، أما براك فقد اعتبرها مغامرة خطيرة؛ إلا أن هذه الرؤية ليست وليدة اللحظة فقد ذكرها ليبرمان في كتابه «الحقيقة التي أؤمن بها» منذ عام 2004 كما أنها تطبيق عملي لمقولته بأن مصطلح التسوية لا يتلاءم مع السياسة الإسرائيلية وأن الوسيلة الوحيدة للتعامل مع العرب هي إيصال رسالة مفادها أننا أُصِبنا بالجنون, ولم يكتفِ ليبرمان بذلك بل أوعز إلى إنشاء موقع إخباري باللغة العربية لمخاطبة الجمهور الفلسطيني سيبدأ عمله في يناير القادم, كما أعلن عن خطته المسماة «العصا والجزرة» والتي تقضي بتقسيم مدن الضفة إلى منطقتين «معادية وصديقة» اعتقادًا منه بأن الهم الفلسطيني هو الحصول على ملاعب ورياض أطفال ومناطق صناعية وهو ما سيُنسي الفلسطينيين وطنهم وشهداءهم ومعتقليهم، وقد وصل به الحال للاستخفاف بالشعب الفلسطيني حينما قال: «المعادلة بسيطة – سُنقدم مزايا لمن يريد العيش بسلام؛ وسنتعامل بقوة ونشدد الإجراءات في المناطق التي ينطلق منها منفذو العمليات», وقد أدت هذه السياسة إلى ارتفاع عدد الإصابات والاعتقالات خلال الفترة الماضية.

إن الحديث عن ليبرمان لا يأتي في إطار التهويل أو التخويف، بل إنه نتاج لقراءة تصريحاته ومواقفه وتحركاته المكوكية لتعزيز مكانته الداخلية والخارجية بعد أن تمكن من اختراق الحلبة السياسية الإسرائيلية وتشكيل قاعدة حزبية وإعلامية واقتصادية تؤهله لتبوّؤ مكانة رئيسية في صنع القرار، وهي فرصة لمطالبة المقاومة بأن تكون على أهبة الاستعداد للرد على أي عدوان محتمل بما يتناسب معه، وهي قادرة على إحداث حالة من توازن الرعب والردع كما يؤكد ذلك ألون بن دافيد حينما قال إن أي مواجهة في غزة لن تحقق أكثر مما حققناه خلال عملية الجرف الصامد, كما يجب على رئاسة السلطة أن تُعيد النظر في سياستها وتدرك أن الطريق الوحيد لتحقيق مكاسب سياسية لن يتم إلا بعد توحيد الصف الفلسطيني وما عدا ذلك فهو إمعان في تبديد الجهود وإضاعة الوقت, أما رسالتنا الأخيرة فهي لليبرمان ومن ينافسه على تزعم معسكر اليمين وننصحه بأن يقرأ تفاصيل مذبحة دير ياسين ليعرف كيف قاوم الفلسطيني حتى الرمق الأخير وهو يُذبح على يد العصابات الصهيونية، وأن يُمعن النظر في صورة الشهيد فارس عودة وهو يتحدى دباباتهم أو ليكتفِ بمشاهدة عمليتي زيكيم وناحل عوز.

 

للمدون عادل ياسين + ساسة بوست