رام الله الإخباري
الطفل الرضيع علي دوابشة، استشهد حرقاً على أيدي مستوطنين في نابلس في الضفة الغربية، قتل محمد أبو ظاهر 16 سنة، ونديم نوارة 17 سنة بدمٍ بارد وبصورة غير مشروعة. الثلاثة لم يمثّلوا خطراً على قوات الاحتلال، كان الأخيران منهم يمشيان قرب حائط خارج سجن عوفر بالقرب من رام الله. وكانا في طريقهما إلى بيتيهما، يحمل كلٌ منهما حقيبته المدرسية على ظهره.
الطفل محمد الدرّة اغتالوه في حضن والده، وغيرهم كثيرون، إذ يستشهد كل بضعة أيام طفل فلسطيني، جراء تعرضه لإطلاق نار في الضفة الغربية أو غزة، كما استشهد أكثر من 560 طفلاً خلال العدوان الصهيوني على غزة عام 2015.
لقد أشارت بيانات هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين، إلى أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ عام 1967 وحتى منتصف أبريل 2015 نحو مليون فلسطيني، منهم 95 ألف حالة اعتقال منذ بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، وحاليا يبلغ عدد المعتقلين في السجون ومراكز التوقيف الإسرائيلية حوالي 7000 أسير، منهم قرابة 450 طفلا.
لقد أكدت الهيئة على أن إسرائيل اعتقلت 6، 059 أسيراً خلال عام 2014، منهم 1، 266 طفلاً. كما اعتقلت أكثر من ألف فلسطيني منذ بداية العام الحالي. لقد بلغ عدد الشهداء من الأسرى 226 أسيرا منذ عام 1967 بسبب التعذيب أو القتل العمد بعد الاعتقال أو الإهمال الطبي بحقهم.
يمكن الاستخلاص مما سبق أن قتل الأطفال الفلسطينيين والعرب (تذكروا مجزرتي قانا الأولى والثانية في لبنان، ومجزرة مدرسة بحر البقر في مصر، وكل المجازر الإسرائيلية ضد شعبنا، منذ ما قبل إنشاء الكيان وحتى اللحظة!
يدخل في صلب العقيدة الصهيونية. خذوا مثلا كتاب «توراة الملك» للحاخامين يتسحاق شبيرا ويوسي ايليتسور الصادر في عام 2009، لقد اعتمد فيه مؤلفاه، على ما ورد في التوراة (المُحرّفة بالطبع) من تطرق إلى قتل الأطفال وحتى الرضّع منهم.
الفتوى سبُقت بتصريحات لحاخامات مجمع الهيكل، التي يستنِدون فيها إلى أحكام التوراة، في إقناع شارعهم وجنودهم ومستوطنيهم، بشرعيَّة ما يقدمون عليه من قتل وإبادة للفلسطينيين. فقد أصدر الحاخامات فتوى نشرتها صحيفة «هآرتس» يستنِدون فيها إلى شرعيَّة القتل والإبادة وارتكاب المجازر بناء على ما نصَّت عليه التَّوراة في قوم عملاق. فمثلا أصدر الحاخام مردخاي إلياهو فتوى في تبريره للمجازر الإسرائيلية، يستند فيها إلى حكم التَّوراة في شكيم بن حمور، وإلى سفر المزامير: «سوف أواصل مطاردة أعدائي والقبض عليْهم».
تجاوزت الدعوة إلى قتل الأطفال الفلسطينيين والعرب العقيدة الصهيونية، لتنتقل إلى الأدب (الرواية كما الشعر)، فمثلا على سبيل المثال وليس الحصر، فإن الشاعر الصهيوني رافي دان، يكتب قصيدة بعنوان «حكاية» يتحدث فيها عن طفل يهودي يتجسد في أي عصر وأي مكان،
يقول رافي: زئيف، هل تعرفون زئيف؟ لا ليس حيا الآن، أجل، طفل صغير لم يكبر، منذ آلاف السنين. ويتابع: زئيف طفل لم يكبر بعد، وحين حاصر الغزاة هذه المدينة، مات. ولكن هل تريدون أن تموتوا مثل زئيف؟ لا، إذن صوبوا بنادقكم نحو الشرق.
عقيدة قتل الإطفال، وإذا ما ترسخّت في اعتناق أيديولوجي لفئة دينية معينة، فهي سلاح ذو حدين، يعني أن تصبح نهجا ضد أطفال الفئة الدينية ذاتها. لقد نشرت صحيفة «هآرتس» (الجمعة 19 أغسطس الحالي) ، أن أبناء عائلات اشكنازية اختفوا في سنوات الدولة الاولى. ومنذ تلك الأوقات حتى الآن، لا يمر يوم من دون أن يتوجه شخص إلى دائرة معنية باختفاء الأطفال في إسرائيل، ليحكي قصة مؤلمة تشبه إلى حد كبير قصص من سبقوه.
«أخي اختفى»، «أختي لم تعد من المستشفى»، «كان لوالدي ايضا أخ، ولم نعرفه»، «لوالدتي كانت أخت توأم ولم نرها». وهناك من يستصعبون إخفاء مشاعرهم. فيقومون بالبكاء والصراخ وطلب المساعدة.
الأصل في اختفاء الأطفال، أنه ومع إنشاء دولة الكيان، هاجرت إلى فلسطين عائلات من بولندا وتشيكوسلوفاكيا والنمسا وألمانيا وهنغاريا وغيرها، قبل إنشاء الدولة وبعده. سكنت في ديمونة وكفار سابا وبيتح تكفا والقدس وتل ابيب وحيفا.
رُزقوا بأولاد، لكن المستشفى أو العيادة أو قسم الولادة، كانت تأخذ هؤلاء الاولاد بحجة أنهم مرضى أو يحتاجون إلى «الرعاية». وبعد يوم أو يومين، أسبوع أو أسبوعين، يقال لهم أن الولد قد مات.
لا يوجد قبر للدفن، ولم يعطوا شهادة وفاة. إذهبوا إلى بيوتكم وسيولد لكم أولاد غيره. هذا ما قيل لهم. كل قصة هي عالم بحد ذاتها. لقد اطلع الشارع الصهيوني على قصص كثيرة كهذه، لا سيما حول القادمين من اليمن. كما عائلات جاءت من اوروبا. إلى من يجب التوجه؟ سأل الكثيرون منهم.
والبعض الآخر بحث فقط عن أحد ليسمعه. أن اطفال اشكناز(غربيين) اختفوا في الفترة نفسها التي اختفى فيها أطفال من اليمن، ومن دول الشرق ودول البلقان. اعتُبر حجم هذه الظاهرة في الكيان هامشيا.
يتضح الآن أن الظاهرة كانت حقيقية وواسعة. تكفي قراءة المعطيات التالية لمعرفة قوة هذا الاكتشاف: لجنة التحقيق الرسمية التي حققت في اختفاء أبناء اليمن على مدى بضع سنين، قامت بتوثيق 30 حالة اختطاف اطفال لعائلات من اوروبا والولايات المتحدة.
«هآرتس» قامت بتوثيق سبعة اضعاف هذا العدد خلال ايام معدودة فقط.
هناك شيء آخر جديد وهو أن بعض العائلات تقول أن أبناءها اختفوا في فترة الانتداب البريطاني، أي في الثلاثينيات والاربعينيات، قبل إنشاء الكيان وخارج حدوده – في معسكرات الاعتقال في قبرص. باختصار، هذه هي الصهيونية، التي اعتبرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما 26 هيئة ومنظمة حقوقية دولية «شكلا من أشكال العنصرية، والتمييز العنصري».
على الجانب الفلسطيني، فإن «أجمل الأمهات التي انتظرت ابنها، وعاد مستشهدا. فبكت دمعتين ووردا، ولم تنطو في ثياب الحداد. لم تنته الحرب، لكنه عاد، عاد مستشهدا»…
فما بالكم بقتل الأطفال؟ ليتصور كل منّا لدقيقة، أن أطفاله أو أحفاده الأطفال كانوا في محل الأطفال الفلسطينيين؟ وهم مُعرضون للقتل من العدو في كل لحظة؟. لقد أصدرت دائرة إعلام الطفل في وزارة الإعلام الفلسطينية، بيانا أوضحت فيه، أنه استشهد منذ بداية انتفاضة الأقصى وحتى نهاية شهر مارس (الماضي) 2016 نحو 2070 طفلا، وجرح أكثر من 13000 طفل .
وأضاف، أن قوات الاحتلال اعتقلت أكثر من 12000 طفل منذ عام 2000، وما زال في سجون الاحتلال 480 طفلا؛ تعرض 95% منهم للتعذيب والاعتداء خلال حملات الاعتقال والتحقيق وانتزاع الاعترافات بالإكراه، في غياب محامين أثناء الاستجواب.
واستعرض البيان انتهاكات قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين بحق الطفولة الفلسطينية، منذ بداية انتفاضة الأقصى في 28 سبتمبر عام 2000، وقال: إن الاحتلال يعتقل سنويا نحو 700 طفل، بذريعة إلقاء الحجارة على قوات الاحتلال والمستوطنين، فيما يتعرض طلبة المدارس إلى انتهاكات على الحواجز العسكرية المقامة على مداخل المدن والقرى والمخيمات.
تتضمن الإحصائية أرقاما أوسع، غير أن ما أوردناه يلقي صورة واضحة على حقيقة أوضاع أطفالنا في مناطق 67 وبضمنها مدينتنا الخالدة القدس، بفعل فاشية الاحتلال الصهيوني، وساديته المطلقة،التي لا مثيل لها في التاريخ. فاشية جديدة مطوّرة! هذه التي تعتنقها إسرائيل وفاشيّوها المستوطنون، الذين يطبقون أساليبها في التفنن بقتل الفلسطينيين وحتى الأطفال.
هذه هي نتائج تعاليم الحاخامات في المدارس الدينية:»يجوز قتل الطفل الرضيع العربي». لقد سنت الكنيست قرارا، يُتيح للمحاكم الإسرائيلية إصدار أحكام بحق الأطفال الفلسطينيين دون سن 14 عاما، ومشروع قرار يتيح لسلطات الاحتلال إبعاد عائلات المقاومين إلى الخارج، وثالثا يتيح سحب عضوية الكنيست من النواب العرب، ممن يُظهرون تعاطفا مع «المخربين» أو يقوموا بزيارة عائلاتهم.
لا نستغرب الجرائم النكراء من جيش تربىّ على تعاليم الحاقد مائير كـــاهـانا والقــادة بن غوريون وغولدا مائير ونتنياهو ورابين وبيريز وغيرهم. ومن قبل على يدي وتعاليم كل من هرتزل وجابوتينسكي.
لا نستغرب هذا الإجرام الذي يُمارس إسرائيلياً حكومةً وشارعاً ومستوطنين وجيشا وحاخامات. لا نستغرب ذلك من شارع يتحول بتسارعٍ حاد إلى التطرف والحقد على كل العرب، وعلى رأسهم الفلسطينيون بالطبع. لا نستغرب ذلك من دولة تُربّي أجيالها المتعاقبة على أيديولوجية القتل والعنف، وثقافة الكراهية للفلسطينيين والعرب. هذه هي حقيقة إسرائيل، التعبير المادي عن الصهيونية.
عن صحيفة القدس العربي للكاتب الفلسطيني د. فايز رشيد