رام الله الإخباري
يعّد لقاء كوكبي الزهرة والمشتري شبه السنوي فوق الأفق الغربي ظاهرة فلكية خلابة تشد إليها الناظرين لغرابتها، فالكوكبان الأزهران الأبيضان هما ألمع الأجرام السماوية بعد الشمس والقمر، ولأن الزهرة -التي هي نجم الصباح والمساء- لا تمكث طويلا بعد غروب الشمس، ولأنها الأسطع على الإطلاق، وقد تشاهد بالقرب من القمر الهلال أحيانا، وكذلك يفعل المشتري في أحداث أقل تكرارا؛ فإن التقاءهما يعد حدثا سماويا مهما وملفتا.
هذا الحدث الذي يظهر مساء في السماء (يوم 27 أغسطس/آب 2016 وما حوله) بُعيد غروب الشمس ولمسافة فاصلة تبلغ أقل من قطر القمر ذاته كما يُرى من الأرض، أذهلت الناس قديما ولا تزال تذهل الناظرين إليها حتى يومنا هذا، فمنهم من يظنها أقمارا صناعية، وآخرون يعتبرونها صحونا طائرة تحمل رسائل من السماء.
لكن الأغرب من ذلك كله أن بعض القدماء اعتبروها إيذانا بمولد ملك عظيم. فكما أن مرور مذنب أو حدوث كسوف أو خسوف هي أحداث تنذر إما بموت عظيم أو حدوث كارثة -كما كانوا يعتقدون- فإن ظهور نجم جديد كانت له دلالته كذلك.
ففي العام الثاني قبل الميلاد وبتاريخ 17 يونيو/حزيران، التصق الكوكبان اللامعان الزهرة والمشتري في السماء (لمسافة فاصلة بينهما قدرها جزء من ألف جزء من قطر القمر) فظهر نور ساطع نتيجة اتحادهما، يعتقد بأنه سطع بشكل رهيب وللحظات ليست طويلة، وذلك نتيجة تداخل موجات الضوء بين الكوكبين.
هذا النجم الغريب الذي شوهد في مدينة بيت لحم آنذاك فسر بأنه نبوءة مولد عيسى عليه السلام أو اقتراب ظهوره . لكن الأمر الذي لم يُفَسَّر بعد هو عدم تطابق ظهوره مع تأريخ الميلاد والذي يعتقد بأنه حدث بعد ذلك بعام ونصف العام.
وإذا كان هذا التوقيت هو التوقيت الصحيح لمولد المسيح، وهو في فصل الصيف، فإن ذلك يفسر في المقابل موسم التمر والرطب الذي جاءت به قصة ولادة المسيح التي قصها القرآن الكريم في سورة مريم (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) [مريم: 25].
وقد بحث المؤرخون كثيرا في تفسير نجمة بيت لحم المسجلة تاريخيا والوارد ذكرها في التوراة، لكن أيا من الظواهر الفلكية المتوقعة لم يطابق التاريخ المعلوم حاليا لولادته عليه السلام.
فمن بين هذه الظواهر التي يُعتقد أنها ربما تكون تفسيرا لظهور هذا النجم، هو ما يعرف بالنوفا أو النجم الجديد. فالنجوم التي استنفدت وقودها وانطفأت على شكل قزم أبيض خافت أو نجم نيوتروني مظلم، يمكنها أن تعود للحياة فجأة إذا صدف أن كانت جزءا من نظام نجمي ثنائي يدور فيه النجمان حول بعضهما، فإذا استطاع الخافت (بسبب جاذبيته العظيمة) أن يلتهم مادة النجم الحي شيئا فشيئا، فإن كتلته ستزداد وتزداد إلى أن تبلغ حدا تعود النار النووية فيه قادرة على الاشتعال ثانية، ولتنطلق بإثر ذلك ومضة ساطعة في السماء معلنة استيقاظ هذا النجم وعودته للحياة.
في هذه اللحظة يرى أهل الأرض فجأة زائرا جديدا في السماء، لا تدوم زيارته إلا ربما لدقائق أو ساعات أو بضعة أيام على الأكثر، لكنه لا يسطع خلالها كما فعل في لحظته الأولى، ثم يخبو ثانية وإلى الأبد.
ولأن البحث عن بقايا مثل هذا الانفجار أمر غير ممكن لعدم كفاية المادة السديمية التي تدل عليه، ولعدم معرفة العلماء موقع حدوثه، وهل حدث في مجرتنا أم في مجرة أخرى؛ لذا لم يثبت لديهم أي دليل يؤيد هذه الفرضية. وبذلك انتقلوا إلى تفسير آخر وهو ظهور مذنب، لكنها فرضية لم تحظ من قبل العلماء بأي تأييد، إذ إن المذنبات لا تظهر فجأة أبدا، بل إنها تزحف في السماء رويدا رويدا، ولا تختفي فجأة كذلك. ولهذا فقد استبعدت فرضية أن يكون هذا النجم مذنبا. فما حقيقة نجمة بيت لحم؟ لا أحد يدرى حتى اليوم.
"يروي التاريخ الإسلامي قصة نجم أحمد الذي ظهر في سماء المدينة المنورة ليلة ولد سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، حين صرخ يهودي في المدينة بأعلى صوته "طلع الليلة نجم أحمد""
نجم أحمد
وعلى غرار هذه الظاهرة ذاتها لكن بأبطال آخرين، يروي التاريخ الإسلامي قصة نجم أحمد الذي ظهر في سماءالمدينة المنورة ليلة ولد سيد الخلق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، حين صرخ يهودي في المدينة بأعلى صوته كما جاء بإسناد صحيح من رواية الصحابي حسان بن ثابت قائلا: "طلع الليلة نجم أحمد".
وبالعودة إلى مولد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم والمؤرخ في يوم 22 أبريل/نيسان 671 والظواهر الفلكية التي حدثت، نجد بأن ثمة لقاء قريبا بين كوكبي المشتري وزحل حدث لمسافة 2.7 درجة، وهي مسافة بعيدة نسبيا مقارنة بنجمة بيت لحم.
لكن الروايات تؤكد أن شيئا ما ظهر في السماء، فهل يمكن أن يكون نجما زائرا، أم نجما ساقطا ككرة نارية طالت فترة ظهورها، أم أن تاريخ الرواية لا يتطابق مع الحدث كما هو حال نجمة بيت لحم؟ هذه أسئلة تحتاج مزيدا من البحث في كتب التاريخ، فلعل تسجيلا تاريخيا من حضارة أخرى من حضارات العالم يكون قد دُوّن فيساعد في تفسير ألغاز العظماء الفلكية تلك.
الجزيرة