مؤرخ يهودي : الدولة العبرية اليوم هي أكثر تطرفا وعدوانية وتشبه اسرائيل في العام 1948

14qpt963

رام الله الإخباري

 يؤكد مؤرخ يهودي أن إسرائيل 2016 غير مختلفة بجوهرها عن الماضي. وبخلاف مثقفين وسياسيين يساريين يحذرون من تحولها أو اقترابها للفاشية يؤكد أن الجديد فيها هو وسائل الإعلام التي يكشف جرائمها، بينما بقيت مذابحها في دير ياسين وكفرقاسم وغيرهما طي الكتمان لعدم وجود كاميرات وقتها. 

وفي مقال مطول نشرته صحيفة «هآرتس» أمس يرفض المؤرخ الإسرائيلي المعادي للصهيونية البروفسور شلومو زند المقارنات بين إسرائيل اليوم وبين الفاشية.

ويقول إن الفاشية في ايطاليا كانت ظاهرة لمرة واحدة تقريبا مثل كل حدث آخر في التاريخ وحتى لو حاول الكثير من الناس في الدول الأوروبية محاكاتها بلا نجاح.

زند الذي أثار عاصفة من ردود الفعل الغاضبة بالماضي لنشره كتبا تنفي وجود الشعب اليهودي و «أرض إسرائيل» يتساءل في مقاله هل تتدهور إسرائيل نحو الفاشية أم أصبحت تشبه دولة شريرة، هذا السؤال برأيه ليس جديا بل سخيف وهو بذلك يعلق على مثقفين ومعلقين أو سياسيين في إسرائيل يحذرون من أنها تحولت أو قد تتحول قريبا لدولة فاشية ومنهم رئيس حكومتها الأسبق إيهود باراك الذي حذر قبل شهرين من سمات فاشية فيها.

بيد أن هذا النفي والاستخفاف برؤية من يعتقد أن إسرائيل باتت اليوم أكثر عدوانية وتطرفا وأقل ديمقراطية لا ينبع لدى زند من الرغبة بالدفاع عنها ومواجهة من يوجه نقدا حادا لها بل بالعكس. ويدلل زند على رؤيته هذه بالقول إنه حتى لو ظهرت هنا وهناك حالات مس بحرية التعبير وحتى لو أصبحت الذات الإثنية اليهودية ظاهرة كل يوم، فظة ومنفرة أكثر، فهي ليست فاشية وإسرائيل ليست دولة شريرة أكثر مما كانت في الماضي.

دير ياسين وكفر قاسم

ومن أجل الإقناع بنظرته التاريخية يمضي زند المغرد بعيدا خارج السرب الإسرائيلي بالتساؤل عما ارتكب بحق الفلسطينيين خلال النكبة وما بعدها: هل وقعت في حرب 1948 حالات مس بالأبرياء غير اليهود أقل مما هي اليوم؟.. هل وقعت الجريمة الفظيعة التي قتل خلالها 47 من أهل كفر قاسم في 1956 تحت سلطة اليمين؟.. هل تختلف مواقف المجموعات السكانية اليهودية التي لا تريد اليوم استيعاب العرب كمواطنين عن موقف المجمعات السكانية التعاونية (الكيبوتسات (التي قامت على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة ورفضت منذ بداية الاستيطان الصهيوني تقبل حتى مواطن عربي واحد ضمن سكانها؟..

وهل أحجم اليسار الصهيوني الذي أقام الدولة، واضطر حسب قرار الأمم المتحدة لمنح المواطنة المتساوية لمن احتلهم من العرب في 1948، عن فرض الحكم العسكري عليهم طوال 18 سنة 1948و 1966 الذي ألغى عمليا المساواة المدنية؟.. وهل يمكن أن نشبه بجدية أعمال المس بالتعددية الليبرالية اليوم بالمجال الضيق للتعددية والتسامح تحت حكم دافيد بن غوريون في الخمسينيات؟.. وهل تختلف مستوطنات اليسار الصهيوني في هضبة الجولان السوري المحتل مبدئيا عن مستوطنات اليمين الصهيوني في الضفة الغربية المحتلة؟

قتل الأسرى

وهل يختلف الجندي اليئور أزاريا قاتل الشاب الفلسطيني الجريح عبد الفتاح شريف في الخليل حقا عن أبراهام شالوم، رئيس المخابرات العامة «الشاباك» من حزب مباي الذي أصدر أمرا بقتل فلسطينيين أسرى جرحى عملية الشاطىء لعام 1984؟.

ويتابع شلومو زند أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب في عملية استباقية للرد على من يعتقد بخلافه بأن إسرائيل قد تغيرت بجوهرها فعلا «ليست لدي أجوبة قاطعة على بعض هذه الأسئلة وغيرها. كما أسلفنا، فإن كل مقارنة في مجال التاريخ السياسي مطلوبة فعلا، ولكنها في الوقت نفسه ، تكون تقريبا تافهة ومعيبة.

سيأتي رجال اليسار الصهيوني ليقولوا إنه لا ينبغي الحكم على فترات بناء الأمة بناء على الفترات التي باتت فيها الأمة راسخة، مستقرة وقوية. ربما يكونون محقين نسبيا. ولكنهم لا يفهمون إنه من ناحية المعاملة مع الآخر، غير اليهودي فان شيئا لم يتغير مبدئيا. لقد كان المشروع الصهيوني منذ بدايته مشروعا استيطانا إثنيا وحصريا».

ويذكّر زند بأنه منذ 130 سنة يجري تنفيذ الاستيطان بدون توقف (بين 1948 و 1967 جرى الاستيطان في نطاق حدود دولة إسرائيل وتحت شعار «تهويد الجليل» أو «تهويد النقب). ويتفق زند مع اليسار الصهيوني بأن هذا لا يعني أنه يجب الحكم أخلاقيا على كل مرحلة في مسيرة الاستيطان بشكل مشابه، ولكنه يؤكد أنه يمكن البدء في فهم الظاهرة التاريخية التي نعيش فيها فقط عندما نراها كمسيرة واحدة متواصلة. ويخلص للقول بخلاف اليسار الصهيوني إنه من أجل الوصول لتسوية على 1967 يجب فهم 1948.

هزيمة اليسار الصهيوني

وبشأن أسباب هزيمة اليسار الصهيوني فهي بنظره عديدة ومتنوعة ويتوقف عند بعضها فقط وهي ترتبط بما ذكر سابقا حول فكرة الاستيطان وما يرافقها. ويتابع «لقد رسخ اليسار الصهيوني استيطانه ليس فقط على الحتمية المأساوية للتاريخ: حقيقة أن أوروبا، وبعد ذلك القومية العربية، لفظتانا ثم أغلقت الولايات المتحدة أبوابها حتى لم يتبقَ لنا خيار. ما كان لحجة من هذا القبيل أن تكون أسطورة قومية مجنّدة.

ولهذا فقد استند اليسار لكتاب الأساطير اللاهوتية (الذي تم ربطه بالأكذوبة التاريخية عن النفي الجماعي الإكراهي قبل ألفي سنة ( الذي منح شرعية الاستيطان والسلب»وفي معرض انتقاده لليسار الصهيوني يتفق زند معه بأن الصهيونية كانت تحتاج لان تقتل الرب كي تصبح حركة قومية نشطة، لكنه يشدد على أن عجزها عن تعريف اليهودي العلماني فرض عليها المرة تلو الأخرى الانسحاب والاعتماد على التقاليد الدينية اليهودية.

وبرأيه هذا هو السبب الذي جعلها لا تفصل أبدا بين الدين والدولة وتودع بأيدي الحاخامات كل أحكام العائلة ودلائل الهوية الجماعية.

تعرية اليسار الصهيوني الاشتراكي

وأكثر عن ذلك يمضي زند بفضح ما يحاول اليسار الصهيوني التستر عليه حتى جاء اليمين واستغله واستثمره سياسيا فيقول إن «الحق التاريخي» المزعوم من قبل الصهيونية تعلق بالقدس القديمة، الخليل وأريحا أكثر مما بالأرض الضيقة التي بين عسقلان وعكا.

ويتساءل على خلفية ذلك فكيف يمكن فجأة تقييد هذا الحق فقط بحدود الخط الاخضر؟. ويخلص في تشخيصه العميق إلى القول «هنا، ضمن أمور أخرى تكمن مصادر التحول التاريخي الحاسم والانزلاق من التكامل القديم بين القومية والاشتراكية إلى الخليط المظفر بين القومية والدين اليهودي المتجدد والمنتعش».

وهكذا يؤكد زند برؤيته غير المهادنة أنه في نهاية المطاف، فإن المستوطنين الصهاينة الاشتراكيين لم يكونوا أكثر أخلاقية من مستوطني اليمين المتدينين اليوم. ويضيف معريا اليسار الصهيوني من أقنعته «لقد كانوا أكثر نفاقا، وهذا الفرق مهاجم. فإذا كان النفاق بادرة طيبة يقوم بها الشرير تجاه الخير فإنها كفيلة في ظروف تاريخية محددة بأن تشكل عامل لجم. أما اليوم فثمة شعور بأن هذا اللجم آخذ في الانحلال. الشر يعرض على الملأ، ولا يتبقى إلا تقبله بشكل متزايد.

إسرائيل في متاهة

ويشدد زند على أن النفاق اليوم يضطر للتراجع، لأسباب من ضمنها الشفافية ويوضح أنه في 1948 لم تكن كاميرات في كل قرية عربية طرد سكانها. ويتوقف عند بعض الأمثلة» ليس لدينا صور من جريمة دير ياسين ولا من عملية القتل الجماعي في كفر قاسم.

وفي عملية الشاطىء التي قادتها دلال المغربي، كانت هناك كاميرات صحافية لم يأخذها ابراهام شالوم الذكي بالحسبان. اما في قصة ازاريا فقد باتت تتواجد كاميرات. وهي تتوفر اليوم في كل مظاهرة، في كل عملية. من الصعب على الكلمات ان تخفي الصور. ولا يتبقى سوى الاستسلام للأخيرة والاعتراف بوجود الشر».

ويختم زند بالقول «بما ان خطر الفاشية غير موجود، فهل الوضع جيد؟

لا. نحن نتواجد في حالة خطيرة يمكنها أن تتدهور لحد طرد جزء من الفلسطينيين وارتكاب مذابح جماعية حيال المقاومة المسلحة الجدية. المتاهة التي علقت فيها إسرائيل في المرحلة الاستيطانية الحالية، التي بدأت في 1967، تبدو بلا مخرج. لا يبدو أنه توجد قوة سياسية يمكنها أن تنقذها منهـا. ولا يتبقى سـوى الأمـل فـي أن يـنقذنا العالم من أنفـسـنا.»

القدس العربي