قالت صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى من خلال تدخله في سوريا، وقصفه الكثيف لمواقع المدنيين التي تسيطر عليها المعارضة، أن "يستعيد كرامته في سوريا".
وفي مقال للكاتبة البريطانية ناتالي نوغاريدي، الاثنين، قالت الصحيفة إنه "بعد أيام من تدخل روسيا العسكري في سوريا، في أيلول/ سبتمبر 2015، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن بوتين سيعلق في مستنقع ولن ينجح"، مشيرة إلى أنه ما زال مستمرا.
وفي محاولة لتوضيح أسباب تدخل بوتين في سوريا، قالت الكاتبة إنها تضمنت:
- حساسسيته من الانتفاضات الشعبية، فهو يريد منع تغيير النظام كما حصل في تونس في عام 2011.
- تأمين موطئ القدم الروسي الأخير في الشرق الأوسط.
- إظهار أن روسيا تقوم بما يجب عليها لحماية حلفائها.
- إبعاد النظر عن أوكرانيا، وأخذ التنازلات من الغرب، مثل تخفيف العقوبات.
- بوتين انتهازي، واستفاد من عدم رغبة أمريكا في التدخل في الشرق الأوسط.
- اعتقاده بأنه بخلق الفوضى يستطيع أن يتجاوز الخطط الغربية.
- السياسات الداخلية الروسية، فالخطاب الوطني والعمل العسكري يتوافق مع حاجة بوتين لتأمين بنيته في السلطة.
الكرامة
وأوضحت نوغاريدي أنه فوق كل هذا، فإن ما يسعى له بوتين عبر قصفه الكثيف لحلب هو "محو إهانة هزيمة الاتحاد السوفييتي بأفغانستان في الثمانينيات"، مشيرة إلى أن الكرملين يذكر أفغانستان، ويريد أن يجعل سوريا عكس تلك الكارثة، لتستعيد روسيا سلطتها كقوة عسكرية.
وقالت الصحيفة إن هذا التدخل هو أول تدخل روسي عسكري خارج البلاد منذ أفغانستان، الذي حصل عام 1979، بعد أربع سنوات من انضمام بوتين للمخابرات الروسية، ورغم أنه لم يعمل هناك،فإن الأمر أثر فيه.
"حرب منسية"
وكانت الكاتبة الروسية سفيتلانا أليكسيفيتش، التي فازت بجائزة نوبل للأداب العام الماضي، وصفت في أحد كتبها "أبناء زنكي: أصوات سوفييتية من حرب منسية" الأزمة التي أصابت جيلا كاملا من الفظائع التي انعكست على المجتمع السوفييتي.
ورغم انتهاء الحرب في عام 1989، بعدما أمر غورباتشوف قوات بلاده بالانسحاب، فقد انتشرت صور دعائية تظهر الجنود جالسين على مدرعات وهم يعودون إلى روسيا، لكنها كانت "إهانة مدمرة لقوة عظمى هزمت على يد جيش عصابات من المجاهدين الأفغان مدعومين بصواريخ ستينغر"، بحسب تعبيرها.
وقتل ما يقارب الـ15 ألف جندي سوفييتي في أفغانستان، وما يقارب المليون أفغاني، وبعد الهزيمة بشهور، سقط جدار برلين، وانهارت القوة السوفييتية، فقد كانت أفغانستان "فيتنام" السوفييت، بحسب نوغاريدي، التي قالت إن "بوتين لا يحتاج سوريا ليثأر من أمريكا، رغم أن الأثر النفسي لسياسات أمريكا في الشرق الأوسط يدفعه إلى ذلك.
أحداث شبيهة
وأوضحت الكاتبة أن ما يجري الآن في سوريا، يشبه ما جرى في أفغانستان، فقد كانت أمريكا متورطة في مشاكلها الخاصة، في فيتنام، ثم في ووترغيت، واليوم تدخل روسيا إلى سوريا في وقت تندفع فيه أمريكا نحو حقبة ترامب السياسية والعزلة المتزايدة.
وفي عام 1979، طالب المتعاطفون مع السوفييت في الغرب بالتدخل في أفغانستان، واليوم، في أوروبا وأمريكا، هناك أصوات تعبر عن فخر ورضا عن سياسات بوتين في سوريا.
واستدركت الكاتبة بأن المقارنة ليست دقيقة، فالجيش السوفييتي قام بتدخل بري كبير، وصل إلى 115 ألف جندي، بينما لم يتجاوز الأمر بضعة "مستشارين عسكريين" وغطاء جوي في سوريا، كما أن روسيا تملك حليفا كبيرا في سوريا، هو "إيران"، بعكس ما كانت الحالة في التدخل في أفغانستان، عندما كانت إيران تنظر إلى موسكو كعدو.
وفي عام 1979، وصف جيمي كارتر احتلال أفغانستان بأنه "التهديد الأكثر خطورة للسلام منذ الحرب العالمية الثانية"، وفي عام 2015، فإنه بالكاد واجه الرئيس الأمريكي باراك أوباما سياسات بوتين.
وفي اختلافات أخرى، دخلت روسيا إلى أفغانستان عام 1979، عشية عيد الميلاد، كأنها كانت ترجو أن لا يلاحظ أحد. وفي أيلول/ سبتمبر 2015، أعلن بوتين عن العملية في سوريا بخطاب في الأمم المتحدة، كما أن الاتحاد السوفييتي كان يكتسب أرباحا كبيرة من أسعار النفط العالية في الثمانينيات، بعكس فترة الركود التي تعاني منها روسيا اليوم.
دروس من أفغانستان
وقالت الكاتبة إن هناك دروسا من أفغانستان قد تخطر ببال بوتين، منها أنه سيتجنب التورط بعملية طويلة الأمد وخسائر كبيرة، كما حصل مع إسقاط المروحية الروسية ومقتل طاقمها.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه لم يستطع الجيش السوفييتي السيطرة على كل أفغانستان، ولا تستطيع قوات الأسد ولا حزب الله ولا القوات الإيرانية المشاركة في القتال أن تسيطر على كل سوريا.
واختتمت الكاتبة بقولها إن بوتين يتذكر كلمة الرجل، الذي كان يستفزه مرارا، يوري أندروبوف، رئيس الاستخبارات السوفييتي القوي، في لقاء في بوليتبورو عام 1979: "لا نستطيع أن نخسر أفغانستان"، وكذلك بوتين، يظن أنه لا يستطيع أن يخسر سوريا.