رام الله الإخباري
في مقال للكاتب «أوين جونز» بصحيفة «الجارديان» البريطانية، علق جونز على «تقرير تشيلكوت» الأخير حول قرار «بريطانيا» خوض الحرب في «العراق»، والمراسلات بين «توني بلير» و«بوش»؛ إذ يرى الكاتب أن ما فعله توني بلير، في العراق، لا يمكن اعتباره مجرد خطأ أو زلة، بل هو «جريمة كبرى» على حد وصفه.
يقول الكاتب إن تحقيق «تشيلكوت» كان على وشك أن يصبح مرادفًا للسخرية؛ نظرًا لطول الوقت الذي احتاجه التحقيق لتنفيذ مهمته، إلا أن السير «جون تشيلكوت» سيدخل التاريخ، بكل تأكيد؛ بسبب تقريره الأخير بحق رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير.
ويضيف الكاتب أنه لا يرى أي مبررٍ مقبول للدفاع عن تلك الكارثة التي حدثت في العراق، والتي حصدت مئات الآلاف من الأرواح والمصابين، وشردت ملايين البشر، كما كانت سببًا في انتشار التطرف على نحو كارثي.
ما الذي يجب أن نتعلمه من تقرير تشيلكوت؟
يرى جونز أننا يجب أن نتعلم من تشيلكوت أن نكون أكثر جرأة في تحدي السلطة، وأن نكون متشككين في الروايات الرسمية، وأن نقف بحزم ضد ما الأجندة التي تحاول وسائل الإعلام نشرها، كما يضيف أنه لا يجب أن يُترك من دعموا تلك الحرب ليفلتوا بفعلتهم؛ فتلك العواقب كانت واضحة قبل بداية الحرب.
ما فعله تشيلكوت وضح تمامًا أن الحركة المناوئة للحرب في بريطانيا كانت على حق، ولم تتبنَ نظريات مؤامرة؛ كما وُجِهت لها الاتهامات بذلك. قبل بداية الحرب بأسابيع، قال «آلان سيمسون»، البرلماني البريطاني المناهض للحرب، وعضو «حزب العمال» «يبدو أن لدينا حكومة تبحث عن ذريعة للحرب، بدلًا من تفاديها»، وهو ما كشف عنه تحقيق تشيلكوت؛ إذ قال توني بلير لجورج بوش في يوليو (تموز) عام 2002 «سأقف إلى جانبك مهما حدث».
يقول جونز إن تقرير تشيلكوت أظهر أن الحرب في العراق كانت خيارًا، ولم تكن الملاذ الأخير، كما برر توني بلير، وهو ما كان واضحًا للبعض، مثل البرلمان آلان سيمسون، وجاء التقرير؛ ليؤكد أن تلك الحرب جاءت على أساس «معلومات استخباراتية وتقييمات خاطئة»، وأنه كان يجب الطعن فيه.
تعددت التحذيرات من حرب العراق، فقبل شهر واحد من الغزو، حذر «السيناتور الأمريكي جاري هارت» من تلك الحرب، وأكد أنها ستزيد من خطر الإرهاب؛ إذ قال «نحن ذاهبون لركل عش الدبابير، ونحن لسنا مستعدين لذلك، في هذا البلد».
يستشهد الكاتب ـ أيضًا ـ بما ذكره موقع Dissident Voice المناهض للحرب قبل شهر من اندلاعها «إن هجوم الولايات المتحدة، واحتلالها للعراق سيمنح مصدر إلهام جديد – وفرصة لانضمام أعضاء جدد – لتنظيم القاعدة، وغيرها من المجموعات الإرهابية، وسيحفز المزيد من الأعمال الإرهابية على المدى البعيد، سواء كان ذلك على الأراضي الأمريكية، أو بحق مواطني الولايات المتحدة حول العالم».
هل كان بلير يعرف عواقب الغزو؟
رأى الجميع ذلك بوضوح، ولم يتمكن المسئولون عن الحرب والداعمون لها من رؤيته، إلا أن تقرير تشيلكوت جاء صريحًا في تلك النقطة، وذكر «تم تحذير توني بلير من أن ذلك الغزو سيزيد من التهديدات الإرهابية لتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات».
وكان توني بلير قد زعم أن عواقب الحرب لم تتضح إلا بعد فوات الأوان، إلا أن منظمات مثل Christian Aid حذرت من «فوضى عارمة ومعاناة تستمر طويلًا في العراق بعد انتهاء الضربات العسكرية». وهنا يسخر الكاتب بالقول بأن منظمة إغاثة كان لديها رؤية أفضل بكثير من رئيس الوزراء، والذي ذكر في حديث سابق له أن 99% من العراقيين سيستقبلون الجنود بالورود.
جاء تقرير تشيلكوت لينفي مزاعم بلير الهزلية بشكل قاطع؛ إذ إن تهديدات، مثل التدخل الإيراني، ونشاط «تنظيم القاعدة» كان من الممكن استنتاجها بسهولة قبل الغزو؛ عندما استقال وزير الخارجية البريطاني «روبين كوك» من الحكومة قبل الغزو، وقال «لا تملك العراق أسلحة دمار شامل بالمعنى المعروف لها على الأغلب».
بحسب المقال، وصف «كوفي عنان»، الأمين العام للأمم المتحدة في ذلك الوقت، غزو العراق بـ«غير القانوني»، كما أن المذكرة الأصلية للمدعي العام البريطاني، «اللورد جولد سميث»، كانت تقول بأنه «دون قرار ثانٍ من مجلس الأمن، تكون تلك الحرب مخالفة للقوانين الدولية»، وذكر تقرير تشيلكوت أن جولد سميث غير رأيه بعد ذلك في ظروف غامضة.
يقول جونز «إن شرعية تلك الحرب ـ ربما ـ لا تدخل ضمن اختصاصات تشيلكوت»، إلا أن التقرير توصل إلى أن ما استندت عليه الحكومة، كقاعدة قانونية، يبدو «غير مُرض»، وهنا يرى جونز أن قضية شرعية الحرب من الأساس يجب أن تدخل الآن ضمن محاكمة قضائية.
هل الإعلام متورط؟
ويضيف جونز «إننا نقول ـ دائمًا ـ إن حرب العراق كانت قائمة على الأكاذيب، وعلى الرغم من أن تقرير تشيلكوت لم يتهم بلير بالكذب بشكل مباشر، إلا أن هناك الكثير من التساؤلات حول ذلك الأمر، إذ كان بلير قد قرر منذ فترة طويلة خوض تلك الحرب التي اعتمد فيها على أدلة مشكوك في صحتها لتبرير موقفه، وهو ما يضعه في موقف حرج، خاصة مع توقع الكثيرين لهذه النتائج الكارثية، ومن بينهم 139 من أعضاء حزب العمال في البرلمان».
أشار الكاتب ـ أيضًا ـ إلى دور الإعلام في تلك الحرب؛ إذ كان للإعلام يد أساسية في دفع تلك الحرب، كما أن من عارضوا أو انتقدوا تلك الحرب – بداية من السياسيين، وصولًا إلى مديري هيئة الإذاعة البريطانية BBC- كانوا هم من يفقدون وظائفهم.
تشير «الجارديان» أيضًا إلى أن العديد ممن دعموا هذه الكارثة الكبرى مازالوا لا يشعرون بندم حولها، بل أطلق بعضهم صيحات استهجان ضد «جيريمي كوربين»، زعيم «حزب العمال»، والذي عارض غزو العراق، وعارض دعم بريطانيا لـ«صدام حسين» في الثمانينات أثناء هجومه على «الأكراد».
يختتم الكاتب مقاله بالحديث عن مقتل 250 عراقي هذا الأسبوع في تفجير لسيارة مفخخة بمنطقة «الكرادة»، وهو ما يمثل ـ بالنسبة له ـ تذكيرًا بالفوضى التي كان توني بلير سببًا فيها؛ إذ يقول إن تلك الحرب لا يمكن اعتبارها كخطأ أو زلة، بل هي إحدى أكبر الجرائم في العصر الحالي؛ بالنظر إليها من أي منظور أخلاقي، بغض النظر عما يقرره القانون بشأنها، وأن تلك الحرب يجب أن تظل لعنة على من خاضوها، وعلينا من الآن أن نشير إليهم بالإسم.
ساسة بوست