من تركيا إلى لبنان، تنقلت موجة الإرهاب مجددا، موقعة أكثر من 50 قتيلا وعشرات الجرحى، طارحة علامات استفهام بشأن موعد ومكان الهجمات والأصابع الخفية التي تحرك الإرهابيين وفق أجندتها السرية.
فتركيا والأردن ولبنان التي ضربتها سلسلة الهجمات الدامية في غضون أسبوع واحد، تعد الدول الرئيسية المستضيفة للاجئين السوريين الفارين من الحرب المستمرة بين المعارضة والقوات الحكومية منذ عام 2011.
فالأردن الذي يستضيف نحو 1.4 مليون لاجئ سوري، كان في 21 يونيو الجاري على موعد مع هجوم بسيارة مفخخة أسفر عن مقتل عسكريين في منطقة الركبان على الحدود السوية، حيث يوجد مخيم للاجئين السوريين.
أما في لبنان، الذي لجأ إليه أكثر من مليون سوري وفق الأمم المتحدة، فقد ضربت 8 هجمات انتحارية فجر ومساء 28 يونيو منطقة القاع على الحدود السورية، حيث يقع أيضا مخيم للاجئين السوريين في مشاريع القاع.
وفي تركيا، التي تستضيف 1.8 مليون لاجئ سوري، قتل زهاء 36 شخصا في هجمات إرهابية استهدفت مطار أتاتورك الدولي في إسطنبول، الذي يعد أحد أبرز المنافذ للسوريين الراغبين بالانتقال جوا إلى الغرب.
وسيدفع اللاجئون السوريون حتما ثمن هذه الهجمات في الدول الثلاث التي تملك حدودا مع سوريا، لاسيما أن الحكومتين الأردنية واللبنانية سبق أن حذرت من تداعيات أزمة اللجوء على أمنها الداخلي.
ويبدو أن الأصابع الخفية التي تحرك داعش وغيره من التنظيمات، تستخدم ورقة الإرهاب لتصعيد أزمة اللاجئين السوريين، في محاولة لدفع دول الجوار السوري إلى المطالبة بإنهاء الحرب السورية، وفق شروطها وأجندتها.
ويرى مراقبون أن المستفيد الأول من موجة الإرهاب العابر للحدود السورية، هي إيران التي تسعى لتحصيل مكاسب في الميدان السوري من خلال هذه الورقة، بعد أن عجزت عن ذلك في المعارك مع المعارضة السورية.
فالهجمات الجديدة التي تحمل بصمات تنظيم داعش، جاءت وسط استمرار تكبد إيران والميليشيات الموالية لها كحزب الله اللبناني خسائر فادحة في المعارك التي تخوضها إلى جانب القوات السورية ضد المعارضة في حلب.
وحزب الله الذي خسر العشرات من مسلحيه في معركة ريف حلب الجنوبي المستمرة منذ أشهر عدة، وجد نفسه أخيرا في موقف محرج بعد تصاعد التململ في بيئته، وتزايد الأصوات المطالبة بانسحابه من الحرب السورية.
كما واجه الحزب، المصنف جماعة إرهابية والمرتبط بإيران، مأزقا على صعيد التمويل مع بدء المصارف اللبنانية تطبيق القيود على حركة أمواله المشبوهة، ليتعرض على أثر ذلك أحد البنوك في بيروت لتفجير اعتبر رسالة تهديد.
وجاءت تفجيرات القاع لتحول الأنظار عن أزمة الحزب الناجمة عن خسائره في سوريا واتهامه بالوقوف وراء تفجير مصرف بنك لبنان والمهجر في 12 يونيو، ولتدعم ذريعته بأنه يحارب في سوريا لحماية لبنان من الإرهاب.
ولا شك أن هذه الهجمات وغيرها تخدم الحزب، الذي يصر على وضع لبنان أمام "معادلة داعش يقتل وحزب الله يحمي"، وفق ما علق منسق الأمانة العامة لـ"قوى 14 آذار" اللبنانية، فارس سعيد، بعد هجمات القاع.
أما تركيا التي شهدت مرارا هجمات دامية، كان آخرها هجوم مطار أتاتورك أمس الثلاثاء، فهي تدفع، من استقرارها، ثمن تعنت رئيسها رجب طيب أردوغان، حين أصر على إقالة مسؤولين أمنيين حذروه من داعش.
و"المحرك السري" للإرهاب اتخذ على الأرجح قرارا بتفعيل دور داعش في بعض الدول عقب إحالته على التقاعد بالعراق بعد أن أدى مهمته، فقد سمح صعوده المباغت وانهياره المفاجئ لإيران بإحكام قبضتها على البلاد.
وسياسة نظام ولي الفقيه في إيران التوسعية قائمة على الدعم العلني لجماعات إرهابية طائفية، تتشدق بشعارات كاذبة على غرار حزب الله وميليشيات الحشد الشعبي بالعراق وجماعة "أنصار الله" الحوثية في اليمن.
وحين تعجز هذه الميليشيات عن أداء دورها أو تقصر، تلجأ إيران إلى الجماعات الإرهابية الأخرى التي نجحت في اختراقها وحتى ساهمت في صعودها، بينما تزعم أنها تحاربها وتقف في مواجهتها، كتنظيم القاعدة وداعش.
ورغم أن تقارير دولية وأحكام قضائية صادرة في الولايات المتحدة وكندا تؤكد تورط إيران في تمويل هجمات عدة للقاعدة، أبرزها هجوم 11 سبتمبر في الولايات المتحدة، فإن طهران تحسن استخدام ورقة الإرهاب متى شاءت.
واللافت أن النظام الإيراني وإعلامه الفارسي، والعربي الموالي، يسوق دوما أن الإرهاب صنيعة دول بعينها، إلا أن هذا "الإرهاب" يضرب هذه البلدان وغيرها، ويستثني، دوما، الأراضي الإيرانية من هجماته.