موقع رام الله الاخباري :
يجمع كل المتابعين للمشهد التونسي، على أن المؤتمر العام العاشر، لحزب "حركة النهضة" الإسلامية، الذي سينطلق خلال هذا الأسبوع (20 و21 و 22 مايو الجاري)، يرتقي لمقام الحدث السياسي البارز، في مسار الانتقال الديمقراطي، حيث ينظر له على أنه يتجاوز من حيث الأهمية وكذلك الانتصارات والتوقعات، جغرافية تونس، ليرمي بظلاله على مستقبل حركات الإسلام السياسي ككل، خاصة في علاقته بمرحلة ما بعد "الإخوان".
إلا أن الحدث الأهم الذي "خض" تونس اليوم الاثنين تمثل في انتشار خبر خروج الغنوشي من جلباب الإخوان، وقوله في رسالة وجهها لهم إن الجماعة أخطأت، وهذا ما أكدته مصادر النهضة لمراسل العربية.نت. إلا أن الغنوشي عاد بعد ساعات ونفى صحة الخبر، علماً أن العديد من قادة "النهضة" ومنهم المرشد راشد الغنوشي، أكدوا في أكثر من مناسبة على أن حركتهم فكت الارتباط الفكري والتنظيمي مع "الإخوان".
وبالعودة إلى تكذيب الغنوشي في بيان صادر عنه توجيهه رسالة للإخوان، فقد نفى ما تناقلته بعض وسائل الإعلام التونسية والعربية نقلاً عن جريدة "الحياة الجديدة" الفلسطينية حول رسالة مزعومة صادرة عنه موجهة للإخوان. وأكد الغنوشي أن الخبر عار من الصحة.
يذكر أن "الحياة الفلسطينية" كانت قد نشرت اليوم رسالة للغنوشي وجهها للإخوان وأكد فيها أن لحظة الفراق اقتربت.
ووفق الرسالة المنسوبة لراشد الغنوشي زعيم حركة النهضة التي نسب له أنه وجهها للاجتماع الخاص بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، الذي عقد في اسطنبول تحت شعار "شكرا تركيا" في ابريل الماضي، فإن أهم ما ورد فيها نص الرسالة: "لا أسباب صحية ولا غيرها حالت دون حضوري ولكنني أرى يوما بعد يوم أن لحظة الافتراق بيني وبينكم قد اقتربت، أنا مسلم تونسي، تونس هي وطني، وأنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية فلن أسمح لأي كان أن يجردني من تونسيتي، لن أقبل أي عدوان على تونس حتى لو كان من أصحاب الرسالة الواحدة".
وأضاف قائلا: "أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلى والأهم، لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة ولا العراق البعيد، أريد لتونس أن تحمي أبناءها بكل أطيافهم وألوانهم السياسية، أنا وبالفم الملآن أعلن لكم أن طريقكم خاطئ وجلب الويلات على كل المنطقة".
وتابع الغنوشي مخاطبا الإخوان: "لقد تعاميتم عن الواقع وبنيتم الأحلام والأوهام وأسقطتم من حساباتكم الشعوب وقدراتها، لقد حذرتكم في مصر وسوريا واليمن ولكن لا حياة لمن تنادي، أنا الآن جندي للدفاع عن أراضي تونس ولن أسمح للإرهاب مهما كان عنوانه أن يستهدف وطني، لأن سقوط الوطن يعني سقوطي".
وفي سياق التأكيد على "تونسة" الحركة، عبر القطيعة مع الإرث الفكري والتنظيمي مع التنظيم العالمي للإخوان، أعلنت قيادة "النهضة" التبرؤ من كل صلة بالإخوان، من خلال إصدار تعليمات صريحة لإطارات وقواعد الحركة، بتجنب إبراز كل ما له صلة يمكن أن تشير إلى وجود علاقة بالإخوان، وصل حد "التنبيه" بعدم رفع شعار "رابعة".
وبالفعل فإنه وباستثناء بعض القواعد المتمردة في الفضاء الافتراضي (فيسبوك)، فإن الجميع انضبط، وهي من سيمات الجماعات العقدية، المعرف عنها انضباطها التنظيمي. لكن، البعض يرى أن هذا "التبرؤ" من "الأخونة"، يبقى في تفكير وممارسة المنتمين للنهضة، وحتى أنصارها، ليس بالعملية السهلة، وهو ما يجعل منه "قطيعة" مشكوك فيها، ولا تتجاوز مجرد "التقية السياسية".
صعوبة التحول الى حزب وطني
إن التبرؤ من "الأخونة"، يراد منه التأكيد، على أن الحركة حزبا وطنيا تونسيا. وهنا تطرح مسألة صعوبة "توطين" جماعة تربت ونشأت على أدبيات تدعو للأممية.
وهو ما يكشف عنه تاريخ "النهضة"، التي منذ انطلاقتها في سبعينات القرن الماضي، كانت في قطيعة مع "الإسلام الزيتوني" ومرتبطة أكثر بالمشرق (الإخوان)، كما أن مشروعها السياسي خاصة في البدايات، هو نقيض لمشروع الدولة الوطنية، من جهة رفض القطرية وكذلك المضمون الحضاري، إذ تتمسك كل التيارات الإسلامية بشمولية الإسلام ودولة الخلافة، التي هي حلم كل التيارات الإسلامية المعتدلة والمتشددة منها، بقطع النظر عن تناقضاتهم الأخرى.
وبهذا فإن المؤتمر العاشر، سيكون مناسبة للنهضويين للتأكيد على القبول بالتحول الى حزب "وطني"، وهو شرط أساسي لا يمكن بدونه القبول بإدماجهم في الحياة السياسية الوطنية. وهو ما تفطنت إليه "الجماعة" خلال فترة الحكم، وتأكد بعد حصول "تطبيع" بين النخبة والفاعلين السياسيين، مع التيار الإسلامي، الذي سمح له بالتحول الى جزء أو مكون أساسي في المشهد السياسي التونسي.
ولعل القبول بوجود النهضة كشريك في الحكم، هو خير دليل على أن النخبة السياسية التونسية، في تيارها العريض لا تري مانعا، في القبول بإدماج التيار الإسلامي، في الحياة السياسية وفي الحكم أيضا، ما يجعل من قول الاسلاميين بوجود "فوبيا" لوجود تيار "استئصالي" معادي لهم ولوجودهم، أمرا مبالغ فيه بل لا مبرر له أصلا.
لاحظنا بوادر حرص لدي جماعة "النهضة" نحو القبول بالمسألة الوطنية، من خلال التأكيد على أن مشروعهم السياسي "يتأطر في السياق الوطني العام الذي تشهده البلاد في مرحلة ما بعد الثورة، ويستهدف فهم ومعالجة التحديات الوطنية الكبرى، ويقدم قراءات وإجابات وطنية مسؤولة، بقطع النظر عن الموقع المستقبلي للحركة، في المشهد السياسي، وبصرف النظر عن علاقتها بالحكم طرفا أساسيا، أو طرفا مشاركا أو حتى طرفا خارج السلطة التنفيذية، بيد أنه يحرص أن يكون في الموقع الفاعل والمؤثر الذي يؤخذ بعين الاعتبار في بلورة السياسات أو صناعة القرارات".
هذه الفقرة المأخوذة من "لائحة المشروع السياسي الاستراتيجي" التي تحصلت "العربية.نت" على نسخة منها، وستجري مناقشتها ضمن فعاليات المؤتمر العاشر، تبرز بداية حصول تحول في التعاطي مع المسألة الوطنية، يقدر الملاحظين أنه نتيجة لـ "صدمة" ممارسة الحكم التي كشفت لهم عمق المسافة الشاسعة بين "الاحتجاج" و "الحكم".
امتحان الخصوصية التونسية
بالمناسبة نشير الى أن هناك شبه إجماع من قبل جل الباحثين لحركات الإسلام السياسي، على خصوصية "الإسلامية التونسية" (خصوصية على المؤتمر تأكيدها أكثر وبوضوح)، وهو ما أكده الباحث في علم الاجتماع الديني عبد اللطيف الهرماسي في تصريح لـ "العربية.نت".
ويعتبر الهرماسي أن هذه الخصوصية استمدتها الحركة من طبيعة المجتمع، الذي نشأت وترعرعت فيه، بما يجعل فهمها يفترض أن يتم في إطار السياق الاجتماعي والسياسي التونسي. ويضيف الهرماسي، لكن هذا لا يجب أن يغفل عنا المشترك الذي تتقاسمه، خاصة مع حركة "الإخوان المسلمين" في مصر، التي تعتبر "الحركة الأم" (المركز)، والبقية تدور في فلكها الفكري والتنظيمي (الأطراف).
وتواجه "الإسلامية التونسية"، اليوم ، "مخاضا عسيرا"، وسط تحولات شاملة، تجرف العالم العربي، بعد موجة "ثورات الربيع العربي"، فبرغم سلسلة التنازلات المعلنة، فإن محيطها المجتمعي والسياسي وكذلك النخب، ما زالوا ينظرون إلى حركة النهضة بعين الريبة والتشكيك، وإن كان الباحثون المختصون بالظاهرة يشيرون إلى أن الحركة بصدد التطور، لكن الأخير لم يصل بعد إلى القطع مع "الإرث الإخواني"، ولا يمكن بالتالي أن يؤسس للتحول إلى "حزب "مدني" و"وطني"، وهو ما سيبقى متروكا للمستقبل، وربما للأجيال القادمة.