رام الله الإخباري
موقع رام الله الاخباري :
خشية الاعتقال، لفّ الطفل الفلسطيني زيد راسم دميتيه "ياسر" و"زينة"، وأطبق عليهما وكأنهما كنز ثمين، ومرغما سلم بالأمر وأطلعنا عليهما لبعض الوقت وعيناه ترقبان دون أن يهتز له جفن، فهو لن يتخلى عنهما بسهولة كي تواجها مصيرهما بالاعتقال كما حدث لنظيراتها في مصنع والده للألعاب.
قبل أيام قليلة عاش زيد وعائلته بمدينة طولكرم شمال الضفة الغربية ساعات من الرعب عندما اقتحم عشرات الجنود الإسرائيليين المدججين بالأسلحة مصنعهم الخاص بتصنيع الدمى (روتم) وصادروها.
لم يخطر ببال زيد (سبعة أعوام) أن يُعتقل صديقاه "ياسر" و"زينة"، وعندما أخبره والده بذلك سارع لاحتضان دميتيه وأخفاهما تحت قميصه.ولفعلة زيد ما يبررها، فهو لا يريد لدميتيه الوحيدتين اللتين لم تفارقاه منذ أن أهداه والده إياهما أن تصبحا رهن الاعتقال.
يقول الطفل ببراءة "هذه الدمى تختلف عن غيرها من الألعاب"، ويضيف أنه محظوظ لأن الجنود لم يروها ليصادروها، وتساءل عن مصير الدمى التي صودرت وعن حال الأطفال الآخرين الذين كانوا بانتظارها.
حكاية
ولهذه الدمى حكايتها، فهي كما يقول مُصنّعها راسم حسين (46 عاما) أُنتجت ضمن مشروع بينه وبين مؤسسات محلية ودولية داعمة، وتظهر في شكلين أحدهما لطفلة تدعى
زينة "كاسم فلسطيني يلامس الأطفال" وترتدي الزي الفلسطيني التقليدي، والآخر لطفل يرتدي الكوفية الفلسطينية وزيا عسكريا ويدعى ياسر "تيمنا بالزعيم الفلسطيني ياسر عرفات".
وكان على الاحتلال أن يُحرّك ترسانته العسكرية ليعتقل دمى من القماش المحشو بالإسفنج، لا بل أكثر من ذلك حين كبّل صاحبها وعصّب عينيه طوال فترة الاقتحام للمصنع.
يقول حسين إن هذه الدمى أزعجت الاحتلال وأحدثت صدى موازيا للمقاومة وحافظت على التراث الفلسطيني بما لا يقل عن غيرها تضحية، وقد وكان "مصيرها الاعتقال كحال الفلسطيني دوما".
وبتهمة التحريض اعتقلت الدمى واقتيدت لجهة مجهولة، بل رفض الاحتلال تقديم ما يثبت أنها مصادرة، وهو ما يؤكد أنها "سرقة" إسرائيلية للتراث بطريقة انتهازية وممنهجة، يضيف حسين.
تراث
لكن صاحب المصنع يفنّد ادعاء الاحتلال ويجزم بالقول إنها لا تتعدى كونها دمى تحمي الزي الفلسطيني والتراث الذي عهده الكبار ويورثونه للصغار، وهذا "ما لا يريده الاحتلال ويسعى لتدميره بكل الطرق".
ويضيف حسين أن الاحتلال لم يغلق المصنع الذي يعمل به منذ 25 عاما، كما لم يصادر المعدات أو يوقف العمل، لذلك فإن ما قام به لا يمكن تسميته إلا سرقة، حسب وصفه.
ويشير حسين إلى أن المشروع أمضى في تنفيذه خمسة عشر شهرا، حيث أنتج مصنعه 1700 دمية من أصل عشرة آلاف كانت في طريقها للخارج لكنها صودرت قبل ذلك.
وأمام ذلك كله وقف حسين صامدا وأصرّ على إعادة التصنيع، وهو في طريقه الآن لتلبية المطلوب منه، ويقول إنه لم يعد خائفا من اعتداءات الاحتلال، وسينتج هذه الدمى حتى لو ظللت مطاردا من قبل الاحتلال.وكانت إسرائيل قد صارت أيضا مطلع الشهر الجاري ألعابا داخل ميناء حيفا لتجار فلسطينيين استوردوها من الخارج.
انفلات
ولم تقف أشكال العنف الإسرائيلي عند هذا الحد، بل وصلت لنزع وتمزيق الأعلام الفلسطينية من على المركبات، وكذا صور الشهداء والأسرى خلال اقتحام منازل المواطنين.
وتعدى الأمر إلى منع أنشطة ثقافية وتراثية فلسطينية بمدينة القدس كالدبكة الشعبية وأعمال الفلكور الفلسطيني -التي كانت تتم عند باب العامود بالمدينة المقدسة- بداعي التحريض.
كل ذلك يرى فيه مدير مركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني علاء الريماوي "انفلاتا أخلاقيا وعنصريا إسرائيليا"، ويعبر عن الحالة الهستيرية التي يعيشها الاحتلال، وفق تعبيره.
ويقول الريماوي للجزيرة نت إن الاحتلال بات يشعر بأن الفلسطيني خطر عليه وعلى بعده "الوجودي والكينوني"، مضيفا أن هذا العمل دأبه كبار قادة الاحتلال بدعم مشترك من المؤسسة الدينية والسياسية، حيث بثوا الكراهية والعنف وكل ما يحرض على قتل الفلسطيني، بل زوروا التاريخ والتراث الفلسطيني لصالحهم.
الجزيرة نت