رام الله الإخباري
موقع رام الله الاخباري - نزل عشرات اللاجئين من قطار ليلي إلى رصيف مهجور يكسوه الجليد عند الدائرة القطبية الشمالية بالسويد لتنتهي بذلك فجأة رحلتهم من الشرق الأوسط في فندق بمنتجع للتزلج في أقصى شمال العالم.
كانت هذه أحدث محاولة من جانب السويد لإيواء عدد طالبي اللجوء القياسي المتدفق عليها.
ولم يكن هناك أحد لتحية المهاجرين باستثناء بضعة مصابيح على الرصيف الذي يكون عادة خالياً، فيما غطت النساء وجوههن بالحجاب لحماية أنفسهن من الصقيع لكن دون جدوى.
قال ألاكوزاي نعمة الله، وهو أفغاني كان يعمل مترجماً لدى الجيش الأميركي وقد ارتدى حذاءً رياضياً دفن في الجليد: "أين نحن؟ هل هذه هي الوجهة الأخيرة؟".
داخل أحد مقرات الإيواء
ولم يجد سؤاله جواباً في خضم فوضى الوصول، وبأيادٍ مجمدة انحنى أزواج وزوجات وأطفال لجر أكياس بلاستيكية تحمل كل ما يملكونه من متاع الدنيا وساروا عبر طريق منحدر يكسوه الجليد إلى الفندق الذي يبعد مئات الأمتار عند سفح الجبل.
وانضم هؤلاء إلى نحو 600 لاجئ معظمهم من سوريا وأفغانستان ظلوا في مدينة ريكسجرانسن السويدية لمدة تصل إلى شهرين.
وتقع المدينة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الشمال من الدائرة القطبية الشمالية ومسافة ساعتين بالسيارة من أقرب بلدة ما لم يكن الطريق مغلقاً بسبب الجليد.
وتتفاوت مراكز الإيواء من خيام تمت تدفئتها إلى مدن ملاهٍ ترفيهية، ما يشكل ضغوطاً على الموارد، لبلد تتجه لإيواء نحو 160 ألف لاجئ وصلوا هذا العام إلى البلاد التي لا يتجاوز عدد سكانها 10 ملايين نسمة.
مدينة بلا شمس
ولا تشرق الشمس أبداً في ريكسجرانسن في هذا الوقت من العام، وقد تنخفض درجات الحرارة إلى 30 درجة مئوية تحت الصفر، لكن الفندق يوفر الغذاء والمأوى والأمن للمهاجرين بعد رحلة محفوفة بالمخاطر ربما تمتد شهراً للقدوم من الشرق الأوسط على متن قوارب وقطارات وحافلات.
وساعد مدير الفندق المرح، سفين كولدكيب، في ترتيب فصول دراسية مؤقتة وزلاجات مجانية للأطفال.
كما توجد صالة رياضية وفصول للتدريب على الملاكمة للكبار.
وتحولت غرفة كانت تستعمل في أغراض التأمل إلى مسجد فأصبح السجاد الذي يستخدم في اليوجا من قبل في اتجاه القبلة.
لكن الفندق يبدو كصالة مطار بعد أن تأخرت إحدى الرحلات ودام الانتظار شهرين كاملين.
ويمكن لريكسجرانسن إيواء المهاجرين إلى أن يبدأ موسم التزلج في فبراير/شباط، في حين يضطر الكثيرون للانتظار أكثر من عام لحين البت في طلباتهم للجوء.
خيار الرحيل
على بعد مئات الأمتار فقط من منحدرات التزلج لا يزال بعض اللاجئين يحلمون بالشواطئ السورية.
كان وائل الشاطر طاهياً في مطعم للدجاج يضم 60 طاولة ويدعى "سكاي فيو" في مدينة حمص السورية، وكانت لديه طموحات وتقدم بطلب لدراسة الطهي في قبرص لكنه لم يحصل على تأشيرة سفر، وكان لديه أصدقاء في دبي لكنه لم يكن يرغب في العيش خارج سوريا.
قال: "كانت الحياة سهلة جداً، كنت أكسب 1200 دولار شهرياً، وكان الوضع آمناً لدرجة أنني كنت أحياناً أتحرك أنا وأصدقائي بالسيارة مسافة 60 كيلومتراً للذهاب إلى الشاطئ واحتساء القهوة في وقت متأخر من الليل في الساعة الثانية صباحاً ثم نعود إلى المنزل".
لكن الحرب نشبت، وتقلّص عمله مع بدء الاشتباكات في الشوارع، كما توفي والده بعد إصابته بسكتة قلبية فيما يبدو في أثناء القتال بالمدينة.
وأضاف: "لم أستطع نقله إلى المستشفى. مات في الشارع". ودفع الشاطر 1200 دولار حتى يتم تهريبه على متن قارب إلى اليونان قبل 25 يوماً وانتهى به الحال في ريكسجرانسن مع زوجته التي تعمل مدرسة للغة الإنكليزية.
وأضاف: "لم يكن أمامي خيار في النهاية سوى الرحيل أو الانضمام إلى القتال أو أن أصبح محتجاً وألقى حتفي، كان يجب أن أرحل".
رجاءً أعيدوا الشمس
وجلس المهاجرون في ممرات معتمة فيما أضاءت أنوار شاشات الهواتف المحمولة وجوههم. وكان البعض يلعب على الهاتف بينما كان آخرون يتحدثون مع أصدقائهم عبر "سكايب"، ويتشارك معظم المهاجرين ذكرياتهم ويستخدمون هواتفهم في تصفح الصور.
وعرض رجل كبير في السن صوراً لزوجته وابنته على الشاطئ في مدينة اللاذقية السورية، وهي منتجع يطل على البحر ويقع بالقرب من قاعدة جوية روسية.
وتطلع إلى السماء وهو يدخن وسط الظلام الجليدي وكأنه يستحم في أشعة شمس اللاذقية. وضحك وهو يقول: "رجاء أعيدوا الشمس".
وأبهر مسنّ آخر شاحب الوجه العاملين في الفندق بقصصه عن محل العطور الذي كان يملكه في سوريا قبل نقله إلى مستشفى بالسويد بسبب مشاكل في القلب.
إصابات بالأرق
وتتراكم الصدمات والأمراض. انتشرت الإنفلونزا والجدري بالفعل في الفندق. لكن يبقى الأرق هو المرض الأكثر شيوعاً، فيما تؤكد الممرضات أن هذه ظاهرة مؤكدة لصدمات الحروب.
ومما يزيد الطين بلة أن عدداً قليلاً من اللاجئين هو الذي يجازف بالخروج، إذ يبقى معظمهم في الغرف لأيام. ويخشى الكثيرون اصطحاب الأطفال إلى الخارج في درجات التجمد، رغم أن السياح ينفقون آلاف الدولارات لزيارة المكان الذي يشتهر بظاهرة الشفق القطبي (الأضواء الشمالية).
وقالت ممرضة تدعى أسا هنريكسون في عيادة متنقلة بجوار حوض السباحة بالمنتجع الصحي: "عندما يحدث الشفق القطبي ننصح الناس بالخروج والاستلقاء على الجليد والتطلع إلى السماء. لكن اللاجئين لا يفعلون ذلك. الكثيرون هنا يظنون أن أطفالهم قد يموتون في هذا البرد".
وفي بعض الأحيان كان اللاجئون يصلون إلى الشمال خلال الليل ويلقون نظرة سريعة على المكان ثم يرفضون النزول من الحافلات ويصرون على العودة إلى مناطق أكثر دفئاً.
وكان البعض يعود إلى جنوب السويد، فيما رضي آخرون مثل معظم الموجودين في ريكسجرانسن بنصيبهم.
ولا يزال الكثيرون في ريكسجرانسن يرغبون في زيارة أقرب بلدة وهي كيرونا، ويحصل اللاجئون على اثنين يورو تقريباً يومياً، ويدخر البعض لأيام من أجل شراء لعب صغيرة للأطفال.
ولا يزال الشاطر يتوق للعودة إلى الوطن، حيث يقول: "ما من أحد لا يحلم بالعودة إلى وطنه.. لكن عندما يتعلق الأمر بسوريا فهذا مستحيل. نخطط لمستقبلنا في السويد".
وكالات