مدرسة جوريش تنتظر بلهفة لعودة المدرسة " رهام الدوابشة " والدة الطفل الشهيد " علي دوابشة "
الثلاثاء 18 اغسطس 2015 09:06 م بتوقيت القدس المحتلة
موقع رام الله الاخباري | وكالة صفا :
على أعتاب الدرج المؤدي لصفوف مدرسة جوريش الثانوية للبنات جلست المعلمات في أول دوام لهن بالسنة الدراسية الجديدة مفجوعاتٌ بزميلتهن رهام دوابشة التي ودّعتهن في نهاية العام الدراسي السابق على أمل أن تلتقي بهنَّ في نفس الموضع ليتسامرن حول ما فاتهنَّ من تفاصيل حياتية.
كانت جلسة عزاء مجروحة لغياب ركن عزيز من أركان الهيئة التدريسية، بكاءٌ اختلط بذكريات غاب حاملوها وترك في ذهن من بقي دواماتٍ من الحسرة والألم.رهام التي طالتها نيران المستوطنين وعائلتها داخل منزلهم في قرية دوما في نابلس يوم 31 من الشهر الماضي، هي معلمةٌ ومربية أجيال عينت عام 2010 في مدرسة جوريش، وأصبحت مربية للصف الثامن.
وإلى يوم المحرقة التي ألمت بعائلتها، تكون رهام أمضت ثلاث سنينٍ من الضحك والمتعة والتدريس والذكريات مع أعضاء الهيئة التدريسية في المدرسة.على مدخل المدرسة، تستقبلك مديرة المدرسة أحلام المصري بابتسامة باهتة، ويُخيّل أنما تريد أن تخفي دموعاً ملت من انحدارها على وجناتها ووجنات معلماتها، ولا تستطيع إلا أن تلاحظ سرحان عينيها اتجاه أشباح شخوصٍ كانوا ها هنا يضحكون.
\"نِعمَ الابنة، ونِعم الأخت، ونِعم المعلمة التي لم أكن لأفرط بها تحت أي ظرف\"، تقول المديرة أحلام لوكالة \"صفا\".وتضيف: \"بابتسامتها كنا نبدأ صباحنا الدراسي، بنشاطها وأحلامها الكبيرة، بأحاديث عن أولى خطوات علي، وأولى أسنانه التي بدأت بالظهور، عن أحلامنا المشتركة، عن سيارة وعدتنا أن تركنها في ساحة المدرسة ذات يوم\".
وذكريات المديرة أحلام سرعان ما تحولت إلى فاجعة وألم مع تذكر كيف استقبلت نبأ حرق المستوطنون لمنزل عائلة دوابشة.وتقول عن ذلك \"بحكم منصبي فإنني يجب أن أتولى المناوبة في المدرسة في أيام العطل الرسمية ليومٍ، وبعد أن علمت بما جرى مع رهام، لم أستطع وضع توقيعي على الدفتر الكائن في غرفة المعلمات، لقد خفت من فكرة أن أفتح الباب لأرى مكتب رهام وأدواتها الحسابية تنظر إلي، لم أستطع ذلك أبداً\".
معلمتي صديقتي
وتسترسل المديرة أحلام عند حديثها عن رهام، لترى علامات الفخر بادية على عينيها حينما تعود بالذاكرة لثلاث شهور مضت يوم أن كانت رهام السبب في نجاح مبادرة تعليمية تربوية بعنوان \"معلمتي صديقتي\".قد حملت رهام في هذه المبادرة عبء حصر أعداد الطالبات الضعيفات في مادة الرياضيات سعيا لتلافي هذا الضعف، خاصة للمراحل العليا، حتى وصلت مدرسة جوريش بفضل جهود أعضائها ومثابرة رهام إلى مركز ضمن المراكز الثمانية في المرحلة الأولى، وعلى إثر ذلك تدخلت مؤسسة الرؤية العالمية الداعمة للمشروع لترسل أعضاء الهيئة التدريسية صوب رحلة إلى مدينة أريحا.
لعل هذه الرحلة من أصعب الأمور التي تحدثت عنها مديرة المدرسة وزميلات رهام، يوم أن قررت أخيراً مرافقتهن بعد أن أبقت أحمدَ وعلياً الصغير عند أقاربها.افنان نصار مربية الصف الثاني تستذكر ذلك اليوم جيدا، تقول: \"كم كانت رهام سعيدة ذاك اليوم تلعب بالمياه كطفلة صغيرة، تلتقط لنا صوراً وتجمعنا معاً نتحدث عن أحلامٍ مشتركة، أذكر ابتسامتها جيداً ذاك اليوم، أذكر تفاصيل تعشقها، وحناناً لم أر له مثيلا لأبنائها، وحديثاً تبرق به العين حين التحدث عن زوجها\".
كلٌ تروي كلمة
تلك الإشارة من أفنان صوب الذكريات جعلت من معلمات المدرسة جميعاً يدخلن موجة من الكآبة، ويقاطعنها تريد كل منهن الإشارة إلى أمرٍ ما.حنان أقرع مربية الصف الثاني شاركت أفنان الذكريات قائلة: \"أذكر يوماً جلبت فيه رهام احمدَ إلى المدرسة، وكان ابني القريب من عمره معي، لقد جعلَتهما رهام يقفان بجانب بعضهما البعض، لتلاحظ زيادة في الطول لدى ابني تفوق ابنها قليلاً.تتوقف حنان لتداري حشرجات البكاء، وتكمل: \"لقد عاتبتني ضاحكة كيف أن ابني أطول من ابنها\".
تستلم المعلمة قدر عادل دفة الحديث، وتقول: \"لم يذكر في الصحافة أنها معلمة بشكلٍ كاف، إنها نقطة تستحق التركيز عليها، كيف أن مربية أجيال يحدث لها ذلك\".وتضيف: \"ذات يومٍ عرضت علي أن تدرس ابني مادة الرياضيات، وأعطتني دفاتر أسئلة بإمكانها إثراء قدراته، وفي آخر يوم تكرر على لسانها لفظة السنة القادمة كثيراً\".
أسماء حسين معلمة اللغة العربية تتحدث من خلف مكتبها الملاصق لمكتب رهام، تسرح بألم وتعود لتقول: \"لقد كانت إنسانة محبة للعمل، متفانية تتقبل النقد، حيوية كثيرة الحركة، لم نختلف يوماً، لم تتدخل في مواضيع لا تهمها، كان عملها الرقم الأول في أولوياتها جميعاً\".
سكرتيرة المدرسة سمر حمارشة تؤنب نفسها قائلة: \"لقد حادثتني حاستي السادسة آمرةً إياي بالاتصال بها قبل يوم من المحرقة، لكنني أجلت ذلك، حتى بات الوقت متأخراً فخشيت من إزعاجها\".أما \"أم خالد\" آذنة المدرسة الطيبة، فدعت من أعماق قلبها بالشفاء لرهام التي تصفها بالإنسانة الخلوقة الرائعة، التي لم تؤذها يوماً بكلمة، ولم تبخل عليها يوماً بحوارٍ شيق.
لم يغب اسم رهام للحظة عن ألسنة المعلمات ومديرة المدرسة، وتحدثن بصوت واحد حول آخر لقاء لهن معها، عندما تم تكريم معلمي المدرسة قبل يوم من شهر رمضان، لم يكنَّ يعلمن أنه اللقاء الأخير قبل عذابات رهام.هداية الزيَات مربية الصف الخامس كانت آخر من تحدث لرهام، تروي: \"سمعت رنين هاتفي وكان يحمل رقماً لا أعرفه، أجبت على المكالمة ليصلني سؤال بمن المتصل، أجبت بأنكِ أنت من اتصلت لا أنا، حتى ضحكت رهام وقالت لي: ألم تتعرفي على صوتي هذه أنا، كانت تلك آخر مزحة مزحتها معي وآخر ابتسامة رسمتها على شفتاي\".
رهام تركت في ذهن زميلاتها أياماً لا تنسى، ورغبة في انتقال بعضهن هرباً من الذكريات، لم تشهد أول يوم لحضور المعلمات، لم تستلم هديتها من خلف باب مكتب الإدارة، ولم ترتدِ جلبابها الأحمر الجديد، لم تحضر وفي يدها كتب الرياضيات الصفراء، ولم تستلم تقديرها السنوي الذي وصل إلى جيد جداً.
ورهام والدة الرضيع الشهيد علي دوابشة وزوجة الشهيد سعد دوابشة، ما تزال ترقد في مستشفى \"تل هشومير\" في حالة ما تزال خطرة، تساعدها دعوات زميلاتها وألسنة كل من يعرفها وكل من سمع عنها لأول مرة، علها تستيقظ لتزور أحمد الصغير الذي في تماثله للشفاء ملّ من كثرة السؤال عنها.