حين طل الرئيس الأمريكي الجمهوري دونالد ترمب من جديد حاملا راية السلام والازدهار وانهاء الحروب في منطقة الشرق الأوسط، أدرك الجميع أننا أمام رجل دولة وصانع الصفقات والسلام، فمنذ أن قرر وقف حرب الإبادة في قطاع غزة وقدم رؤيته لذلك، وضغط على نتنياهو وحماس لتحقيق ذلك، تبين للجميع أن جوهر سياسته هي انهاء الحروب وليس بدايتها، والبدء بمرحلة جديدة من السلام الحقيقي، حتى أنه أجزم على ذلك في كلمته في شرم الشيخ بمصر أن حرب غزة انتهت، وأن اتفاق وقف إطلاق النار سيصمد.
ما فعله ترمب لم يكن مجرد انجاز سياسي فقط، بل كان تحولا كبيرا في مفهوم الوساطة الأميركية، فواشنطن التي كانت "راعية للسلام" منذ عقود طويلة، تحولت في عهده الى ضاغط رئيسي من أجل تنفيذ السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل وليس الرعاية فقط، وبهذا المعنى، فإن "خطة ترمب" ستكون بداية مرحلة جديدة لإنهاء الحروب والاعتراف بأنه لا يمكن القضاء على القضية الفلسطينية أو تصفيتها، وأنه لابد من إعطاء الفلسطينيين حقوقهم وإقامة دولتهم.
إن سياسات ترامب الجديدة تؤكد أنه يسعَ من جديد إلى معالجة الجذور الحقيقية للمشكلة، وأن ما فشل به الرئيس الديمقراطي السابق جو بايدن، نجح فيه هو مؤخرا، فركّز على انهاء المشكلة والحرب، والبدء في مشاريع اقتصادية وإعادة اعمار غزة وإعانة الناس في غزة المكلومين على العودة الى حياتهم الطبيعية، وعدم تجاهل جذور المشكلة الأساسية وهي الاحتلال، كما أنه منع إسرائيل من سلب الأرض وتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه بغزة، وحرم اليمين الإسرائيلي المتطرف من مخططاته التهويدية التي تهدف الى إقامة دولة إسرائيل من البحر الى النهر وتهجير أهالي القطاع إلى دول الخارج بعدما بدأ فعليا بهذا الأمر على أرض الواقع.
إن الرئيس ترمب رجل ذكي رسم خريطة جديدة للمنطقة، وقد لفت الأنظار في هذا السياق دعوة الرئيس الفلسطيني محمود عباس لحضور مراسم التوقيع في شرم الشيخ، وهي دعوة تحمل أبعادا سياسية عميقة، كاعتراف أمريكي ودولي بشرعية التمثيل الفلسطيني الرسمي، وخطوة لاحتواء الموقف الفلسطيني الرسمي وإشراكه في ترتيبات ما بعد الحرب.
كما أن زيارة الرئيس الأمريكي الى شرم الشيخ تكشف عن محاولة أمريكية لإرسال رسائل الى ما كان يسمى "محور المقاومة" وإيران خصوصا، بأن واشنطن ما زالت تمسك بخيوط اللعبة، وأنها قادرة على فرض ترتيبات إقليمية جديدة، وأن أي تحالفات جديدة لن تمر دون رد أمريكي سياسي ودبلوماسي، وأن واشنطن وحدها ما زالت تملك "مفتاح التسويات" بالمنطقة.
من المؤكد أن زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة وخطته لوقف إطلاق النار ونجاحه في إنهاء الحرب على غزة، تعتبر حدثا مفصليا يحمل دلالات تتجاوز مشهد المصافحة والبروتوكول السياسي، فالتحول الأمريكي يثبت من جديد أن هذا النجاح يعود إلى دبلوماسية الرجل القوي والذكي وأنه أولى من أي شخص في العالم بنيل جائزة نوبل للسلام.
هذه التحولات الترمبية في السياسة الأمريكية الخارجية وخصوصا تجاه القضية الفلسطينية، تطرح أسئلة حول إلى أي مدى يمكن أن يكون ترامب راعي وضاغط السلام بالمنطقة؟ وهل يمكن أن يضغط على إسرائيل لإقامة دولة فلسطينية في ظل وجود نتنياهو وائتلافه المتطرف؟ هل يعيد ترامب تعريف السلام بمعناه الحقيقي، القائم على العدالة وإنهاء الاحتلال لا على تزيينه مثل سابقيه؟