في ظل غياب أي أفق لحل سياسي حقيقي في المنطقة، تبقى حياة الفلسطينيين في الضفة الغربية معلقة بين الاجتياحات العسكرية الإسرائيلية للمدن والمخيمات والتوترات المستمرة، بينما يتفرج العالم على مأساة لا تنتهي، ليبقى الوضع في الضفة مقلقا، مع تصاعد العمليات العسكرية والمخاوف من تكرار سيناريو الدمار الذي شهدته مناطق في غزة، ليزداد القلق من أن تؤدي المبادرات المتزايدة لتشكيل لجان دفاع محلية إلى تصعيد أكبر في ردود الاحتلال، وما يرافقها عادة من عمليات تدمير واسعة للبنية التحتية والحياة المدنية.
وفي استراتيجية تعكس رغبة إسرائيل في تحييد أي تهديدات بالضفة الغربية، فإنها ترى أن تشكيل مثل هذه اللجان، رغم أنه ينطلق من حاجة السكان إلى حماية أنفسهم وممتلكاتهم، يمنحها ذريعة لمزيد من الاقتحامات والعمليات العسكرية، ولعل التجارب السابقة أظهرت أن أي مظهر للتنظيم الشعبي المسلح يُواجَه برد قاسٍ، غالبا ما يدفع ثمنه المدنيون الأبرياء.
ويعيش المدنيون في الضفة الغربية تحت وطأة الرعب، حيث أصبح اقتحام المدن والبلدات أمرا يوميا، فيما تتصاعد المخاوف من أن يتحول المشهد إلى نسخة جديدة مما يحدث في غزة، وبالتالي فإن استمرار هذه الاقتحامات ومواجهة اللجان الشعبية التي هدفها حماية المواطنين الأبرياء تعني المزيد من الدمار وسقوط المزيد من الضحايا، في وقت تواجه فيه القضية الفلسطينية برمتها من كارثة إنسانية غير مسبوقة.
ومع استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في الضفة وتزايد الحديث عن مواجهة أي تحرك فلسطيني على الأرض لحماية المواطنين واعتباره تهديدا أمنيا لاسرائيل، يبدو أن المنطقة تتجه نحو تصعيد جديد قد يكون أكثر عنفا مما شهدته الأشهر الماضية، خصوصا بعد عمليات الجيش الأخيرة التي خلفت دمارا كبيرا في الطرق والمباني وشبكات الخدمات العامة، والتحذيرات من أن استمرار دوامة التصعيد سيؤدي إلى استنزاف الموارد المالية والطاقات المحلية، مما سيجعل جهود الإعمار عرضة للإجهاض مرارا.
وحفاظا على شعبنا، فإن الظروف الراهنة تستدعي اعتماد استراتيجيات تحفظ أمن المجتمع دون التسبب بردود إسرائيلية مدمرة، وأن أي مبادرة للحماية الشعبية ينبغي أن تراعي مصلحة المواطنين أولا، بحيث لا تتحول المدن الفلسطينية إلى ساحات مواجهة دائمة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الفلسطينيون للحفاظ على أمنهم وكرامتهم، يقفون أمام معادلة صعبة، فبينما يسعون إلى تأمين الحماية المجتمعية لشعبنا، يجدون أنفسهم أمام الاحتلال الذي يرى في هذه التحركات مبررا لتوسيع عملياته، فما هو مستقبل اللجان الشعبية في مدن وبلدات الضفة الغربية؟ وكيف يستمرون بها دون إعطاء الاحتلال ذرائع للعدوان؟ سؤال يبقى مطروحا بقوة، في وقت يستمر فيه سباق السكان والبلديات مع الزمن لإعادة إعمار ما دُمّر، وللحفاظ على مقومات الحياة الأساسية وسط ظروف سياسية وأمنية بالغة التعقيد.