آن أوان الخروج إلى الشوارع.. الفرصة الأخيرة لإنقاذ المستقبل الفلسطيني

496770311_3734262900197109_8583362458925498667_n.jpg

لقد تجاوز الوضع في قطاع غزة، حاليا، مرحلة ما بعد الوقت الضائع بعد أن ضاعت غزة وضاع كل شيء، فقد خرج الأمر من يد الفلسطينيين، فالإسرائيلي وحده هو من يقوم بهندسة قطاع غزة ولم تعد مخارج للفلسطينيين من تلك التي يناقشونها بصخب بين خروج حماس من المشهد وبقائها، وربما تأخرت كل الاقتراحات أيضا، فالسياسة دوما محكومة باللحظة وما كان يقال قبل أشهر لم يعد ابن هذه اللحظة فقد تأخر كل شيء، نعم لقد تأخر كل شيء.

وبعد القراءة السطحية لحركة حماس لوقائع الميدان الأكثر تعقيدا، والخطأ الفادح للتقديرات سواء تقدير ردة الفعل الإسرائيلية المدمرة على "السابع من أكتوبر" أو تقديرها بأن الجيش الإسرائيلي لن يدخل حربا برية، وفي اعلان إسرائيل ووسائل اعلام عربية اغتيال محمد السنوار وعدد كبير من قادة حماس، ووسط حالة الانهيار الإنساني في غزة، والجمود السياسي في الضفة الغربية، تقف القضية الفلسطينية عند مفترق طرق تاريخي.

وبعد كل تلك القراءات يبدو أن القضية الفلسطينية برمتها تقف امام خيارين، فإما استمرار التآكل والانقسام، أو أن يتحرك الشعب الفلسطيني، بكل أطيافه، ليأخذ زمام المبادرة بيده، عبر خروج جماهيري واسع يطالب بتجديد القيادة، وتوحيد الصف، وإعادة تعريف المشروع الوطني.

وتعود أهمية الخروج الشعبي الآن لعدة أسباب أهمها: غياب القيادة الفعالة، وضعف الحركات السياسية، من حماس إلى فتح، اللتان تعيشان حالة عجز أو فقدان للشرعية، فالانقسام بين الضفة وغزة شلّ مؤسسات الحكم، وأفقد الشارع الفلسطيني الثقة بقياداته.

كما أن الفراغ الناتج عن مقتل القادة، يفتح الباب أمام خيارات جديدة لا ترتبط بمنظومة السلاح فقط، بل بمنظومة الشعب، بالإضافة الى ترقب المجتمع الدولي بعد التغيرات في المزاج الدولي مؤخرًا، وزيادة التعاطف مع الفلسطينيين إثر الجرائم المرتكبة في غزة، فإن خروجًا شعبيًا واسعًا وسلميًا سيكون له صدى دولي ضخم.

ولكن ما الذي يمكن أن يحققه الحراك الشعبي؟، دعنا نكون متفقين على أن الشارع هو القوة الوحيدة القادرة الآن على فرض المصالحة الفلسطينية الحقيقية، بعيدًا عن حسابات الدول والتمويل والانتماءات الفصائلية، بالإضافة الى الدعوة إلى انتخابات شاملة، مربوطة بجدول زمني واضح لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني، تفرز قيادة جديدة من رحم الشارع.

ولا يخفى الأهم من كل ذلك، هو إعادة الاعتبار للناس كمصدر للشرعية، في ظل غياب الديمقراطية والمحاسبة، فإن الحراك الشعبي يعيد تعريف الشرعية السياسية على أساس الإرادة الشعبية، لا على أساس السلاح أو الاعتراف الدولي.

لقد وصل الناس في غزة إلى القاع، في ظل دمار غير مسبوق، وفقدان الأمل في كل القوى السياسية. في الضفة، القمع الداخلي والتنسيق الأمني عمّق الإحباط. حين تصل الشعوب إلى هذا الحد، إما تنهار، أو تثور.

كما أن العدو لا يريد السلام ولا الدولة، ولا أي أفق سياسي. وهذا يجعل من الضروري أن يفرض الشعب الفلسطيني معادلة جديدة، خصوصا وأن الجيل الجديد حاضر وبقوة، فالشباب الفلسطيني اليوم متعلّم، واعٍ، غاضب، غير مرتبط بالفصائل، ومتشبث بحقوقه. وهو جاهز لقيادة حراك نقي، بعيد عن الحسابات القديمة.

ومع ذلك، فإن هناك العديد من العقبات والتحديات المتوقعة، مثل القمع الداخلي، سواء في الضفة أو في غزة، فحماس وفتح لن يرحبا بأي تحرك يعارض سلطتهما، بالإضافة الى غياب التنظيم، فالحراك العفوي دون تنسيق أو قيادة بديلة، قد يتفكك أو يُخترق، وليس انتهاء بالإرهاق المجتمعي، بسبب الحروب، الفقر، والدمار التي أرهقت الناس جسديًا ونفسيًا، مما يصعّب الحشد.

لكن الحقيقة، أنه لا يوجد حراك شعبي حول العالم يأتي في ظروف مثالية. معظم الثورات تولد من رحم المعاناة، لا من ترف الانتظار، لأن الشعب هو القائد الحقيقي.

قد تكون هذه الفرصة الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من المشروع الوطني الفلسطيني. على الشعب أن يتحرك لا من أجل حزب، ولا فصيل، بل من أجل حقه في الحياة، والمستقبل، والحرية. السكون الآن يعني ترك المصير بأيدي الآخرين. أما الخروج الجماهيري الواعي، فهو بداية الطريق نحو كسر الحصار السياسي، قبل الحصار الجغرافي.

أغلب الظن أن الزمن تجاوز ما يمكن فعله، لأن السياسة ابنة لحظتها وحين تفوت لا تفيد العودة لها متأخرا لأن الوقائع تكون قد أنتجت مناخات مختلفة، ومن لم يلتقط اللحظة المناسبة يدفع الثمن مضاعفا وهذا ما حدث، أما الآن لم يفت كل شيء أمام الشعب صاحب القرارات والشرعيات…!