الحقيقة التي لابد من الاعتراف بها، هي أن حركة حماس كتنظيم فلسطيني قد تورطت، ولم تأتِ الرياح بما اشتهت سفنها، وتورط معها شعبا كاملا يعيش تحت الإبادة وقضية أصبحت تصارع الموت، وما كنا نقاتل لأجله الاحتلال منذ أكثر من 77 عاما، عاد إلى نقطة الصفر أو أقل، وكأننا نعود بالزمن للخلف ونعيش النزوح والهجرة والخيام والجوع، بعد عملية السابع من أكتوبر معروفة النتائج من قبل.
لكن قادة الحركة الذين لم يقرأوا التاريخ جيدا أو قرأوه من زاوية محدودة جدا، لا بد أن يوقعونا معهم حين استولوا على القرار في عملية السابع من أكتوبر 2023، لنبدأ البحث عن مخرج لا يبدو في الأفق حاليا، بعدما وقع أهل غزة فريسة تحت أنياب آلة الدمار الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من عام ونصف من القتل والوحشية والابادة.
يبدو أن حماس لم تدرك بعد أنها نفذت عملية انتحارية جماعية دون حساب العواقب في منطقة وصراع يحتاج الكثير من الحسابات، ضد دولة يحتاج الصراع معها إلى عقل وليس إلى عضلات وعنجهيات وعنتريات، لتبدأ العديد من المناطق في قطاع غزة بما يمكن تسميته بـ"العصيان" ضد ذراعها العسكري القسام، وخصوصا منطقة درج التفاح وسط مدينة غزة القديمة، والذي شهد في الأيام الأخيرة توترا متصاعدا بفعل وجود كتيبة مسلحة تتخذ من أحد الأحياء مركزا لنشاطها، الأمر الذي يُقلق سكان المنطقة الذين يعيشون حالة من الخوف والقلق الدائم بفعل الحرب الوحشية.
لم تصل حماس إلى النتيجة التي أفرزتها نتائج الميدان بالهزيمة العسكرية، وهذا الأمر بالمناسبة كان آخر ما يريده الفلسطيني الذي لا يحتمل هزائم، بمعنى أن التلكؤ بالاعتراف بها يعني ثمنا أكبر من أن يحتمله شعب وجد نفسه محاطا بالإسرائيلي من جهاته الأربع، والذي لا يكتفي بالإبادة والسحق بل يستكمل إذلال الشعب بالتجويع والتهجير وهذا الأمر أقسى من الموت ذاته.
وفي الوقت الذي عادت فيه القضية إلى 77 عاما للوراء، حيث أصبح الشعب يبحث عن خيمة وكسرة خبز تسكت جوعه، يشتكي سكان "حي الدرج" من هذه الكتيبة، التي باتت تُفرض نفسها بقوة، وتتصرف بطريقة تثير القلق والانزعاج، بعدما أصبحت تحركات أفرادها وتصرفاتهم اليومية مصدر إزعاج للأهالي هناك، سواء من حيث الظهور المسلح أو التدخل في الشؤون اليومية.
وبينما كان ينبغي على قادة حماس بالبحث عن سبل لوقف الدمار والقتل والتخفيف عن شعبنا أو ما كانوا يطلقون عليه "الجبهة الداخلية" والحاضنة الشعبية، يمارس عناصر "الكتيبة" نفوذا واسعا في المنطقة، ويتحركون بشكل علني، ما يفرض أجواء من الترهيب، ويقوّض الإحساس بالأمان، بل ويمارسون تهديدا مباشر وغير مباشر للناس هناك، لا سيما أولئك الذين يُبدون تحفظاً على وجود الكتيبة أو يحاولون التعبير عن مواقف مستقلة، في موقف متناقض تماما مع المفروض والواقع.
وما يزيد الطين بلة، هو فشل محاولات هذه الكتيبة مرارا وتكرارا في تجنيد عدد من الشبان، وهذا نتيجة حتمية للرفض الشعبي وتخوف الأهالي من تورط أبنائهم في أعمالها العسكرية وأن يكونوا "حطبا" للمحرقة التي تقوم بها حماس، وهذا ما يجعل الوضع في حي الدرج بالتفاح هشاً، في ظل تصاعد القلق من تفجّر الأوضاع في حال استمرار الكتيبة في فرض وجودها بالقوة، فهل هذا ما يجب أن يجري لشعب مكلوم؟ .. لما لا ونحن في عصر القادة المغامرون؟