صدق من قال إن غزة لا تعرف بطالة الحروب، حتى بات هذا الشعار هو التوصيف الحقيقي لما يعيشه سكان القطاع المحاصر تحت الإبادة، حتى باتت مهنتها الرسمية أنها تصارع للتحرر والبقاء على قيد الحياة منذ سنوات، حتى أصبح شغلها الشاغل، إلى أن جاءتها هذه الحرب التي يمكن أن نطلق عليها "أم الحروب" لما وقع عليها من سحق وظلم ودمار وصل إلى حد السماء من الاحتلال ومن "ذوي القربى" وهو أشد مضاضة.
فأهل غزة يعانون حروبا كثيرة تحت ظل حرب الإبادة الاسرائيلية، أبرزها حرب شنيعة، يمكن التعبير عنها بأنها حكم غزة تحت إمارة وحدة "سهم"، التي كان المفروض منها أن تطبّق القانون خصوصا وأنها كانت وحدة خاصة تابعة لجهاز الشرطة الفلسطينية، لكنها مع مرور الوقت تحولت إلى كيان يخشاه الناس، ليس بسبب فعاليتها في محاربة الجريمة، بل بسبب ما يُنظر إليه على أنه استخدام مفرط للقوة، وسط غياب المحاسبة والشفافية.
ووفقا لما أظهرته الكثير من مقاطع الفيديو المنتشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فإن عددا من الملثمين يطلقون النار على أقدام شبان آخرين في إحدى شوارع قطاع غزة، بتهمة السرقة، تحت شعار "وحدة سهم"، إذن من الذي أعطاهم الأمر بإطلاق النار وتطبيق ما يسمى "القانون"؟ وهل هم يتبعون إلى وحدة سهم فعلا؟ ومن يؤكد لنا أنهم ليسوا قوات إسرائيلية خاصة؟
أليس من الغريب أن يتم إطلاق النار على هؤلاء "الحرامية" ومحاسبتهم فورا، وترك المجال أمام جشع وظلم التجار الكبار "الحيتان" في أسعار السلع التي أصبحت في عشرات الأضعاف وتضاهي أسعار أغلى الدول حول العالم؟ ولماذا تصمت بشكل مطلق على وصول أسعار كيس الطحين إلى 1500 شيكل؟ والأمر مستمر بالنهج ذاته منذ أسابيع.
إذا كان هؤلاء الملثمين الذين تقول بعض الفيديوهات أنهم تابعون لوحدة "سهم"، لا يحمون الناس فعلا من الاستغلال والاحتكار، وتطلق النار على المواطنين تحت حجة أنهم "حرامية"، ألا ينبغي عليهم متابعة أسعار المواد الغذائية وأهمها الطحين ثم أدوات النظافة الشخصية التي ارتفعت الى ثلاثة أضعاف هذه الأيام؟ ولماذا تصمت على الكثير من الانتهاكات التي تجري في غزة؟
والأدهى من ذلك كله، لماذا تصمت وحدة "سهم" على استغلال أصحاب محلات الصرافة للناس، عبر أخذهم "خاوة" نسبة تصل إلى 35% على أي حوالة تصل من الخارج، أو من الموظفين الذين يتلقون رواتبهم من البنوك الفلسطينية، بذريعة عدم وجود سيولة نقدية؟
أليس من المعقول أن يكون كل هذا منظم ومتوافق عليه مع حماس التي تقف وراء "سهم"، وهناك مكاسب من خلفه وأشخاص مسؤولين متورطين مسكوت عنهم من قادة الحركة؟
والغريب هو اعتماد وحدة "سهم" التكتيكات العسكرية في تعاملها مع المدنيين، وتنتشر لها مقاطع فيديو كثيرة عبر قناتها عبر تلغرام توثق عمليات مداهمة، اعتقال، وإعدام ميداني لأشخاص تصفهم بـ"المطلوبين" أو "المجرمين" وتكسير ممتلكات المواطنين وإطلاق النار على أفراد دون محاكمة أو مبرر قانوني واضح، هذه المشاهد تعكس تحوّلا خطيرا في دورها، من جهة أمنية تُعنى بتطبيق القانون إلى قوة تتعامل مع السكان بلغة العنف والترهيب، الأمر الذي زاد من حالة التوتر والخوف في الشارع الغزّي.
إن هذه التحولات في عقيدة "سهم" تُشير إلى صعود نمط من "العدالة الفورية" التي تُقصي القانون الطبيعي والإجراءات القضائية، وتستبدلها بمنطق السلاح والعقوبة المباشرة، ورغم ادعاء الوحدة أنها تحارب الفوضى وتحمي المجتمع، فإن طريقة عملها تخلق بيئة من الخوف الدائم وانعدام الثقة بين المواطن ومؤسسات السلطة.
"لا قيمة للكلام في حضرة الدم" كما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش عن رفضه الكتابة أثناء حرب بيروت، لقد تعب الكلام ولم يعد يجدي كل ما يقال، فماذا يعني أن تكتب وسط بحر من الدم؟،، على حماس وقادتها أن تجيب.