كشف مصدر عسكري سوري معلومات جديدة حول ما يجري من تحركات في منطقة الضمير التابعة لريف دمشق، والتي تضم أحد أهم المطارات العسكرية في سوريا، وقال إن هذه المنطقة هي محور اهتمام أمريكي كبير في المرحلة القادمة؛ نظرًا لأهميتها الاستراتيجية.
وقال المصدر في تصريحات لـ"إرم نيوز"، إن الولايات المتحدة الأمريكية تستعد لإنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في مطار الضمير العسكري، مشيرًا إلى أن هذه الخطوة تأتي ضمن الخطة الأمريكية القاضية بتقليص عدد القواعد وأماكن انتشار القوات الأمريكية في سوريا وتركيزها في عدة قواعد رئيسة "محصنة" من بينها مطار الضمير.
يكشف المصدر أن مجموعة من المهندسين من لواء الطيران القتالي الثالث في سلاح الجو الأمريكي وصلوا في يوم 30 مارس/ آذار الماضي، إلى مطار الضمير العسكري، برفقة تشكيلات صغيرة من مقاتلي اللواء الأول القتالي "ST Brigade Combat Team 1" ومقاتلي الفرقة الجبلية العاشرة "10th Mountain Division" التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية.
وأضاف أن هذا التحرك لم يكن منفردًا، إذ رافقهم عدد من مقاتلي "جيش سوريا الحرة" المدعومين من قوات التحالف الدولي بقيادة النقيب علاء أبو محمود، بالإضافة إلى وحدات من قوات الصناديد التابعة لقوات سوريا الديمقراطية تحت إشراف حسن علي الأحمد.
وفقًا للمصدر العسكري السوري، جاءت زيارة المهندسين ضمن جولة تفقدية شاملة للتعرف على الوضع الراهن للبنية التحتية للمطار وإعداد دراسة لإعادة تأهيله بشكل كامل استعدادًا لإنشاء قاعدة عسكرية أمريكية، يُتوقع من خلالها نشر أنظمة الطائرات بدون طيار من طراز (MQ-1C Gray Eagle ) بهدف تعزيز قدرات المراقبة والاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية.
توازن قوى جديد
يرى المصدر أن هذا التطور الأخير قي الضمير لا يقتصر على دعم عمليات محاربة تنظيم "داعش" في البادية السورية فحسب، بل يسعى أيضًا إلى توسيع نفوذ "جيش سوريا الحرة" من خلال تأمين الدعم الجوي الأمريكي والبريطاني في المنطقة.
كما يأتي إنشاء القاعدة ضمن إعادة تشكيل استراتيجية الانتشار العسكري الأمريكي شرق دمشق، بحسب المصدر، حيث تهدف هذه الخطوة إلى تعديل توازن القوى الإقليمي وإثارة تحديات جديدة أمام تركيا، خاصة بعد محاولات الحكومة التركية إنشاء قاعدة جوية خاصة بها في سوريا.
وتذكر المصادر أن تركيا أرسلت بالفعل، في مطلع فبراير / شباط 2025، وفدًا عسكريًا من وزارة الدفاع التركية برحلة تفقدية إلى مطار الضمير، ضمَّ وفدها مجموعة من الخبراء الفنيين وضباط القوات الجوية لدراسة إمكانية التوسع في المطار وإنشاء معسكرات تدريبية وتركيب مدرجات إضافية لاستيعاب مقاتلات الـ F-16 والطائرات العسكرية، إضافة إلى نشر أنظمة أسلحة جوية وبرية على محيط المطار، لكن هذا المسعى اصطدم برفض إسرائيلي حاسم.
وشهدت المنطقة تحركات سابقة من قبل "جيش سوريا الحرة"، حيث انفرد "إرم نيوز" بنشر معلومات عن دخول هذه القوات المدربة أمريكيًا إلى مدينة الضمير للسيطرة على المدينة وفرض طوق أمني محيط بالمطار.
ويقول المصدر العسكري السوري إن مجموعات الهندسة التابعة لـ "جيش سوريا الحرة" نفذ حملات تمشيط لإزالة وتفكيك الألغام في محيط المطار، بهدف تأمين نقطة استراتيجية ذات أهمية لوجستية وعسكرية.
كما تمهّد التحضيرات لمرحلة لاحقة من خلال وصول مجموعات قتالية من عدة وحدات أمريكية مثل فرقة المشاة الرابعة، والفرقة الجبلية العاشرة، واللواء الأول إلى قاعدة التنف بتاريخ 23 مارس 2025، وذلك لإجراء تدريبات عسكرية مشتركة مع مقاتلي "جيش سوريا الحرة". شملت هذه التدريبات عمليات الإنزال الجوية النهارية والليلية، التي شهدت إشراف ضباط أمريكيين، في خطوة تهدف في نهاية المطاف إلى نقل هذه الوحدات إلى مطار الضمير العسكري.
أبعاد استراتيجية
يقول المصدر العسكري إن التحركات الأمريكية والقوات العسكرية المحلية المرتبطة بها في ريف دمشق، تكشف عن بُعد استراتيجي يتخطى إطار مكافحة الإرهاب؛ فقد أصبحت الحرب على تنظيم "داعش" عنصرًا رئيسًا في استراتيجية المطورين العسكريين في المنطقة.
ويشير إلى أن نشر أنظمة الطائرات بدون طيار مثل MQ-1C Gray Eagle يعزز قدرات المراقبة والاستطلاع ضد تحركات "داعش" في البادية السورية؛ ما يُمكّن القوات الأمريكية والحلفاء من استجابة سريعة لحالات تجدد التهديد الإرهابي.
الهدف الأهم بحسب المصدر، يتعلق بمساعي وخطط إسرائيلية "مدعومة أمريكيًا، لإنشاء ما يسمى "ممر داوود" في الأراضي السورية، حيث تعمل إسرائيل منذ سقوط نظام الأسد على احتلال مساحات واسعة من الجنوب السوري وشق واستحداث الكثير من الطرقات فيها.
ويرجح المصدر أن تقوم تل أبيب بخلق خطّ "عسكري" من جنوب إلى شرق سوريا، فتطوق عبر هذا الممر جنوب لبنان، وتحيط بالأردن من الجهة الشمالية وليس من الجهة الغربية فقط، وتتمدد باتجاه الحدود مع العراق. حيث ترتكز إسرائيل في هذا المسعى إلى استحضار توراتي لإنشاء خط "ممر داوود"، في محاولة منها لربط المناطق التي تسيطر عليها في الجنوب السوري وانطلاقًا منه باتجاه شرق سوريا، ليكون لها صلة جغرافية وخط مباشر باتجاه المناطق الكردية، لتصبح على حدود العراق.
أهداف أخرى
ومن الجهة الأخرى، يعتقد المصدر، أن مراقبة التحركات الحكومية السورية الجديدة هي من المسائل المحورية في الرؤية الخطة الأمريكية، خاصة في ظل المخاوف المتعلقة بنقل وتداول الأسلحة الكيميائية. فمع إمكانية وجود أكثر من مئة موقع يُشتبه باحتوائه على أسلحة كيميائية، أصبحت مراقبة نقل هذه الأسلحة وضمان عدم انتهاك الحدود القانونية والدولية أولوية قصوى؛ ما يتطلب تعاونًا دوليًا مشتركًا مع منظمات متخصصة مثل منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
ووفقًا للمصدر، تكتسب مراقبة التحركات التركية والروسية أهمية خاصة في هذا السياق؛ إذ تسعى تركيا لتعزيز نفوذها عبر إنشاء قواعد خاصة بها وزيادة تواجدها العسكري في المنطقة، بينما تتابع روسيا هذه التحركات بحذر شديد؛ ما يزيد من تعقيد التوازنات الإقليمية ويضع السيناريو في إطار تنافسي جديد بين القوتين.
ويخلص المصدر إلى أنه "في حال بقاء الإدارة السورية الجديدة على موقف غض الطرف تجاه انتهاكات الفصائل الأجنبية، فإن ذلك قد يؤدي إلى تفاقم الفوضى وتعزيز موقف هذه الفصائل؛ ما قد يفتح الباب أمام زيادة التدخلات الخارجية وتصاعد التوترات في المنطقة.