فصائل المقاومة تتمسك بالصفقة الشاملة لإنهاء حرب غزة: التجزئة تخدم نتنياهو

رام الله الإخباري

أغلقت حركة حماس الباب خلال الفترة الأخيرة أمام أي صفقة جزئية محدودة يرغب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في إبرامها، مقابل وقف إطلاق نار محدود لفترة لا تتجاوز خمسة أسابيع نظير الحصول على عدد كبير من أسراه الأحياء. وجاء الإعلان الذي تحدث به رئيس الحركة في غزة ورئيس وفدها التفاوضي خليل الحية، في 17 إبريل/نيسان الحالي، بمثابة حصر للخيارات في الصفقة الشاملة لإنهاء حرب غزة أو اتفاق الرزمة الذي ينص على تسليم كافة المحتجزين الإسرائيليين مقابل انسحاب إسرائيلي شامل من غزة ووقف فوري للحرب وتبادل الأسرى والمحتجزين.

وقدمت الحكومة الإسرائيلية أخيراً عرضاً لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية يقوم على تبادل الأسرى جميعهم خلال فترة 45 يوماً، على أن يتم البحث في إنهاء الحرب إلى جانب نزع السلاح وبحث شكل اليوم التالي، وهو ما ترفضه المقاومة.

وسبق أن عرض الوسطاء على "حماس" الإفراج عن الجندي الإسرائيلي من أصول أميركية عيدان ألكسندر الذي فقد الاتصال به وبمجموعته الآسرة له أخيراً، وفقاً لإعلان كتائب القسام، الجناح العسكري لـ"حماس"، في 15 إبريل، بعد قصف إسرائيلي طاولهم.
وبحسب معلومات لـ"العربي الجديد"، فإن اتصالات جرت بين أطراف أميركية معنية بملف التبادل والوسطاء القطريين والمصريين، طلبت معلومات عن المحتجز عيدان، بعد إعلان "القسام" الأول بشأن فقدان الاتصال بالمجموعة التي يوجد معها. ولاحقاً، أعلن المتحدث العسكري باسم "القسام"، أبو عبيدة، (يوم السبت 20 إبريل) أنهم تمكنوا من انتشال شهيد كان مكلفاً بتأمين الأسير عيدان ألكسندر، فيما لا يزال مصير الأسير وبقية المقاتلين الآسرين مجهولاً، متهماً الاحتلال بتعمد قصف أسراه وقتلهم.

ويتزامن الأمر مع تصعيد ميداني يشهده القطاع في ظل استئناف الحرب على غزة منذ 18 مارس/آذار الماضي، وإغلاق المعابر تماماً منذ 2 مارس ضمن الإجراءات التي اتخذتها حكومة نتنياهو للضغط على حركة حماس.

لا صفقات جزئية لإنهاء حرب غزة

في الأثناء، يؤكد القيادي في "حماس" محمود مرداوي، أن الحركة ترفض بالقطع الصفقات الجزئية، إذ إنها تُستخدم من الاحتلال الإسرائيلي أداة لتفكيك الملف الفلسطيني، وكسب المزيد من الوقت دون إنهاء حرب غزة أو تقديم أي تنازلات حقيقية. ويوضح مرداوي في حديث لـ"العربي الجديد" أن هذا النوع من الصفقات لا يتناسب مع حجم التضحيات التي قدّمها الشعب الفلسطيني، ولا يضمن استمرارية وقف العدوان، إذ إن الحركة تخشى من تكرار تجارب سابقة أخَلَّ فيها الاحتلال بالتزاماته، رغم أنه استعاد خلالها نسبة عالية من محتجزيه.

ويشدد القيادي في "حماس" على أن الحل من وجهة نظر الحركة يتمثل في التوصل إلى الصفقة الشاملة التي تتضمن عدة عناصر مترابطة لا يمكن فصلها أو التعامل معها بصفتها ملفات مستقلة، فالصفقة الشاملة يجب أن تقوم على وقف العدوان، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، ورفع الحصار، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى صفقة تبادل أسرى مشرّفة تحفظ كرامة الأسرى.

وبحسب مرداوي، فإن هذه الملفات مترابطة، ولا تقبل التجزئة بأي شكل من الأشكال، في ظل تمسك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، بالصفقات المحدودة، والذي لا يهدف إلا لإنقاذ حكومته المتداعية، في ظل الضغوط الداخلية المتصاعدة، والتراجع الحاد في شعبيته، فضلاً عن تصاعد الضغوط الدولية.

من جهته، يقول المتحدث باسم حركة الجهاد الإسلامي محمد الحاج موسى، أن الحركة ترفض الصفقات الجزئية مع الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن التجربة أثبتت أن الاحتلال لا يتعامل مع هذه الصفقات باعتبارها خطوات نحو التهدئة أو التسوية، بل فرص مؤقتة لكسب الوقت وتنفيذ مزيد من العدوان.

ويضيف الحاج موسى، في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "في مقاربة أي صفقة، ما يعنينا بالدرجة الأولى هو النتائج الفعلية على الأرض، إذ إن الهدف الأساسي لحركة الجهاد الإسلامي، يتمثل في وقف العدوان نهائياً، وضمان تحقيق الأمن لأهلنا في قطاع غزة من خلال انسحاب كامل لقوات الاحتلال". وبرأيه، فإن "العدو لا يزال يرفض إنهاء الحرب، وتُعلن حكومة الاحتلال ذلك بوضوح على لسان رئيسها ووزرائها. لذلك، فإن أي صفقة يجب أن تشمل وقفاً دائماً لإطلاق النار، وانسحاباً كاملاً من القطاع، وفتح المعابر، وخروج الاحتلال من محوري صلاح الدين ونتساريم، ورفع الحصار، والسماح بإدخال المستلزمات الأساسية، إلى جانب إعادة إعمار ما دمّره العدوان".

وعن أسباب رفض فصائل المقاومة للصفقات الجزئية، يبيّن المتحدث باسم الجهاد الإسلامي أن الموافقة السابقة على بعض البنود لم تكن موافقة على صفقة مجتزأة، بل على صفقة شاملة مقسّمة على مراحل. ويوضح الحاج موسى أن "حكومة نتنياهو تنكرت للاتفاق وخرقته، وتحاول بدعم أميركي أن توهم العالم بأن ما جرى كان صفقة جزئية، بينما الحقيقة هي أن المقاومة كانت تنتظر الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق". أما اليوم، فيشرح أن الاحتلال "يحاول مجدداً فرض هدنة مؤقتة تمتد لأيام أو أسابيع، بهدف استعادة أكبر عدد ممكن من أسراه دون التزام حقيقي بوقف العدوان، ونحن نرى أن هذه مجرد مناورات هدفها استمرار حرب الإبادة"، مشدداً على أن "المقاومة ترفض منح الاحتلال فرصة إضافية لمواصلة جرائمه".

وفي ما يتعلّق بموقف فصائل المقاومة، يشدد الحاج موسى على أن هناك تشاوراً وتنسيقاً كاملين بين كل القوى، وعلى رأسها "حماس" التي تدير المفاوضات، فالجميع متفق على ضرورة تحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها وقف العدوان. ويستكمل: "نحن في حركة الجهاد، وكل قوى المقاومة، نثق بقيادة الإخوة في حركة حماس للمفاوضات، وهناك إجماع وطني على عدم القبول بأي اتفاق لا يتضمن وقفاً كاملاً للعدوان، وانسحاباً شاملاً لقوات الاحتلال من القطاع". وبرأيه، فإن "تجربة التنكر للاتفاق وخرقه عزّزت هذا الموقف الجماعي".

وتشهد الفترة الحالية توقيع عشرات الآلاف من الإسرائيليين على عرائض تدعو لوقف حرب غزة وإبرام صفقة تبادل والانسحاب من القطاع، ومن بين الموقعين مسؤولون بارزون في المستوى الأمني والعسكري وحتى الشرطي، بالإضافة إلى ضباط وجنود احتياط في جيش الاحتلال.

محاولة لخلق ثغرة

بدوره، يرى مدير مركز عروبة للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، أحمد الطناني، أن ما قدّمته "حماس" يأتي ضمن محاولة جادة لخلق ثغرة تفاوضية في جدار الاستعصاء السياسي القائم، بعد أن بات واضحاً أن إسرائيل تحاول تحقيق مكاسب سياسية من خلال المفاوضات، بعد عجزها عن تحقيق أهدافها عبر العدوان العسكري.

ويقول الطناني، لـ"العربي الجديد"، إن الحركة تحاول من خلال طرح "الرزمة الشاملة" إعادة صياغة معادلة التفاوض، وتقديم بديل تفاوضي متكامل لا يجعل من المقترحات الإسرائيلية، سواء الأخيرة أو تلك التي حملها المبعوث الأميركي ستيف ويتكوف، الخيار الوحيد المطروح، وبهذا الطرح، تسعى الحركة إلى كسر حالة الجمود وتحسين شروط النقاش، خصوصاً في ظل تصاعد الدعوات الدولية للبحث عن تسوية شاملة.

ويعرب الطناني عن اعتقاده بأنه في البعد الأعمق، يتجاوز عرض "الرزمة الشاملة" مسألة تبادل الأسرى، ليحمل سردية متكاملة تعيد تموضع الحركة، لا بوصفها معرقلة للمفاوضات، بل طرفاً مسؤولاً يسعى إلى وقف حرب غزة وفتح أفق سياسي شامل. ويلفت إلى أن العرض يفتح الباب لنقاش ترتيبات تهدئة بعيدة المدى، تُقارب ملف سلاح المقاومة ضمن إطار أوسع يرتبط بمستقبل القضية الفلسطينية ككل، خصوصاً أن الخطة المصرية لإعادة الإعمار، التي اعتُمدت في القمة العربية، تربط بين ملف السلاح والأفق السياسي للفلسطينيين وحقّهم في إقامة دولتهم المستقلة على حدود 1967.

ووفقاً للطناني، فإنه رغم المبادرات المتكررة، تبدو الأزمة التفاوضية في حرب غزة أشبه بحالة استعصاء مفتوحة، قد لا تُكسر إلا بمعجزة سياسية، فالمؤشرات الإقليمية والدولية الآخذة في التراكم، تميل بوضوح إلى محاصرة المقاومة، وتضييق هوامش مناورتها السياسية والعسكرية.

ويؤكد أن حركة حماس وفصائل المقاومة الفلسطينية تُدرك أن الواقع القائم يتطلب مقادير عالية من المرونة الذكية والمناورة الدقيقة، لفتح ثغرات ممكنة في جدار العدوان والتصعيد، إذ إن المواجهة، كما ترى المقاومة، وفق قوله، لا تنتهي مع توقف صوت المدافع، بل تمتد إلى مرحلة أكثر خطورة، إذ تعمل حكومة الاحتلال بمكوناتها الأكثر تطرفاً، على مراكمة خطوات تصفية القضية الفلسطينية برمّتها، بل تهديد الوجود الفلسطيني ذاته، سياسياً وجغرافياً.

العربي الجديد