أبو محمد الجولاني.. من "القاعدة" إلى صدارة المشهد السوري

انتقل أبو محمد الجولاني الذي أعلنت قواته فجر الأحد، هروب الرئيس السوري بشار الأسد مع دخولها دمشق، بعد سيطرتها بسرعة مذهلة على مناطق عدة في سورية، من خطاب إسلامي إلى نوع من الاعتدال في مسعى واضح لتغيير صورته.

وكان زعيم هيئة تحرير الشام، جبهة النصرة سابقا التي كانت تشكل فرع تنظيم القاعدة في سورية، أكد أن الهدف "يبقى" بالنسبة اليه والفصائل المعارضة "إسقاط نظام" بشار الأسد الذي يتولى السلطة منذ العام 2000.

ودعا الجولاني، الأحد، مقاتليه إلى عدم الاقتراب من المؤسسات العامة، مؤكدا أنها ستبقى تحت إشراف رئيس الوزراء السوري حتى "تسليمها رسميا"، بعد إعلان المعارضة إسقاط الأسد.

وتخلى الجولاني الطويل القامة ذو البنية القوية واللحية السوداء والعينين الثاقبتين، تدريجا عن العمامة البيضاء التي كان يضعها في بداية الحرب ليرتدي زيا عسكريا وأحيانا الزي المدني.

وجال قلعة حلب التاريخية، ثاني أكبر مدن سورية، بعدما سيطر مقاتلوه عليها، وأرسل "تطمينات" إلى المسيحيين بأنهم لن يتعرضوا للأذى.

ثم أعلن السيطرة على حماة في وسط البلاد، وقال إنه لن يكون هناك "ثأر" للمجزرة التي ارتكبت في المحافظة على أيدي قوات الرئيس السابق ووالد الرئيس الحالي حافظ الأسد قبل عقود، بعد انتفاضة للإخوان المسلمين.

وتسارع تقدم الفصائل المعارضة وصولا إلى دمشق فجر الأحد.

منذ انفصال تنظيمه عن القاعدة في العام 2016، يحاول الجولاني تغيير صورته وتقديم نفسه في مظهر أكثر اعتدالا، من دون أن يتمكن فعلا من إقناع المحللين أو حتى الحكومات الغربية التي تصنف هيئة تحرير الشام مجموعة إرهابية.

ويقول المتخصص في المجموعات الإسلامية في سورية توما بييريه لوكالة فرانس برس "إنه متطرف براغماتي".

ويوضح الباحث في المركز الوطني للبحث العلمي في فرنسا أنه "في العام 2014، كان في ذروة تطرفه من أجل أن يفرض نفسه في مواجهة تطرف تنظيم داعش (الذي كان في ذروة سيطرته وقوته في سورية آنذاك)، قبل أن يعمد لاحقا إلى التخفيف من حدّة تصريحاته".

وفي مؤشر جديد على رغبته في تغيير صورته، بدأ بعد بدء هجوم الهيئة والفصائل ضد القوات الحكومية في 27 تشرين الثاني/نوفمبر، بتقديم نفسه باسمه الحقيقي أحمد الشرع، بدل اسمه الحركي.

ولد الشرع في العام 1982، ونشأ في حي المزة بدمشق، في كنف عائلة ميسورة وبدأ دراسة الطب.

في العام 2021، قال في مقابلة مع محطة بي بي اس (PBS) الأميركية العامة أن اسمه الحركي - أبو محمد الجولاني - مستوحى من أصول عائلته المتحدّرة من مرتفعات الجولان.

وقال إن جده نزح من الجولان بعد احتلال إسرائيل لجزء كبير من هذه الهضبة السورية عام 1967.

وبحسب موقع ميدل إيست آي الإلكتروني، "بدأت أولى علامات الجهاد تظهر في حياة الجولاني" بعد اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، و"بدأ بحضور خطب دينية واجتماعات سرية في ضواحي دمشق".

بعد الاجتياح الأميركي للعراق في العام 2003، توجه للقتال في البلد المجاور لسورية، حيث انضم إلى تنظيم القاعدة بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، قبل أن يسجن لمدة خمس سنوات.

بعد بدء الحراك الاحتجاجي ضد الأسد في العام 2011، عاد إلى وطنه ليؤسس جبهة النصرة التي أصبحت في ما بعد هيئة تحرير الشام. في 2013، رفض التقرب من أبي بكر البغدادي، الزعيم المستقبلي لتنظيم "داعش" وفضل زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.

يرى انصاره أنه "واقعي"، ويقول خصومه إنه "انتهازي". وقد صرّح في العام 2015 إنه لا ينوي شنّ هجمات ضد الغرب، كما يفعل تنظيم "داعش"، أو كما فعلت القاعدة. وأوضح عندما انفصل عن تنظيم القاعدة، إنه فعل ذلك "لإزالة ذرائع المجتمع الدولي" لمهاجمة تنظيمه.

ويقول بييريه إنه منذ ذلك الحين، واصل "خطّ مساره كرجل دولة في طور التكوين".

فرض في كانون الثاني/يناير 2017 على الفصائل الإسلامية في شمال سورية الانخراط في صفوف هيئة تحرير الشام، بعد مواجهات بين المجموعات المسلحة وتوترات. ثم شكّل إدارة مدنية لإدارة المناطق التي تسيطر عليها الهيئة في شمال غرب سورية.

في إدلب (شمال غرب)، اتهم سكان وأقارب معتقلين ومدافعون عن حقوق الإنسان هيئة تحرير الشام بارتكاب انتهاكات ترقى، وفقا للأمم المتحدة، إلى جرائم حرب، ونظمت تظاهرات احتجاجية على هذه الممارسات في المنطقة.

بعد بدء هجوم الفصائل الأخير، سعى الجولاني إلى طمأنة سكان حلب التي تضم نسبة كبيرة من المسيحيين، داعيا مقاتليه إلى الحفاظ على "الأمن في المناطق المحررة".

ويقول الباحث آرون لوند "أعتقد أنها قبل كل شيء مسألة سياسة ناجعة. فكلما قلّ خوف السوريين والمجتمع الدولي، بدا الجولاني لاعبا مسؤولا وليس متطرفا جهاديا وأصبحت مهمته أسهل".

ويضيف "هل هذا صادق تماما؟ بالتأكيد لا. هذا الرجل ينتمي إلى نهج أصولي ديني متشدد جدا. لكن ما يقوم هو الشيء الذكي الذي يجب قوله أو فعله في هذا الوقت".