حضور الأب لحظة ولادة طفله يُعتبر تجربة عاطفية استثنائية، لابد سترخي بظلالها على ما بعدها. إذ تتنوع الآراء حول تأثيرها على الأب والأم معاً، ويمتد النقاش ليشمل الأثر النفسي والاجتماعي على العائلة ككل.
فهناك من يراها فرصة لتعزيز الترابط الأسري، وتعميق الرابط العاطفي بين الأب وطفله، فيما يعرب آخرون عن قلقهم من بعض التأثيرات السلبية.
وبحسب خبراء متخصصين فإن الدعم النفسي الذي يوفره الأب خلال الولادة يمكن أن يقلل من مستوى القلق لدى الأم، ويسهم في تسريع عملية الولادة وتخفيف الألم، لأن شعور المرأة بوجود شريك داعم يساعدها على الإحساس بالأمان.
كما أظهرت دراسة نُشرت في "مجلة طب النفس والصحة النفسية"، أن حضور الأب يعزز العلاقة الزوجية ويدعم مشاعر الأبوة المبكرة، ما يسهم في خلق علاقة أقوى بين الأب وطفله منذ اللحظة الأولى.
ومن جهة أخرى، يُظهر بعض الباحثين تخوّفهم من التأثيرات السلبية المحتملة، فبعض الآباء قد يشعرون بالضغط النفسي والرهبة نتيجة رؤيتهم لعملية الولادة بتفاصيلها الدقيقة، ما قد ينعكس سلباً على حالتهم النفسية.
وتوضح دراسة أجرتها "جمعية الصحة العقلية البريطانية" أن نسبة من الآباء قد يعانون من صدمة نفسية بعد حضورهم الولادة، ما يؤثر على قدرتهم على التفاعل مع المولود الجديد في الفترة الأولى. لذا فمن المهم أن يتخذ الزوجان القرار بناءً على رغبتيهما المشتركة واستعدادهما النفسي لهذه التجربة.
وفي دراسة ألمانية أعدّها باحثون بالمركز الطبي الجامعي في ماينز، وأظهرت الجانب المشرق لتجربة الأب في غرفة الولادة، تم فحص الحالة النفسية للآباء الذين حضروا مع زوجاتهم مراحل المخاض. وتضمنت الدراسة مقابلات مع 318 أباً خلال أول أيام بعد الولادة ثم بعد ستة أشهر.
وأظهرت الدراسة أن حضور الآباء كان له تأثير إيجابي، حيث رأى 85.5% من الآباء أن حضورهم كان مفيداً للأم، و79.8% أفادوا بأن التجربة كانت مفيدة لهم شخصياً، فيما أكد 58.8% أنها كانت جيدة للمولود. كذلك، اعتبر 73.6% أن هذا الحضور عزز العلاقة بين الزوجين.
وفي المقابل، أبدى 23% من الآباء شعورهم بالعجز، و14.8% وصفوا التجربة بأنها كانت مرهقة نفسياً، و36.5% شعروا بالخوف خلال عملية الولادة.
وما يدعو للتفاؤل هو أن أعراض اضطراب ما بعد الصدمة، لم تظهر بشكلٍ شاملٍ بين الآباء، إذ إن غالبيتهم بنسبة 94% كانوا سعداء بالتجربة، إلا أن بعضهم شعر بآثار نفسية متباينة.
وأوضحت الدراسة أن الآباء الذين حضروا الولادة يتأثرون بشكل إيجابي بوجودهم إلى جانب شريكاتهم، إلا أن المشاعر السلبية قد تظهر أثناء مراحل المخاض، وبشكل خاص من معاناتهم مع إحساسهم بالعجز من عدم القدرة على مساعدة الأم خلال آلام الولادة.
وختم الباحثون بتوصية بضرورة إدماج الآباء بشكل أكبر في عملية الولادة، وتلبية احتياجاتهم النفسية لضمان تجربة إيجابية لهم ولأسرهم في آنٍ واحد، كما أشاروا إلى أهمية توفير بيئة داعمة نفسياً للآباء في غرف الولادة.