أجمع المحللون في الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم، الأربعاء، على أن رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أقال وزير الأمن، يوآف غالانت، أمس، بهدف ضمان استمرار ولايته التي يعرقلها غالانت بسبب تأييد لتجنيد الحريديين للجيش، وأن نتنياهو يسعى إلى إقالة حراس العتبة وقيادة الأجهزة الأمنية على خلفية التحقيق في القضيتين الأمنيتين في مكتبه.
في هذه الأثناء، أصدرت المحكمة العليا قرارا، اليوم، أمهلت من خلاله نتنياهو حتى الساعة 12:00 من ظهر غد كي يقدم رده على التماس ضد إقالة غالانت.
وكان نتنياهو قد قرر إقالة غالانت، في آذار/مارس الماضي، على خلفية تحذيراته من تأثير الاحتجاجات ضد خطة إضعاف جهاز القضاء على الجيش وبالتالي المس بأمن إسرائيل. "وهذه المرة تمت إقالته لأن رفضه شرعنة تهرب الحريديين من الخدمة العسكرية يشكل تهديدا محتملا على حكم نتنياهو"، وفقا للمحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ناحوم برنياع.
وانتقد المحللون إقالة غالانت في ذروة حروب إسرائيل على غزة ولبنان واتساعها المحتمل مقابل إيران. واعتبر برنياع أن "بقاء نتنياهو في الحكم أصبح الأمر الأهم. وهذا أهم من أداء الجهاز العسكري في ذروة الحرب، عشية هجوم إيراني؛ وعندما يكون رئيس الحكومة أهم من الدولة التي يرأسها، فنحن ديكتاتورية".
وأضاف حول تعيين وزير الخارجية الحالي، يسرائيل كاتس، وزيرا للأمن خلفا لغالانت، أن "إدارة الحرب ليست المنصب الذي تم تأهيل كاتس له. وبإمكان الجيش أن يتدبر أمره بدون وزير أمن، لكن ماذا سيحدث في الاتصالات المعقدة مع وزارة الدفاع الأميركية. وإذا استخدم كاتس في هذه الاتصالات المفاهيم الدبلوماسية ذاتها التي تسببت له بخصومات مع جميع الدول خلال ولايته كوزير خارجية، فسنواجه مصائب".
ولفت برنياع إلى أن "ادعاء نتنياهو أنه لا توجد ثقة بينه وبين غالانت صحيح. ولكن لا توجد ثقة أيضا بينه وبين وزير خارجيته الجديد، غدعون ساعر. ونتنياهو ليس مهتما بمسألة الثقة بينه وبين وزرائه طالما أنهم لا يهددون استمرار حكمه. ومن أجل أن يشعر أنه كبير عليه تصغيرهم".
من جانبه، اعتبر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هرئيل، أن إقالة غالانت مساء أمس كانت الأصعب منذ هجوم 7 أكتوبر من العام الماضي، "لأن حماس رصدت حينها أن إسرائيل في موقع ضعيف داخليا بشكل غير مسبوق، وأن المجتمع الإسرائيلي ممزق بسبب محاولة إضعاف جهاز القضاء التي قادها نتنياهو".
وأردف أنه "الآن، فيما الحرب لا تزال بعيدة عن الحسم، يجدد نتنياهو تهديده المباشر على الديمقراطية. وإقالة غالانت ليست الخطوة الأخيرة التي يخطط لها. وقرار الإطاحة بغالانت يثير أسئلة حول أهلية نتنياهو للاستمرار في تولي منصبه. فبقاؤه في الحكم هو الأفضلية الأولى بالنسبة له. ونشأ هنا مرة أخرى خطر حقيقي على أمن الدولة. وإضافة إلى كل ما يتعلق بالحرب، غالانت كان أيضا حلقة الوصل هنا مع إدارة بايدن، التي نسقت معظم الخطوات الأمنية مع غالانت وجهاز الأمن، إثر التوتر الكبير في علاقات نتنياهو مع الأميركيين".
وحسب هرئيل، فإنه إضافة إلى ضغوط الحريديين، "يظهر جليا أن حلقة التحقيقات تشتد حول مكتب رئيس الحكومة"، في قضية تسريب معلومات سرية والقضية الجديدة التي تحقق الشرطة فيها بتزوير مكتب نتنياهو بروتوكولات اجتماعات الكابينيت السياسي – الأمني، وأن "الشبهات قد تتسع لتشمل مقربين آخرين من نتنياهو".
وأضاف أن "نتنياهو يعتزم القياك بعملية تطهير واسعة، مستخدما ذرائع متنوعة، والتخلص من حراس العتبة المتبقين – المستشارة القضائية، غالي بهاراف ميارا، ورئيس الشاباك، رونين بار، ورئيس أركان الجيش، هيرتسي هليفي".
وتابع أنه "يفترض بكاتس، الذي عينه نتنياهو خلفا لغالانت، أن يساعد في الإطاحة برئيس أركان الجيش. وسيتعين على رؤساء الأذرع الأمنية أن يقرروا كيف سيتصرفون. وهل سيضبطون أنفسهم حيال الإطاحة المؤكدة بمسؤولين أمنيين آخرين؟".
ورأى المحلل العسكري في صحيفة "يسرائيل هيوم"، يوآف ليمور، أنه "يقود إسرائيل رئيس حكومة يشكل خطرا على أمن الدولة. فإقالة وزير أمن في منتصف الحرب هو حدث غير مسبوق. وهذه صفعة مدوية لجميع الذين دفعوا ثمن الحرب ولجميع الجنود. وهم يعلمون الآن أكثر مما مضى أنه ليس أمن الدولة ماثل أمام أعين الذي أرسلهم إلى ميدان القتال، وإنما نزوات شخصية وسياسية".
وأضاف أنه "كما هو الحال دائما، إذا اضطر نتنياهو إلى الاختيار بين مصلحة الدولة ومصلحته الشخصية، يختار نفسه. وثمة خط مباشر يمر بين إقالة غالانت وبين التخلي عن 101 مخطوف بأيدي حماس. وهذا الخط يربط نقاطا أخرى: تهرب نتنياهو المتواصل من تحمل مسؤولية إخفاق 7 أكتوبر، والهجوم المتزامن والسام الذي يقده لواسطة مقربيه وشركائه ضد قيادة جهاز الأمن ورؤساء جهاز القضاء".
ومثلما يتوقع هرئيل، أشار ليمور إلى أنه "بعد غالانت، سيأتي دور هيرتسي هليفي ورونين بار وغالي بهاراف ميارا، الذين يعترضون طريق نتنياهو نحو حكم فردي".
وبحسبه، فإن كاتس لا يملك خبرة عسكرية بتاتا، "وسيستغرق وقتا طويلا حتى يعرف التمييز بين فرقة عسكرية وكتيبة، بين دبابة وناقلة جند مدرعة. وثمن تعلم ذلك سيُدفع بالدماء".
وانتقد ليمور بشدة مشاركة كاتس وساعر في الإطاحة بغالانت، "وهذا يدل على أن كاتس فقد الكوابح والرسن، فيما ساعر الذي وصف إقالة غالانت السابقة بأنها ’عمل جنوني’، يثبت مرة أخرى أن أنفه يتأقلم بسرعة مع الرائحة النتنة، علما أن الرائحة الكريهة الحالية التي يشارك فيها سيكون من الصعب تطهيرها".