في ظل استمرار الكارثة غير المسبوقة في قطاع غزة، واستمرار عملية السحق والابادة الإسرائيلية في شمال غزة حتى اللحظة، حتى بات القطاع المحاصر والفقير عنوانا بارزا للمأساة الإنسانية في القرن الواحد والعشرين، مع مواصلة إسرائيل تنفيذ ما تسمى "خطة الجنرالات" الهادفة إلى تنظيف الجزء الشمالي من القطاع الذي يضم جباليا وبيت لاهيا وبيت حانون، ومع انتقال تغطية وسائل الاعلام نحو لبنان الحدث الجديد وتنزوي غزة إلى الوراء، وانشغال المجتمع الدولي وتلاشي دوره بغزة، ما الحل أمام أهالي غزة أمام هذا المشهد الضبابي؟
وعلى صعوبة الوضع الداخلي المعقد في قطاع غزة، فإن الواقع العالمي والإقليمي أصبح أصعب، فلم نعد نسمع تظاهرات مناهضة لإسرائيل في العواصم الغربية، ولا حتى اعتصامات في الجامعات، حتى محكمة الجنائية الدولية لم نعد نسمع لها صوتا سوى ملاحقة قضاتها، بعد أن أسقطت الدعوى على المتهمين الفلسطينيين بعد اغتيالهم، ولم يبقَ مَن تطلبه سوى نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، كما أننا لم نعد نسمع أخبارا عن جلسات مرتقبة لمجلس الأمن، فيما اختفى صوت الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، ولم يعد هم العالم سوى الضغط على إسرائيل بالسماح للضحايا بغزة بالتزود بالغذاء قبل الموت المنتظر.
نعم، لقد هدأت عاصفة الظروف الدولية والمناشدات العالمية لإسرائيل بوقف العدوان على غزة، ووقف إبادتها وتطهيرها لشعب أعزل، حتى أننا لم نعد نسمع استنكارا أو شجبا للمجزرة التي لم تعد أمرا يثير العالم، ليصبح ذبح غزة بالصواريخ الإسرائيلية أمر طبيعي، بعد عام وأكثر من المذبحة المستمرة، واخفاق حركة حماس المسؤولة الأولى عن المغامرة الكبرى في السابع من أكتوبر 2023، في التصدي لجيش الاحتلال المدعوم بشكل علني من الولايات المتحدة والدول الغربية، ونسيت أن الأساس في المشروع الوطني الفلسطيني هو بقاء الفلسطينيين على أرضهم، والاستمرار في إحياء القضية والضغط على إسرائيل لفرض حل.
وفي ظل هذا الفشل الحمساوي وفشل رؤيتها ومشروعها الاخواني، لابد من تفكير جديد داخل أروقة الحركة ومؤسساتها، يبدأ بإعلان الحركة إنهاء سيطرتها على القطاع، والسماح للسلطة الفلسطينية بإدارة القطاع أمام العالم، مما سيكون سببا مقنعا للمجتمع العالمي، بنزع أحد مبررات إسرائيل لاستمرار الحرب، وفرض واقع جديد يجبر إسرائيل على وقف المذبحة، أليس هذا قرارا صائبا سيحمي من تبقى من شعبنا؟ أليس هذا حلا واقعيا لوقف الخراب والدم؟ على الحركة أن تسأل نفسها بشكل واقعي هذا السؤال، فالأمر لم يعد يحتمل خداع الذات والشعب بالشعارات الكاذبة.
إن الناظر الحقيقي إلى الموازين الدولية، يتأكد بدون تمحيص ولا تفحيص أن العالم ليس في صف الفلسطينيين، إنما داعم حقيقي لإسرائيل، وهذا ما كان يجب على حماس أن تقرأه منذ اليوم الأول للحرب، وفي ظل استمرار إسرائيل بحربها على غزة بذريعة ملاحقة حركة حماس، فإن الحل وإن كان مؤلما للحركة، يفرض عليها قطع الطريق أمام الاحتلال ووقف استكمال مخططاته وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من غزة وشعبها.
إن الواقع الأليم الذي يعيشه قطاع غزة لم يعد يحتمل المجاملة ولا الشعارات الرنانة التي كانت تتغنى بها حماس طوال السنوات الماضية، والتي لم تستطع حماية طفل صغير، وبالتالي لابد من أن يقول العقل كلمته.. على حماس أن تختار إما العقل الذي يصب في سحب ذريعة إسرائيل ووقف الحرب، أو الاستمرار بالشعارات التي ستوصلنا إلى احتلال إسرائيل لقطاع غزة بشكل كامل وطرد سكانه منه وفرض هجرة جديدة لتكون هجرة 2024.